نعيم الهاشمي الخفاجي ||
استطاع بعض الباحثين من بعض العرب والمسلمين، بحث قضية علمانية الإسلام، بعد فشل تجربة الإسلاميين في الحكم، تم إطلاق مصطلح ما بعد الإسلاموية، هذا المصطلح هو مصطلح جديد في العلوم السياسية, أدى تعريفه وإمكانية تطبيقه إلى نقاش فكري، من أطلقوا هذا المصطلح الباحث والمفكر الإيراني آصف بيات استخدم المصطلح من قبل آصف بيات للإشارة إلى "اتجاه" نحو إعادة علمنة الإسلام بعد "استنفاد" الإسلام السياسي.
يعتبر كتاب ” ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي” للأكاديمي الإيراني آصف آبيات، أحد أبرز الأطروحات المعاصرة التي سعت إلى تطوير مفهوم ما بعد الإسلاموية باعتباره نموذجًا للتحليل بهدف استكشاف أبرز معالم التحول للحركة الإسلامية، وهو يسعى إلى تقديم ما بعد الإسلاموية كمشروع اجتماعي وفكري بديلا عن الإسلاموية بعد فشلها في تحقيق تغيير حقيقي على المستوى الاجتماعي والسياسي في المجتمعات التي نشأت بها.
هذا الكتاب تم قرائته في الكثير من مراكز دراسات استراتيجية غربية، لكن لازال مغيب، لانه غالبية مراكز الأبحاث الاستراتيجية الغربية المؤثرة استلمت مبالغ طائلة من السعودية للترويج لفكرة دعم التيار الوهابي المدخلي الموالي للحاكم ولي الأمر بحد زعمهم، والغاية من كل ذلك الحيلولة دون إتخاذ قرار دولي في حضر وغلق الفكر الوهابي منبع الإرهاب، قيام دول الخليج بالتوسل بالغرب، والتطبيع المجاني مع اسرائيل كسبوا اللوبي الصهيوني في أنهم ومن خلال الوهابية يبقون حراس أوفياء الى امريكا والصهاينة.
فرنسا وبريطانيا هم من اسقطوا الدولة العثمانية ورسموا حدود الدول العربية والإسلامية في الشرق الاوسط، وتقصد وتقصدوا في دمج مكونات غير متجانسة في عدة بلدان عربية رئيسية ورفضوا تشريع دساتير حاكمة مثل ما فعلته بريطانيا في عمل دستور للهند ضمن مشاركة خمسمائة ديانة ومذهب واثنية في نظام ديمقراطي، ومثل ما فعلته فرنسا في عمل دستور الى اللبنانيين ضمن مشاركة كل الطوائف في الحكم دون تهميش وإقصاء الى أحد.
دول الاستعمار واعني بريطانيا لها تاريخ حافل في تأسيس وصناعة مذاهب مثل ماصنعوا إلينا الوهابية والبهائية والاحمدية والقاجائية وحركة الإخوان المسلمين وحركة الصرخي وأحمد بن الحسن بالعراق بعد سقوط نظام صدام جرذ العوجة الهالك عام ٢٠٠٣.
من صنع حركة الوهابية وحركة الإخوان بريطانيا، تم الاستفادة من حركة الإخوان بعد توهيبها من قبل المال الخليجي في ضرب جمال عبدالناصر وإنهاء مشروعه الوحدوي العربي.
بعد قيام الأنظمة العربية في اضطهاد التيارات الدينية، تم دعم تلك التيارات وخاصة الإخوان المسلمين للوصول للسلطة في مصر وتونس والغاية اسقاطهم بنظر الجماهير.
في أحداث الربيع العربي قامت التيارات الوهابية في جعل حركات الإخوان المسلمين عصابات مجرمة للقتل والذبح لتدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا والتآمر على الغبي عمر البشير الذي انضم مع دول الوهابية لقتل شعب اليمن لكنه منحهم فرصة ذهبية للتواصل مع الجيش السوداني وتم تدبير انقلاب بشكل مقبول ومن خلال ثورة الجماهير، وتم اسقاطه وقريبا يسلموه لمحكمة الجنايات الدولية لمحاكمته، من حرق وقتل العصابات الاسلامية الاخوانية المتوهبة، هناك فئات إخوانية حقيقية اعدادهم قليلة ضد منطق القتل والذبح لكن هؤلاء اصبح عددهم أفراد قلائل.
