خالد جاسم الفرطوسي ||
ثلاثة طيور تقف على الشجرة، قرر واحد منها أن يطير، فكم بقي منها على الشجرة؟ طبعاً بقي ثلاثة، لأن واحداً منها قرر أن يطير ولم يطر بالفعل! وبالتالي فلم يتغير شيء من واقع الحال.
هنا .... ليسأل كل واحد منا نفسه: كم مرة قرر أن يفعل شيئاً ولم يفعله؟! فبقي الحال على ما هو عليه وربما أسوأ.
أنه ليس كافياً أن تتمنى أو ترسم أو تكتب لنفسك أهدافاً، إنما يجب أن تسعى لتحقيقها، فلا شيء ثابت في هذا الكون سوى التغيير، وهو قادم وواقع لا محالة فمن لا يتقدم يتقادم ويهوى ويضل، قال الإمام الصادق عليه السلام في معنى ما تقدم: (من تساوى يوماه فهو مغبون ومن كان غده شر من يوميه فهو مفتون ومن دام نقصانه فالموت خير له من الحياة).
وعليه فالتغيير قادم لا محالة، وهذا ما يجعل ضرورة التعرف عليه من قبل كل من يريد النجاح والفلاح، فبدون معرفته لن نتمكن من تحصيله.. فماذا نعني بتغيير (تطوير) الذات؟
عرّفه الكثير بتعاريف عديدة يمكن لنا أن نخرج من مجموعها بالتالي: (هو منهج يعمل على تنمية واكتساب أي مهارة أو معلومة أو سلوك تجعل الإنسان يشعر بالرضا والسلام الداخلي، وتعينه على التركيز على أهدافه في الحياة وتحقيقها وتعدّه وتجهزه للتعامل مع أي عائق يمنعه من ذلك).
واكتساب هذه المهارة أو المعلومة أو السلوك يعتمد بالدرجة الأساس على تغيير النفس، فما لم أبدأ بتغيير النفس، فمن المستحيل أن أتمكن من تطوير ذاتي علمياً وسلوكياً. إذاً تطوير الذات لا يشمل تغيير النفس فقط، فذات الإنسان هي كله بما فيه من صفات ومواد، بينما صفاته هي المعاني القائمة به من شجاعة وجمال وذكاء ونحوها.
وعليه فالتطوير الذاتي له مدلولات كثيرة، فتربية النفس هو تطوير لها، وإدارة الإنسان لذاته إدارة إيجابية هو تطوير وارتقاء بالإنسان.. ومن الواقع أن يتم تطوير الإنسان تلقائياً منذ ولادته فيقوم الوالدان والأسرة والأصدقاء والمجتمع والإعلام والمدرسة بتطويره وتربيته وتنشئته على الأخلاقيات وتعويده لئن يطور ذاته، ولكن تدخل الإنسان في تطوير ذاته هو من أهم وأجل الأعمال التي يقوم بها ليتمكن من تطويرها.
وقد أكد الأئمة صلوات الله تعالى عليهم أجمعين أن تربية الإنسان لذاته لها وقعها في النفس أكثر بكثير من تربية الآخرون له، من هذا المنطلق يتضح أهمية تطوير الذات سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، ولا يمكن في نظري أن يستقيم وضع الأسر والمجتمعات والأمم ما لم يكن تطوير الإنسان لذاته فعال ومستمر، ولا شك أن الله سبحانه أودع في ذات الإنسان مهارات وقدرات وإمكانيات يجعلها تساهم في تطويره لذاته. وهناك مؤشرات ودلائل تؤكد على ضرورة تطوير الإنسان لذاته فمثلاً: تطوير ذاته التعليمية هو قيامه بواجباته الدراسية والحفظ والمذاكرة، كذلك اهتمامه بالنظافة تطوير لذاته الجسمية، ومسعى الإنسان للبحث عن الرزق هو تطوير لذاته المعيشية، وهكذا.
إلا أن الناس يتدرجون في تطوير ذواتهم فكلما حرص الإنسان على تطوير ذاته كلما أصبح له شأن كبير في المجتمع، وكلما ضعف كلما قل شأنه في المجتمع.
إن تعريف (تطوير الذات) المذكور أعلاه بُني على افتراضات مهمة وأصيلة وهي:
1- أسمى أهداف الإنسان المسلم وغاياته هو الوصول إلى الجنة، ولابد أن يصرف حياته كلها في سبيل هذا الهدف، ولذا فمن المفترض أن يكون هذا الهدف أول الأولويات، وأن تقاس باقي أهداف الإنسان من حيث أهميتها على هذا الهدف، فالسعي لتحصيل المال كهدف مثلاً لابد أن يتماشى مع هذه الغاية في الوصول للجنة، وكذلك الأمر مع أي هدف دنيوي آخر.
2- تطوير الذات لا يخرج عن مقاصد الشريعة، فلا يطلب الإنسان تطوير نفسه بما لا يتفق مع الثوابت الشرعية.
3- تطوير الذات لا ينفك عن تزكية النفس، وهو الوصول إلى كمال الإيمان وتطهير النفس مما يخدش الإيمان وهذا هو الأصل الذي يسعى إليه كل مؤمن عاقل.
4- تطوير الذات هو مهمة مستمرة دائماً لا تتوقف عند حد أو سن معين.
وهنا يطرح السؤال التالي: من منا لا يحتاج إلى التغيير؟! بالتأكيد كلنا نحتاج إلى التغيير في وقت ما أو في مفترق طرق نحتاج إليه، ولكن هذا التغيير وكما أشرنا اليه لا يشمل تغيير النفس فقط، ولكن كيف تحمل نفسك على التغيير إلى الأفضل؟ هذا سؤال ربما تسأله لنفسك في كثير من الأوقات، وكما هو واضح ومن البديهيات أن التغيير الحقيقي لا يحدث إلا إذا أردنا ذلك وعملنا عليه. وما دمنا سنخوض الحديث عن موضوع التغيير، فأنه ينبغي علينا أن نلتفت إلى أن الحديث عنه يحتاج إلى دراسة من ناحيتين:
من ناحية العلم، ومن ناحية العمل، أي: التطبيق العملي لمفهوم تغيير النفس، قال تعالى في إشارة إليه: (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ (، ويقول سبحانه وتعالى في ذلك أيضاً: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ (.
من المؤكد أن كثير منا أو ممن قرأ هذه السطور تجده قد حاول تغيير بعض طبائعه إلى الأفضل، أو تغيير بعض عاداته إلى الأحسن، ولكن واجهته العديد من العقبات والمشكلات التي تجعله يقف مكتوف الأيدي عن تحقيق أهدافه وآماله وأحلامه، مما يؤدي بالبعض منهم إلى أن يبدأ مشوار الحط من قدرته، وتحطيم ثقته بنفسه، والنتيجة تكون في النهاية، عدم المواصلة في تغيير النفس، أي: الفشل.
من الممكن أن آخذك في جولة إيمانية وروحانية وعلمية، وخطوة خطوة تنتهي بكَ في تغيير ذاتك نحو ما تصبو إليه، سترى أنك في نهايتها تشد رحيلك نحو رحلة التغيير فتحزم أمتعتك اللازمة لها، ستحدد أهدافك ورؤيتك ورسالتك وتحدد قيمك التي ستسير عليها وتبني شخصيتك وتقودها نحو القيادة والنجاح والفلاح، بإذن الله تعالى، لكن ذلك مما يحتاج إلى كتاب مستقل.
كل ما أرجوه منك، أن تملك قابلية الاستعداد لذلك لتنتهج منها منهجاً من كتاب أو أستاذ يرشدك، لترى أبواب التوفيق تفتح لك، وستشعر أن لحياتك معنى، سوف تحب الحياة، ولن تهاب الممات، لأنك حينها ستكون في كنف الله، فحينها ستعمل لله، ومن عمل لدينه كفاه الله أمر دنياه، لا أريد أن يشغلك اليأس فتملأ طريقك أشواكاً، فتوهم نفسك بصعوبات ليست بالمستحيلة، من قبيل كبر السن وضنك المعاش وصعوبة الحياة وقلة الوقت، فكل ذلك أشواك يمكن إزالتها بالعزيمة والإصرار وصدق النية، تمعن في قول شخص كان يتحجج بما يبرر به البعض من حجج مر ذكرها، ولكنه تحداها بعزم وسعي جادين:
(ليس هناك شيء لا أستطيع فعله الآن، ولم أكن أستطع فعله في سن 18... لكني لم أفعل أي شيء في سن 18.... بل كنت أسوأ حينها من سن 17.... ولم أكن بهذا الحماس في سن 25.... لقد أدخرت كل شيء لهذه اللحظة، كما أكره أن أتباهى، لكنني بارع جداً في هذه اللحظة).
توجد بداخلك كل قوة العالم، وبتعبير بسيط: إننا من نعتقد أننا نحن، وهكذا فإن لدينا القدرة على التغيير في أي لحظة، وتذكر أن المسؤولية ثمن المنجزات العظيمة، ولا يفوتك أن تنسى أن نوجد يعني أن نتغير، وأن نتغير يعني أن ننمو، وأن ينمو المرء هو أن يعيد تكوين ذاته لما لا نهاية.. فما الذي سيفيد الإنسان، لو ربح العالم وخسر نفسه.
لا أريدك أن تنسى أنه يمكنك أن تصبح أي شيء تصبو إليه، لأن العالم يوجد عبر قوة الاعتقاد والإيمان، فما من شيء ثابت أو حد واضح أمام الكائن الإنساني بمشيئة الباري تعالى، والرجل الذي يمضي أبعد ممن سواه هو عموماً الرجل المستعد للإقدام والمغامرة.
عندما تنمو في الوعي وترى ضرورة ما تقدم ذكره، وتبدأ في رؤية العالم المثير المحيط بك بطرق مختلفة وجديدة، ستشرع في الحصول على رؤية أوسع لنفسك، ولما تعتقد أن بوسعك إنجازه في حياتك.. وعندما تصير مسيطراً على عالمك الداخلي، ستصبح مسيطراً على عالمك الخارجي. وعليه ينبغي عليك أن تغادر مدينة راحتك ورفاهيتك، وأن تمضي إلى غابة الحدس والبصيرة، فما أروع ما سوف تكتشفه هناك، لأن ما ستكشفه هو ذاتك.
تذكر أن الحياة ما هي إلا فرصة فلا تضيعها، ولا تنسى أنك إذا فشلت في التخطيط، فقد خططت للفشل.
واعلم عزيزي القارئ أن موضوع تغيير وبناء الذات لا يختص بفئة معينة دون أخرى، قد تكون مهندس، أو أستاذ أو دكتور، وقد تكون من حملة الشهادات الابتدائية، وممكن أن تكون ممن لا يقرأ ولا يكتب، فيمكنك أن تبدأ بعملية تطوير الذات، فموضوعنا هذا لكل إنسان يود أن يضع لحياته معنىً، وأن يشكل رقماً في الحياة.
إذا كنت فقط تقرأ، دون أن تطبق، فهذه المادة ليست لك، هذه المادة عملية، لذا عندما تقرأ عن عملية تغيير الذات فالتطبيق فيها واجب، فاركب قارب النجاة نحو ساحل قيادة الذات.