حسن الربيعي ||
يقال إن الرياح والشمس جرى بينهما تحد، أيهما الأقوى.. فقررا أن يختبرا قوتهما على شخص، أيهما يجبره على خلع معطفه؟ فاستجمعت الريح كل قواها ووجهتها صوبه، فأحكم إغلاق المعطف، أما الشمس فسلطت أشعتها الدافئة نحوه، فتغلغل دفؤها إليه، وأحسّ بالحر، وخلع المعطف.. فما لم يأتِ بالقوة الشديدة الصلبة، فإنه يأتي بالدفء واللين. فمن الأقوى برأيك؟
· الحب والجذب.. قوة ناعمة
عندما يحبك الآخرون، ويُعجبون بك.. ستكون أنموذجهم الأمثل، وينجذبون إليك، ويفعلون ما تريد قبل أن تطلب منهم ذلك.. فعّل قوتك الناعمة.
· القوة الناعمة في القيادة
لكي تجعل أعضاء المؤسسة التي تديرها أكثر عطاء وفقا لرؤيتك وأهدافك.. كن أنت المثال الذي تريد من الآخرين أن يصلوا إليه.. كن إيجابياً وواثقاً بنفسك وقدرات أعضاء المؤسسة (يقال إن الثقة والإيجابية مُعدية)، كن واضحاً، لتوصل إليهم أفكارك بسرعة.. لا تخجل من أخطائك، وبادر إلى تصحيحها بمشاركتهم.. حينها ستحقق ما تصبوا إليه.
· هل قررت أن تفعّل قوتك الناعمة؟
حدد غاياتك، وتفحص قدراتك المادية والمعنوية، ثم حدد قابلياتك الذاتية.. كن مرناً بتعاملك مع الآخرين، ادرس طبيعة الفئة المستهدفة بشكل جيد، خطط بهدوء.. وانطلق، سوف تنجح.
· الخاتمة
تبين من خلال البحث إن القوة الناعمة قوة حقيقية يمكن استخدامها لعمل الخير، مثلما يمكن أن تستخدم للشر والضرر، وأن امتلاك القوة بأصنافها كافة من ضروريات الحياة ومتطلباتها، وقد جاء في الحديث الشريف المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي ظروف معينة يصبح امتلاك القوة واجباً على المؤمنين لمواجهة تحديات الحياة ومقارعة الأعداء، ولذا ورد في القرآن الكريم أمر الاستقواء (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال٦٠، لكن لاحظوا الهدف ليس العدوان، بل للدفاع عن النفس عن طريق إدخال الرهبة في قلوب الأعداء، حتى قبل حدوث الاعتداء. فكيف بنا وقد أصبحت القوة لغة العصر وأهم مميزات التاريخ الحديث، وتحاول الدول العظمى وفي مقدمتها أمريكا أن تجعل القوة في أولويات خياراتها عند تنظيم العلاقات الدولية، على حساب الأخلاق والمبادئ والقيم، وأصبحت مقولة البقاء للأقوى هي السائدة في عالم اليوم، وفي مقدمة متطلبات إقامة العلاقات بين المجموعات والدول، وعُدت الدولة الماهرة هي التي توظف وتعظم كل أنواع القوة لديها، وان تكون حريصة حسب طبيعة الموقف وخصائص الأطراف الأخرى على تحقيق التوازن المناسب بين كل من القوة الصلبة والناعمة وبقية أصناف القوة، مع ضرورة التأكيد على زيادة ممارسة القوة الناعمة لما لها من مميزات عديدة، جعلتها متقدمة في سلم الخيارات، ونلاحظ في تفاصيل حياتنا اليومية إمكانيات فائقة لهذه القوة في التغلغل والنفوذ، فقد دخلت بلداننا وتجاوزت حدودنا، بل عبرت أسوار بيوتنا، ونفذت إلى نفوس أبنائنا وبناتنا لتصبح الشريك الأقوى على تربيتهم وتوجيههم، وتحديد نمط تفكيرهم، واختيارهم لمسارات الحياة، وتتمتع بسرعة مذهلة في الانتشار تفوق سرعة انتشار جائحة كورنا التي أخذتنا على حين غرة، حتى أصبحنا جميعا مهددين بالإصابة بها، لم تردعها حصوننا المنيعة، وقصورنا الفارهة، أو نوايانا السليمة.
"يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ" الانشقاق،٦.
لقد استخلف الله الإنسان على هذه الأرض ليعيش حراً، ويبني الحياة بعز وكرامة، ويسعى لتحقيق النهضة والتقدم والازدهار، وتكليفنا اليوم منوط بامتلاكنا لقوى العصر، وفي مقدمتها القوة الناعمة، لمواكبة المسيرة الحضارية التي يقودها قائد الثورة الإسلامية سماحة السيد الخامنئي رعاه الله لبناء الحضارة الإسلامية الحديثة لتكون نواة للحضارة المهدوية التي تملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما مُلأت ظلما وجورا.
ونختم بحثنا بما روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، أنه قال:
المؤمن له قوة في دين، وحزم في لين، وإيمان في يقين، وحرص في فقه، ونشاط في هدى، وبر في استقامة، وعلم في حلم، وكيس في رفق، وسخاء في حق، وقصد في غنى، وتجمل في فاقة، وعفو في قدرة، وطاعة لله في نصيحة، وانتهاء في شهوة، وورع في رغبة، وحرص في جهاد، وصلاة في شغل، وصبر في شدة وفي الهزاهز وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور، ولا يغتاب، ولا يتكبر، ولا يقطع الرحم، وليس بواهن، ولا فظ، ولا غليظ، لا يسبقه بصره، ولا يفضحه بطنه، ولا يغلبه فرجه، ولا يحسد الناس، يعيَّر ولا يعير، ولا يسرف، ينصر المظلوم، ويرحم المسكين، نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، لا يرغب في عز الدنيا، ولا يجزع من ذلها، للناس همّ قد أقبلوا عليه، وله همّ قد شغله، لا يرى في حكمه نقص، ولا في رأيه وهن، ولا في دينه ضياع، يرشد من استشاره، ويساعد من ساعده، ويكيع عن الخناء والجهل(8).
https://telegram.me/buratha