د.مسعود ناجي إدريس ||
عندما تحدثنا عن كيفية كسب الشعبية ذكرنا أولا مسألة حسن الخلق والمبدأ الأخلاقي الثاني المهم في العلاقات الاجتماعية والذي يحتل مكانة خاصة في اكتساب الشعبية هو العفو والمغفرة. يحدث كثيرًا في التفاعلات الاجتماعية أنه بسبب بعض المشكلات يتم انتهاك الحقوق الفردية أو عدم احترامها في بعض المواقف. إذا كان هناك أي خطأ وإهمال ولم يتم تقديم تنازلات فإن المجتمع الذي شهد صراعات وأعمال عدائية لأفراده سيجعل الحياة مريرة ومظلمة ولا تطاق للجميع.
بالإضافة إلى ذلك فإن الحساسية المفرطة والتعارض في القضايا الثانوية يقللان من قيمة وكرامة المؤمن في نظر الناس. ما أجمل ما قاله أمير المؤمنين علي (ع): 《 ... وَ لَا تُدَاقُّوا النَّاسَ وَزْناً بِوَزْنٍ . وَ عَظِّمُوا أَقْدَارَکُمْ بِالتَّغَافُلِ عَنِ الدَّنِیِّ مِنَ الْأُمُورِ ... » ( تحف العقول ، ص ٢٢٤ . )
ليس لدينا الأخلاق الرفيعة والروح الملكوتية لنستطيع أن نحب عدونا ؛ ولكن من أجل الصحة والسعادة ، يجب أن نغفر لهم وننسى أمرهم. لا تبقي نفسك منزعجا إذا ارتكب شخص ما شيئًا خاطئًا أو سرق أموالك لان عدم النسيان والتذكر المستمر سيسبب الحزن لك.
لذا ، كم هو من الأفضل لنا ، كأتباع لاهل البيت (ع)، ألا نغمض الحياة على أنفسنا وعائلتنا من خلال تجاهل المرارة والتعاسة.
لذا يجب أن نضيء نور السعادة في حياتنا . قال الإمام علي (ع): 《مَنْ لَمْ يَتَغافَلْ وَلايَغُضَّ عَنْ كَثير مِنَ الأُمُورِ تَنَغَّصَتْ عيشَتُهُ》، ( تصنیف غررالحکم ، ص ٤٥١ ، حدیث ۱۰۳٧٥. )
▪︎مكانة العفو والمغفرة
من النقاط المهمة التي يجب مراعاتها في موضوع العفو والمغفرة معرفة ما هو الوقت الذي يمكننا أن نعفوا ونغفر فيه؟ ما هي الحالات التي يمكن أن نغفر فيها ؟ وما هي الأعمال التي لا تغتفر؟
ما يمكن استنتاجه من أقوال الزعماء الدينيين هو إن التسامح في الأمور الشخصية أمر جيد. ولكن فيما يتعلق بالقضايا والحقوق العامة والإلهية، فقد تم نبذ هذه المغفرة.
بمعنى آخر، يمكننا أن نغفر للأشخاص الذين ظلمونا؛ لكن في القانون الإلهي ومع حق الناس، ليس لدينا مثل هذا الإذن. لا يمكن العفو عن الشخص الذي انتهك حقوق المجتمع إلا إذا كان العفو عنه في مصلحة المجتمع بطريقة ما. في سيرة الإمام علي عندما علم أن أحد ولاته سرق بيت المال، كتب إليه برسالة شديدة اللحن: 《فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك ، ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار. ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما وأزيح الباطل من مظلمتهما.》 ( نهج البلاغة ، رسالة ٤١) .
▪︎العفو عند المقدرة
المغفرة ذات قيمة إذا كان لدى المرء القدرة على الانتقام والعقاب لكنه يغض البصر عن العقاب قال الإمام علي (ع):《إذا قَدَرْتَ عَلى عَدُوّكَ فَاجْعَل العَفْوَ عَنْهُ شُكْرَا لِلقُدْرَةِ عَلَيهِ》 ، ( نهج البلاغة ، حكمة ۱۱ )
وأيضًا قال: 《العفو زكاة القدرة » ( غررالحکم ، ص ٣٤٢ ، حدیث ۷۸۲۲ )
وروي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: 《العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتقين » ( مصباح الشريعة ، بحارالانوار ، ج ٦٨ ، ص ٤٢٣ ، باب ۹۳ ، حدیث ٦٢ )
كما فعل الرسول الكريم أثناء فتح مكة من الضروري لمن يعتبر نفسه من أتباع أهل البيت أن يثبت أنه تخلق بأخلاق النبي على الخصوص في حالة وقوع الأحداث وأن يمر من العلل وجروح اللسان بعظمة.
بشكل عام، كلما زاد مكانة الشخص الاجتماعية في المجتمع، زاد توقع الناس منه. إن المؤمن الذي لديه مثل هذه الحالة والظروف لا يجب أن ينظر فقط إلى الأمور من مكانة أعلى ولا يتورط في أمور ومهام ثانوية، بل عليه أن يتواصل مع الناس في مواجهة بعض الأخطاء التي تحدث، ويتخذ النهج العظيم.
ليس من شأن المسلم المؤمن أن يكون حساسًا لأي قضية، إذا جاز التعبير، أن يتعمق في زراعة الخشخاش ويرفع توقعاته. عليك أحيانًا أن تتجاهل الأخطاء جميعًا وتعاملها بلطف. أمير المؤمنين (ع) قال لمالك: 《فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه》 ، ( نهج البلاغة ، رسالة ٥٣ . )
▪︎آثار العفو
كلما غفر الإنسان المغفرة الكريمة وعفا بطريقة واعية، فإن عفوه سيجلب الكثير من النعم والازدهار، نذكر بعضها:
▪︎الآثار الدنيوية
* النصرة الإلهية
* طول العمر
* دوام الحكم
* القضاء على الأحقاد
* العزة في الدنیا
* إثبات الشهامة
* اكتساب محبة الله
* نزول الرحمة
▪︎ الآثار الآخروية
* العفو الإلهي
* العزة في الآخرة
* الخلاص من العذاب الإلهي
* إذن بدخول الجنة
* مكافآت كثيرة
قال الرسول الكريم (ص): 《من عفا عن مظلمة ابدله الله بها عزاً في الدنيا والآخرة》 ، ( بحارالانوار ، ج ٦٨ ، ص ٤١٩ ، باب ۹۳ ، حدیث ٥١ )
كما قال الإمام علي (ع): 《بالعفو تستنزل [ تنزل] الرحمة》، ( غررالحکم ، ص ٢٤٦ ، حدیث ٥٠٥٣ )...