تم عمل نموذج اسلام اندنوسي حتى باراك أوباما قال نريد اسلام مثل اسلام إندونيسيا.
لذلك تم تداول مصطلح ما بعد الإسلاموية» بعد الربيع العربي؛ باعتبار الحدث يمثل التحول الجذري من حالة الإسلاموية العنيفة إلى اقتفاء أثر الديمقراطية والتعددية، فقوى الإسلام السياسي - بحسبهم - تنتقل تدريجياً من العمل الحربي والعسكري ومقاومة مؤسسات الدولة إلى الانخراط بالبرلمانات، والمشاركة في الحكومات. وهذه نظرية هيمنت على بعض مراكز دراسات بحثية،في قولهم، إن الإسلاموية ظاهرة غير قابلة للانقراض ولا للانتهاء، فالأصولية جزء من التكوين المجتمعي للمسلمين، والهدف من كل الحروب عليها تحجيمها وسحق أصولها ومؤسساتها، وإلا فلن تختفي من الوجود أبداً.
معظم مراكز الأبحاث تبحث الأوضاع وتضع توصيات الى ساسة الغرب وبالذات ساسة أمريكا للعمل في تلك التوصيات، بغض النظر عن تحليلات هؤلاء، الإسلام عقيدة وشريعة متكاملة تضم وتحتوي على أسس وقواعد للقوانين نحو، تنظيم الحدود والعقوبات والمساواة وطريقة التعامل الأخلاقي والإنساني ما بين البشر، في الاسلام مدرستين مدرسة سنية ومدرسة شيعية، سجل التاريخ للمدرسة السنية والمدرسة الشيعية في حكم بلدان، التجربة السنية افضت الى تأسيس مذاهب سنية بدعم من الحكام وتم سفك الدماء خدمة للسلطة الحاكم، أما التجربة الشيعية مغيبة لأسباب مذهبية، حكم الشيعة الإسماعيلية مصر والشام وشمال أفريقيا، نشروا العلم والمعرفة، تعاملوا مع طوائف المسلمين وغير المسلمين في أسلوب يشبه الأسلوب العلماني الحضاري، لم يقوموا بقتل المخالفين لهم وسبي ذراريهم، بل تعاملوا مع كل مخالف لهم ان كان مسلم او غير مسلم في أسلوب إنساني والالتزام في نظام الدولة وعدم الإخلال به وله كامل الحرية التعبدية دون فرض قيود ظالمة.
بعد ابادة الإسماعيلية في مصر هرب بعض التجار المصريين إلى الهند وأسوأ دولة اسلامية شيعية إسماعيلية في ولاية حيدر آباد لازال الشيعة الإسماعيلية البهرة يحكمونها ليومنا هذا، طبقوا نظام اسماعيلي أشبه بـ العلماني الغربي مع الالتزام في القيم والعادات الإسلامية وعدم إشاعة الدعارة.
النموذج الاسلامي الايراني بنى دولة متطورة وشعب يغلب على غالبيتهم الثقافة والعلم والمعرفة وقبول الرأي والرأي الآخر.
النموذج الإسلامي الشيعي الإيراني عمل مؤسسات تشبه ماهو بالغرب حيث يوجد برلمان ودستور وانتخابات وتداول سلمي على السلطة من خلال نتيجة الصندوق الانتخابي وهذا غير موجود في الكثير بالدول العربية وخاصة الخليجية، ربما عندما يسمع اعراب الجزيرة بالصندوق الانتخابي يبادر لهم وفي اذهانهم هل الصندوق الانتخابي يشبه صندوق بيع الفاكهة والتوابل والبهارات المستوردة من الهند.
انا شخصيا كاتب هذا المقال يساري في حزب يساري أوروبي دنماركي وليس يساري في الاحزاب الشمولية العربية التي تدعي انها أحزاب يسارية وهو نفس الوجه القبيح للتنظيمات الوهابية التكفيرية الإقصائية لكن بلباس وثوب مدني، أنا متمسك في قيمي العربية والإسلامية، ولا اجد أي تعارض ما بين الإسلام الحقيقي الذي مثلة الإمام علي بن ابي طالب ع ومبادئ العدالة وحقوق الرعية والحاكم وهي تتشابه بالكثير من القيم الإنسانية في العلمانية الغربية المدنية على العدالة وضمان حقوق المواطن في العيش الكريم.
