د. سيف الدين زمان الدراجي *||
" اول من يلتقي الرئيس صباحا واخر من يلتقيه قبل أن يغادر مكتبه "
*الحلقة ٣٤،* من سلسلة مقالات في إستراتيجيات الأمن الوطني ومواجهة التحديات.
في عالم يشوبه الغموض وفي بيئة دولية واقليمية ذات تحديات جمة، وفي ظل صراعات داخلية وخارجية غير متنبئة العواقب، تبرز الحاجة الى بلورة فهم اوسع لمهام مستشار الأمن القومي وما تقع عليه من واجبات ومسؤوليات للتنسيق وإبداء المشورة اللازمة للشخص المسؤول الاول في السلطة التنفيذية.
تعد الولايات المتحدة الأمريكية اول من انشأ موقع مستشار الامن القومي. حيث تمت تسمية روبرت كتلر عام 1953 كأول مستشار للأمن القومي بعد ان تم تأسيس مجلس الامن القومي في العام 1947.
منذ الهجوم الإرهابي على نيويورك في 11 سبتمبر 2001 ، أعيد تقييم دور مستشار الأمن القومي (NSA) في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي السابق ، افتقر دور وكالة الأمن القومي إلى الوضوح في علاقاتها مع الإدارات الحكومية الأخرى ، مما أدى إلى مخاوف تتعلق بالمساءلة. اما بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، سعت واشنطن إلى حماية الولايات المتحدة وحلفائها مع الحفاظ على مجتمع منفتح من الداخل. تطلب الأمر إعادة تقييم لكيفية تفاعل الدوائر الحكومية وعملها مع وكالة الأمن القومي. حيث أصبحت وكالة الأمن القومي عضوًا رئيسيًا في فريق صنع القرار الرئاسي بشأن السياسات الخارجية و الدفاعية.
في مراجعة بحثية لأدوار مستشاري الأمن القومي في دول أخرى كالمملكة المتحدة وكندا والهند وباكستان وإيران وإسرائيل وجنوب افريقيا، وفي سياق الحديث عن مجلس الأمن القومي، تشير الدراسات المتخصصة الى ضرورة أن تعمل الوكالات الحكومية المختلفة ووكالات الأمن القومي معًا بشكل تعاوني بدلاً من التنافس في صراعات السلطة من أجل التأثير على رئيس السلطة التنفيذية. كما أن دور مستشار الأمن القومي NSA ومهاراته الشخصية وتقديراته الإستراتيجية ستساعد في صنع المزيد من القرارات الرصينة والفعالة.
تتم صياغة السياسة الخارجية للحكومة وسياسة الأمن القومي وتنفيذها في سياقات سياسية وأيديولوجية واقتصادية محددة. تشمل قضايا السياسة الخارجية العديد من القضايا الأمنية. فالسياسات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتنموية والثقافية والعلمية محكومة بالعلاقات التي تربط البلدان ببيئتها الدولية والإقليمية. إن عمل وزارتي الخارجية والدفاع هو وضع السياسات وفق الاستراتيجية التي تعدها وكالة او مستشارية الأمن القومي. وهنا يلعب مستشار الأمن القومي NSA دور الوسيط ، الذي يحاول الوصول إلى اتفاق من خلال تنسيق عمل مختلف الوكالات الحكومية والجهات الفاعلة المعنية للوصول الى موافقة.
السؤال هنا: : ما الذي يجعل مستشار الأمن القومي وسيطًا فعالًا ومستشارًا كفوءاً وقائدا إستراتيجياً؟ ما هي الخصائص الشخصية المطلوبة والتي من المهم توفرها في مستشار الأمن القومي؟
لقد تطورت عملية صياغة الاستراتيجيات وعملية صنع القرار بشكل ملحوظ في الوقت الحاضر. فغالبًا ما يكون للتوجهات الاستراتيجية الدور الأكبر في تنظيم سياسات الجهات القطاعية الخارجية والدفاعية ويكون نظام اتخاذ القرار فيها مركزيًا.
من خلال تطوير مناهج نظرية جديدة لصنع القرار بشأن الأمن القومي والدوائر الحكومية. يمكن تحديد العوامل الأربعة الرئيسية التي تؤثر على عملية صنع القرار في سياسة الحكومة: (1) البيئة السياسية الداخلية ، (2) الديناميكيات التنظيمية ؛ (3) دور الهيئة الاستشارية ودور الرئيس (نهج واحد يقسم البيئة السياسية إلى محتوى سياسي محلي ودولي) ؛ (4) توجهات الإدارة الرئاسية والمؤسسات الأخرى لاسيما وزارتي الخارجية والدفاع.
يعتبر مستشار الأمن القومي NSA قائد فريق استراتيجي أمني عالي المستوى. حيث يأخذ زمام المبادرة في الجمع بين الإدارات. يقول ريتشارد روميلت إن "أهم واجب" للقائد هو تطوير استراتيجية تدرك "أكبر العقبات التي تحول دون التقدم إلى الأمام" وتقدم "مسارًا متماسكًا لمعالجتها".
