حسن المياح ||
قلنا أن الحقيقة هي مطابقة الفكرة للواقع، وأن النقد هو كذلك مطابقة الفكرة للواقع على التشكيك . فإذا أردنا أن نتناول شيئآ ما بالنقد الموضوعي، لا بد من توافر عنصرين أساسين ثابتين ضروريين، وهما الفكرة التي هي الناقد وما يكونه من رأي نقدي، والموضوع الذي هو العمل الأدبي، وهو مادة الموضوع المراد نقده وتبيان حقيقته . والعمل هو دائمآ مادة الموضوع، فهو واحد من حيث الكينونة، ولكنه متنوع مختلف من حيث الميدان الذي يكون فيه . فالعمل هو العمل من حيث أنه عمل ( جهد )، ولكنه لما يكون في ميدان الأدب فهو عمل أدبي، ولما يكون في ميدان المجتمع ودراسة أحواله وأحوال أفراده التي هي مجتمعة مكونات المجتمع فإنه عمل آجتماعي، ولما يكون في ميدان السياسة الذي هو ممارسة حراك سلوك سياسي فهو العمل السياسي، وهكذا في بقية ميادين الحياة الإنسانية ...
فالعمل هو مادة الموضوع الذي يراد نقده ومعرفة كنه حقيقته . فهو واقع موضوعي موجود في الخارج على الإستقلال، سواء كان شيئآ ماديآ أو تصرف سلوك، فإنه الموضوع الواقع، وهو مادة النقد ... ولنأخذ نبذة مختصرة عن العمل الأدبي كمدخل وتمهيد وباكورة تطبيق لما هو مطابقة الفكرة للواقع، وبعده نشرع في العمل السياسي الذي هو الأساس والأصل لكتابة هذه الحلقات، وما يليها من كتابة حلقات، ونتعرف على العمل السياسي، بعدما تعرفنا على العمل الأدبي بما هو من تطابق كامل تام الذي هو الحقيقة من حيث أن العمل هو العمل من حيث كينونة وجوده وتركيبه، وأنه تطابق على الشكيك من حيث مطابقة الفكرة للواقع في الميدان الذي هو فيه ويكونه ...
للعمل الأدبي تعاريف كثيرة متعددة متنوعة مختلفة، ولكننا نأخذ منها ما هو الأكثر تطابقآ وشمولآ..فنعرف العمل الأدبي على أنه "" التعبير عن تجربة شعورية في صورة موحية "" . وهذا تعريف هام لما فيه من إشتراك في كل أنواع العمل والأعمال في ميادين الحياة الإنسانية أجمع ...
ونرجع الى الأصل والأساس ونعيد القول ونقول أن الحقيقة والنقد هما مطابقة الفكرة للواقع ... فما هي الفكرة في هذا التعريف للعمل الأدبي، وما هو الواقع فيه ... ؟؟ الفكرة هي " التعبير "، والموضوع هو التجربة الشعورية في صورة موحية "، يعني أنها العمل الموضوع المراد إصدار الرأي والحكم عليه، لتتحقق المطابقة بين الفكرة ( رأي الناقد الذي هو التعبير ) وبين الموضوع ( الذي هو مادة العمل الأدبي من رواية أو قصة أو مسرحية أو شعر وما شاكل ) على التشكيك ...
فكلمة ' تعبير ' في التعريف هي رأي الشخص الناقد الذي يصور لنا طبيعة العمل ونوعه، والى ما يهدف، والغاية التي يروم أن يصل اليها ويحققها .....
و تجربة شعورية ' هي مادة العمل وموضوعه .
و ' صورة موحية ' هي الطريقة التي تحدد لنا شرط العمل والغاية منه .
ف ' التجربة الشعورية ' هي الأساس والعنصر الذي يحرك ويدفع الى التعبير، والتي هي مادة العمل، ولكنها ' ليست هي العمل الأدبي إذا ما بقيت مكنونة ومضمرة في النفس، فهي ليست أكثر من إحساس أو إنفعال ...، ما لم تظهر في صورة لفظية معينة، وتكون واقعآ موضوعيآ في الخارج الذي هو عالم الواقع والتعامل ... وهذا ما يسمى بالعمل الأدبي ...فيكون الشخص الناقد قد تناول وتعامل مع نص أدبي مهما كان نوع ذلك النص ( قصة، رواية، شعر، تمثيلية، سيرة حياة، مسرحية، مقالة، ... )، ويدرسه دراسة فاحصة دقيقة بترو وهدوء، وبوعي وتتبع، ثم يقيم العمل الأدبي، ويصدر حكمه النقدي ... وهذا الحكم النقدي ( الفكرة ) لا بد له من درجة تطابق مع النص الأدبي ( الموضوع )، ويكون التطابق عادة على التشكيك، لما لعنصر العاطفة من تأثير على الرأي ( الفكرة ) . ودائمآ نحن لما نتحدث عن النقد نقول ' على التشكيك ' في التطابق، لمدخلية عنصر العاطفة في الحكم ( الفكرة ) ... ؛ بينما لم نذكر التشكيك في الحقيقة، لأن الحقيقة هي التطابق الكامل التام الصارم بين الفكرة والموضوع، ولا مدخلية للعاطفة في إصدار الحكم، فالشيء ( الحكم ) في الحقيقة هو أما ' حقيقة '، أو ' خطأ '، ولا غير ..... بينما في النقد يوجد عنصر المرونة الذي يؤثر على درجة التطابق لما للعاطفة من تأثير على الحكم في النقد .....
وفي الحلقة السابعة القادمة، سنتناول العمل السياسي الذي هو الأصل والأساس في كتابة الحلقات، ونتوسع فيه تفصيلآ، وتطبيقات عملية، وممارسة حراك سياسي سلوكي عملي ميداني .....
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
https://telegram.me/buratha