العالم الغربي وبالذات الأمريكي يعي ويعرف ان الارهاب وهابي وان الشيعة أفضل المسلمين في نبذ الكراهية والتطرف لكن المشكلة الحقيقية ما بين إيران والشيعة وأمريكا تدور حول قضية عدم دعم الشعب الفلسطيني والتطبيع مع الصهاينة.
أمريكا والغرب ليست بحاجة للبترول العربي بل أصبحت أمريكا أول دولة مصدرة للبترول والغاز، والعالم يتجه نحو استخدام الطاقة المستدامة الطاقة الشمسية بكل مجالات الحياة.
أمريكا انسحبت من أفغانستان وقللت وجودها بالعراق ولولا تحريض الوهابية والصهاينة لتركت الشرق الأوسط في اجمعه لانه اصبح الشرق الاوسط ليس ذو قيمة اقتصادية لهم، ولولا وجود إسرائيل في فلسطين لانسحبت أمريكا والغرب من كل دول الشرق الأوسط والتي في طريقها الى الاندثار بسبب انتفاء حاجة العالم للبترول.
المتابع للإعلام الوهابي الخليجي البدوي صاحب أسوأ تجربة لإسلام معاوية وابن تيمية المبني على الكذب والغدر والقتل والسبي يحاولون تزييف الحقائق ويضعون تجارب المدرسة الشيعية في التعامل الإنساني مع الرعية في كفة الإرهاب بسبب مواقف الشيعة الرافضة لمبدأ الخيانة وبيع فلسطين للصهاينة، لدينا تجربة الشيعة في لبنان من خلال حزب الله حيث قال الباحث جوزيف الأغا، حيث كتب الأغا في كتاب مابعد الإسلاموية وكان بحثه بعنوان، انفتاح حزب الله، يقول جوزيف: «منح التراث الشيعي السياسي الديني حزب الله،الصحة التي كان بحاجة إليها كي يستخلص منه برنامجاً سياسياً قائماً على البراغماتية والمرونة، ومن خلال اعتماده على الطبيعة التقدمية للفقه الشيعي، أعاد الحزب صياغةً وبناءً تفسير سلطة هذا الفقه على نحوٍ يضفي على مشاركته السياسية التعددية القائمة على نظام الحصص والأبوية، بذلك كان الحزب من خلال اعتماده على مفهوم المصلحة قادراً على التغير في سياق ظروفه، حيث أعاد تأويل مبدأ ولاية الفقيه. ويمكننا عزو هذا التأويل إلى التغير في الظروف التاريخية والاجتماعية، والأكثر أهمية، إلى نتائج التفاعل مع الفاعلين السياسيين الآخرين. وعلى هذا فإن الواقع الموضوعي والسوسيولوجي والسياسي للبنان قد دفع هذه الحركة الإسلاموية إلى الطريق ما بعد الإسلاموية، حتى وإن كانت هذه الما بعد إسلاموية براغماتية وانتقائية وغير متسقة» (ص:304
الباحث جوزيف الأغا غير مصاب بعقيدة الحقد المذهبي الوهابي الطائفي ضد الشيعة وضد حزب الله، لان الرجل نتاج بيئة مثقفة ومن عائلة مسيحية محترمة، كلام السيد جوزيف يقابله المستكتبين السعوديين من الوهابيين في حملات تشكيكية في القول أن هذا الكلام لا ينطبق على الفكر الشيعي المحارب من قبل النظام السعودي ومؤسسته الدينية الوهابية، هناك تجارب للساسة الباكستانيين الشيعة أمثال محمد علي جناح مؤسس باكستان والشهيد ذو الفقار علي بوتو وبنته الشهيدة بناظير بوتو وتجربة رئيس الحكومة الحالي عمران خان الشيعي الليبرالي، الساسة الشيعة الذين قادوا باكستان هم نتاج المذهب الشيعي الإسماعيلي، الشيعة الإسماعيلية والشيعة الزيدية أقاموا العشرات من الدول الشيعية لأنهم يتبنون اقامة دول يكونون هم حكام وليس محكومين، تجربة الشيعة البويهيين الإسماعيلية حكموا ايران في نهاية القرن الثالث الهجري وفي القرن الربع ونصف القرن الخامس الهجري، في بداية القرن الرابع الهجري كانت لدى الدولة البويهية الشيعية الإسماعيلية سطوه على الخليفة العباسي هم من يتحكمون في القرار السياسي، ومن ثم برز نفوذ الأتراك وتعاون السنة في الدولة العباسية مع التتار في القضاء على الشيعة الإسماعيلية في إيران، بطريقة إبادة جماعية بحيث انهت وجودهم، البويهيين كانوا في استطاعتهم اسقاط الخلافة العباسية لكنهم اتبعوا اسلوب عدم فرض معتقداتهم على الآخرين بالقوة والسيف.
للأسف مثل هذه التحليلات يحاول اصحاب المال الوهابي ومعهم اللوبي الصهيوني التابع لنتنياهو تغيب مثل هذه الآراء ومنع المراكز البحثية المتخصصة في الدراسات الاستراتيجية من الاطلاع عليها لمعالجة خطر التيارات الاسلامية الوهابية التكفيرية والضغط حول حظر فتاوى التكفير والكراهية لدى شيخ المفخخين أحمد بن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب، هؤلاء ولدوا في بيئة بدوية والان العالم تغير نحو الافضل يفترض العمل على الضغط على حكومات الخليج للعمل على حظر تدريس عقائد التكفير والكراهية، هذا المقال لا استطيع انشره في صفحتي على الفيس بوك لان الحظر والقمع ينتظرني بسبب رشاوي أموال وهابية الخليج،الإعلام الخليجي يحاول تصوير ان انسحاب أمريكا من أفغانستان يعني عودة القاعدة والوهابية للحكم وهذا مستحيل، طالبان لم تصل للحكم في ارادة الشعب الافغاني وإنما السعودية ومن خلال سفيرها في باكستان تركي الفيصل هو من صنع طالبان وتم تمويلهم وتسليحهم بدعم من الغرب وباكستان من خلال حزب جبهة الرابطة الاسلامية الوهابية بزعامة نواز شريف ومن لف لفهم، الان الزعامة السياسية في باكستان ضد طالبان وكذلك لدى إيران والهند وطاجكستان وروسيا علاقات طيبة مع ساسة أفغانستان الحاكمون، هناك حقيقة روسيا والصين لربما ساعدوا طالبان نكاية في أمريكا لكن حال خروج أمريكا من أفغانستان ينتهي دعم روسيا والصين الى طالبان ويتم دعم الشخصيات السياسية الأفغانية المتصدرة للمشهد السياسي الافغاني الحالي، في الختام في العراق لم يكن الفشل بسبب الاسلاميين الشيعة ابدا، العراق يعاني من صراعات مذهبية قومية مدعومة عربيا وطائفيا، هناك صراع مابين السنة والشيعة والاكراد منذ يوم ان رسم المحتل الفرنسي والبريطاني حدود دول الشرق الاوسط، دمجوا ثلاث مكونات غير متجانسة بدون تشريع دستور يضمن مشاركة الجميع، الان الشيعة يملكون ادوات القوة في قمع المتطرفين البعثيين السنة وبكل سهولة وبساطة، لكن قيم المدرسة الشيعة الجعفرية ترفض استعمال القوة ضد من يختلف معنا مذهبيا ودينيا، لكن ترك فلول البعث الوهابي بدون محاسبة مسخ العملية السياسية الى درجة باتت سيئة بسبب تحالف اكثر من خمسين دولة عربية ومسلمة سنية لاستهداف المكون الشيعي العراقي ومعهم اللوبي الصهيوني وامريكا، ايضا لدينا نموذج راقي لزعيم الشيعة بالعالم وهو السيد الامام علي السيستاني طلب اقامة دولة مدنية وفي استطاعته اقامة حكم شيعي بالقليل في عشر محافظات غنية شيعية بكل الموارد، لكن طلب اقامة دولة مدنية تضم جميع المكونات، لكن رشاوي الوهابية وارهابهم ونتانة فلول البعث قاموا بحرق الشعب العراقي لأسباب مذهبية استئصالية، يبقى الشيعة مدرسة إسلامية أصيلة تتبنى النهج المدني في حكم البلدان لكن نحن في عالم منافق تحكمه المصالح وليس القيم وفاقد الأخلاق.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
4.7.2021
https://telegram.me/buratha