يفترض من الشخصية التي تتولى مسؤلية مستشار الأمن القومي ان تقدم خلاصة الوثائق والتوصيات والتقارير الصادرة من الوزارات المختلفة، وأن تكون قادرة على إيجاد رؤية مشتركة تعكس المواقف التي تكون أحيانا متناقضة. فمثلا من الصعب أن تتوافق دائماً وزارات الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والاقتصادـ
قال ستيفن هادلي، “إن العمل مستشارا للأمن القومي هو أفضل وظيفة في السياسة الخارجية في الحكومة. إذ يمكنك قضاء المزيد من الوقت مع الرئيس أكثر من أي عضو آخر في فريق الأمن القومي للرئيس. وأنت أول شخص يرى الرئيس في الصباح عندما يحضر للعمل في المكتب وآخر شخص يراه قبل أن يتخذ أي قرار رئيسي في السياسة الخارجية أو الأمن القومي.”
من الضروري أن يكون مستشار الأمن القومي حريصًا على ألّا يسلب دور مسؤولي الحكومة وخاصة وزيري الدفاع والخارجية، فأهمية عمله قد تتداخل احيانا مع مهام واعمال وزارتي الدفاع والخارجية. ولعل تنامي الخلاف قد يتسبب بعرقلة الجهود الحكومية في أمور مؤثرة قد يكون لها عواقب تمتد "عبر العالم وتؤثر عليه.”
يشير الباحث بيتر بيكر الى ان شدة الخلاف بين مستشار الأمن القومي المعروف بريجنسكي مع وزير الخارجية في حينها سايروس فانس قد وصلت الى حد التشابك بالايدي. كما ان جورج شولتز (وزير الخارجية) عارض حضور الاجتماعات التي يرأسها فرانك كارلوتشي (مستشار الامن القومي الامريكي من 1986 إلى 1987).
عادة ما يتولى دبلوماسيون او عسكريون مهام مستشار الأمن القومي. ومن ذلك نستنتج بأن خليط الشخصية العسكرية الدبلوماسية هي الأقرب لتولي هذه المسؤولية، لذا يمكن ان ندرج مجموعة من مواصفات مستشار الأمن القومي ومسؤولياته، وكما يلي:
• تحليل القضايا الأمنية وتقييم الاتجاهات المتوقعة وتحديد أولويات الاستجابة.
• الثقة بالقدرة على العمل في بيئة غامضة وغير متوقعة الاحداث
• القدرة على العمل تحت ضغط إعلامي مكثف
• الاعتراف بالقيود والمحددات البشرية ، بما في ذلك القيود الخاصة بالعمل السياسي وتوفير الموارد اللازمة.
• يتمتع من يتولى هذه المسؤولية بالحكمة والاحترام المتبادل مع مرؤوسيه وأختيار الأكفأ من بينهم -لاسيما نوابه ومدراء وحداته التخصصية - مع رغبة مستمرة في التشاور معهم وتطوير قدراتهم وإمكاناتهم وتوجيههم بالشكل الذي يضمن نجاح مهمته ومن ثم تهيئتهم لتولي مسؤوليات أكبر.
• الرغبة في تعزيز التعاون والتفاوض والفهم المشترك وليس المواجهة؛ على مستوى الشأن السياسي الداخلي والخارجي.
• تقديم تحليلات مهنية وشفافة للقضايا وعرضها على الرئيس للبت فيها.
• الحفاظ على حيادية عمل وكالة او مستشارية الأمن القومي وعدم زجها في صراعات داخلية مع وكالات اخرى.
• الحفاظ على ثقة باقي أعضاء مجلس الأمن القومي.
• التأكد من أن الهيكل التنظيمي للأمن القومي والعملية المشتركة بين الوكالات تلبي احتياجات الرئيس وتتطور بمرور الوقت.
• تقديم المشورة بشأن السياسات إلى رئيس الجمهورية بشكل سري.
• الابتعاد عن الأنظار والعمل بشكل عام خارج الاضواء.
• تحمل مسؤولية الأخطاء والاعتراف بها والقبول بالعواقب مع تقديم الحلول البديلة.
إن مهام مستشار الأمن القومي مهام إستراتيجية وعلى مستوى عالي من الأهمية، وفضلا عن تلك المهام الاستراتيجية، فأن بعض البلدان تضع مسؤولية توجيه السياسات الخارجية والدفاعية على عاتق رئيس وكالة او مستشارية الامن القومي، الأمر الذي يضع من يتولى هذه المسؤولية تحت مجهر المتابعة والتقييم المستمر لما لقراراته الاستشارية من تأثير كبير داخليا وخارجياً.
يقول ستيفن هادلي : من دون التمتع بالمكانة البروتوكولية للوزراء " فإن مستشار الأمن القومي يقضي جزءا كبيرا من وقته في جوهر السياسة أكثر من أي مسؤول آخر. فإذا كنت تحب السياسة أكثر من الأبهة، فستحب هذه الوظيفة".
*باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي