د.علي المؤمن ||
في مرحلة استيلاء معاوية بن أبي سفيان على السلطة في الدولة الإسلامية؛ نجحت المنظومة الأموية في تنفيذ الجزء الأكبر من مخططها باختطاف الإسلام، وتأسيس دين بديل جديد، يحمل في ظاهره الطقوسي والعقدي اسم الإسلام، لكنه في حقيقته معتقد ونظام وسلوك مختلف. وتسنى ذلك لمعاوية وأسرته عبر موجات الوضع في الحديث النبوي، وتأسيس النظام الوراثي الإمبراطوري، وبلورة عقيدة دينية جديدة، وقمع الأسرة النبوية المكلّفة بخلافة رسول الله، والعمل على تهميش دورها حتى في البعد الديني.
العملية الأساس الأولى التي مثّلت جدار الصد لعملية الإختطاف؛ كانت نهضة الإمام الحسين بن علي، وما أعقبها من ثورات على خطاها، وأهمها ثورة التوابين و ثورة المختار الثقفي وثورة زيد بن علي وثورات العلويين وأتباع آل البيت اللاحقة.
أما العملية الأساس الثانية فتمثلت في المواجهة العلمية والدينية والتبليغية التي قام به أئمة آل البيت لمخطط اختطاف الإسلام، والتي تألقت في عصر الإمامين الباقر والصادق، ومارافقه أيضاً في الفترة الإنتقالية بين السلطتين الأموية والعباسية من ظهور محدّثين فقهاء كبار في المدينة والكوفة ينتمون الى مدرسة الخلافة (السنية)؛ عملوا على الإبتعاد عن المنهج الحديثي والعقدي والفقهي الأموي، وتأصيل فقه مدرسة الخلافة بما ينسجم مع الكليات العامة للإسلام، لاسيما أن كثيراً منهم درس عند الإمامين الباقر والصادق.
وقد كان نتاج مواجهة آل البيث لمؤامرة المنظومة الأموية؛ الحيلولة دون تمكينها من اختطاف الإسلام بشكل كامل. وقد أدى مسار الصراع السياسي والعقدي هذا الى تجذّر الإنقسام بين المسلمين الى ثلاث شرائح:
الشريحة الأولى: اختارت التمسك عقدياً وروحياً واجتماعياً سياسياً بمدرسة آل البيت، و أخذت عنوان "التشيع"، وهي مدرسة "الإمامة".
الشريحة الثانية: اختارت الإنخراط عقديا وسلوكياً وسياسياً بمدرسة آل أمية، وأخذت عنوان "النصب"، أي العداء للإسلام الأصيل المتمثل بآل البيت، وصولاً الى انبثاق العقيدة التكفيرية السلفية لأحمد بن تيمية، ومن أبرز مصاديقها اليوم الفرقة "الوهابية السعودية"، وبذلك؛ باتت عقيدة التكفير الوجه الآخر لعقيدة النصب.
الشريحة الثالثة: اختارت الحياد بين المنظومة الأموية و مدرسة آل البيت، وفضّلت التمسك بما أسمته سيرة الخلفاء الراشدين والصحابة، أي أنها لم تأخذ بعقيدة الإمامة وفقه آل البيت ولا بعقيدة آل أمية ومنهج النصب والتكفير، وحملت عنوان "التسنن" بمرور الزمن، وهي مدرسة "الخلافة" أو "أهل السنة".
ولكي نكون أكثر التصاقاً بالحقيقة؛ فإن مدرسة "أهل السنة" كانت ولا تزال منحازة لآل البيت عاطفياً، وأحياناً سياسياً، ولاتخفي حبّها لهم، لكنها عقدياً وفقهياً لا تتبعهم؛ بل تتبع فقهاء ومتكلمين آخرين من مدرسة "الخلافة"، كالأشعري والماتريدي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن جنبل، وهذا هو ما يميزها عن مدرسة "التشيع" ومدرسة "النصب" والتكفير. أي أنها مدرسة بين المدرستين.
وعندما نتحدث عن مدرسة النصب لآل البيت وتكفير من لم يعتقد بأفكارها؛ فإنما نقصد الجانب العقدي والسلوك العقدي لهذه المدرسة. صحيح أن جذور عقيدة هذه المدرسة وفقهها يعودان الى أحمد بن حنبل، الذي يعد مؤسس مذهب فقهي مستقل عن المذاهب السنية التي سبقته، وكذا مؤسس فرقة كلامية مستقلة عن الأشاعرة والماتريدية والظاهرية، وكانت فرقته تعرف آنذاك بـ "الأثرية"، وهي تتشبه بالفرقة "الحشوية"، ثم استقرت فيما بعد على اسم "السلفية"؛ بيد أن بعض شيوخ الفرقة الآثرية السلفية، انحرف بالتدريج عن عقيدة ابن حنبل في موقفها من آل البيت، حتى جاء ابن تيمية، وهو حنبلي أساساً، لكنه كان زعيماً لإحدى الجماعات المنحرفة المنسوبة الى الحنبلية السلفية؛ ليعيد الحياة لعقيدة آل أمية، ويعلن مذهب التكفير والنصب، ولا سيما عبر كتابه "منهاج السنة النبوية"، ثم عمّق هذا المعتقد محمد بن عبد الوهاب المتحالف مع محمد بن سعود، وبات سلطة فتّاكة بيد الدولة الوهابية السعودية لمحاربة آل البيت وتكفير أتباعهم.
ولعل جزءاً مهماً من خديعة الفرقة التيمية الوهابية؛ زعمها أنها تمثل مذهب أحمد بن حنبل وفرقته السلفية الأثرية، وأنها جماعة سنية مجدِّدة، وليست مذهباً مستقلاً عن أهل السنة، لكن هذا الزعم يخالف الواقع، كما ذكرنا.
لذلك؛ ينبغي الحذر من الخلط بين مدرسة "السنة" ومدرسة "النصب" والتكفير؛ لأنهما مدرستان مختلفتان؛ بل متعارضتان في كثير من المسائل العقدية، وفي النظرة لآل البيت وللشيعة، وفي المنهج التربوي والسلوك الاعتقادي، وفي تفسير التاريخ.
كما ينبغي الحذر الشديد من أي كلام أو سلوك يدفعان أتباع المذاهب السنية الى الارتماء في أحضان مدرسة "النصب" والتكفير؛ لأن أهم هدف لهذه المدرسة هو تنصيب نفسها مدافِعاً عن أهل السنة وناطقاً باسمهم، واستقطاب أكبر عدد ممكن من أتباع المدرسة السنية، وتحويلهم الى أعداء للشيعة، وأدوات تدمير للواقع الإسلامي برمته، عبر إقناعهم بالعقيدة الأموية التيمية الوهابية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha