دراسات

المواطنة قديما وحديثا (١)


  محمد عبد الجبار الشبوط ||   المواطنة في مفهومها الحديث علاقة من طرفين. الطرف الاول هو الدولة، والطرف الاول مكرر هم الافراد الاحرار المتساوون. ويترتب على هذه العلاقة منظومة حقوق وواجبات على الطرفين.  بدون دولة حديثة لا نتصور وجود مواطنة بمعناها الحديث، وبدون وجود افراد احرار متساوين لا نتصور وجود مواطنة بمعناها الحديث.  وهذا يقتضي ان لا تميز الدولة بين افرادها على اساس اللون او الدين او المذهب او اللغة او القومية الخ.  ربما اقتربت الدولة الاشورية في العراق القديم بنسبة ما من هذا المفهوم. فقد اتبعت هذه الدولة سياسة الاندماج المجتمعي مع الغرباء. لم يكن الاشوريون يرون اية عواقب وخيمة قد تنجم عن الاختلاط بالشعوب الاخرى، وغالبا ماكانوا يؤكدون على اسكان الاسرى ومعاملتهم كما لو كانوا اشوريين. ولهذا كان الشعب الاشوري هجينا وكان النقاء العرقي غير ذي اهمية بالنسبة لهم. بل ان الكثير من "الدخلاء" من اصول ارامية وفينيقية واسرائيلية تولوا مناصب عليا في الدولة الاشورية. ومن المحتمل ان ملكا بابليا تم سبيه وهزمه من قبل الاشوريين اصبح ملكا عليهم فيما بعد. لكن في نهاية المطاف كان يقف عند احد طرفي السلم الاجتماعي مواطنون ذوو حقوق كاملة، فيما يقف عند الطرف الاخر طبقة الناس العبيد الذين كانوا يباعون كما تباع السلع. (هنري ساغس، جبروت اشور، ص ١٨١-١٩٦). وحين تساءل ارسطو (٣٨٤-٣٢٢ ق م): من هو المواطن؟ . اجاب بقسوة بالغة:"مجرد السكن في البلاد لا يمنح المواطنة، لان السكان الاجانب والعبيد ليسوا مواطنين". (Politics, p 169). تباهى بيركليس (٤٩٠-٤٢٩ ق م) بديمقراطية اثينا التي تضع السلطة بيد الشعب. لكن مفهوم الشعب demos في الديمقراطية الاثينية كان "اقصائيا" لا يشمل الافراد دون العشرين سنة من العمر، ولا النساء، ولا المهاجرين، ولا  العبيد. والنتيجة كانت الديمقراطية الاثينية عبارة عن حكم الاقلية رغم ان الكتب الاكاديمية تسميها الديمقراطية المباشرة! (David Held, Models of Democracy, p 23) والامر مشابه لما كانت عليه المواطنة في الامبراطورية الرومانية. قال لي احد الفضلاء ان "المواطنة" من الامور العقلائية، بمعنى انها ليست امرا حديثا.  لكني اقول  يبدو ان العقل البشري في طفولته، منذ قيام دول المدن في وادي الرافدين الى انعقاد مؤتمر وستفاليا في عام ١٦٤٨ لم يكن قد وصل الى ادراك هذا الامر العقلائي. صحيح ان هناك بعض المؤشرات الاولية لهذا الوعي في اسبانيا اثناء حروب الاسترداد في عهد الملك الفونس التاسع، حين عقد اجتماع ليون في عام ١١٨٨، وفي حرب الماجناكارتا في بريطانيا في عهد الملك جون عام ١٢١٥، لكن الامر تتطلب ان ننتظر فترة اخرى قبل ان ينبلج فجر هذا الامر العقلائي.  المواطنة بالمعنى الذي ذكرته قبل قليل من المعاني  الجديدة المرتبطة بالدولة الحضارية الحديثة. وخلاصتها ارتباط الافراد بالدولة، بصيغتها الحديثة، ذات السيادة على اقليم محدد هو الوطن، على قدم المساواة بالحقوق والواجبات والمركز القانوني وفرص العمل الخ، بغض النظر عن الدين والمذهب والقومية واللغة والانتماء السياسي او الحزبي. ولم يكن معمولا بهذا المبدأ في الدول التي سبقت ظهور الدولة الحديثة، مثل الدولة الاسلامية منذ دولة المدينة التي اقامها الرسول محمد حتى الغاء الخلافة العثمانية في عام ١٩٢٤. وحين انقسم العالم الاسلامي الى دويلات في خوارزم وبغداد والشام ومصر وشمال افريقية والاندلس لم تنشأ مواطنات محلية خاصة بكل دولة، ولم تصدر هذه الدويلات جنسيات خاصة بمواطنيها ولا جوازات سفر تسمح لهم بدخول الدويلات "الاسلامية" الاخرى (يقال ان الدولة الفاطمية فعلت ذلك). فقد كان الانتساب للاسلام يكفي، ولم يكن المسلم بحاجة الى "مواطنة" اخرى. ولكن اذا اقيمت دولة "اسلامية" في العصر الحديث  على اساس المواطنة، فعنذاك ينتفي موضوع اهل الذمة والجزية، لان جميع "الرعايا" سيكونون مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات 
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك