حسين جلوب الساعدي ||
تظهر ملامح التحول في المجال السياسي والمستقبلي عند الأكثرية (الشيعية) التي تشهد تغيير بأساليب الأداء والمشاركة أما المكون الكردي والسني الذي لم يتأثرا كثيراً بهذا التحول حيث لم تحصل مظاهرات وأحداث ولم تحرق مقرات وممتلكات ولم يغير من حصتهم بالرئاسات (الجمهورية ومجلس النواب) وإنما حصل التغيير في رئاسة الوزراء حصة الشيعة فقط وتمدد رئيس الجمهورية الكردي على دور رئاسة الوزراء والقوى السياسية الشيعية في إدارة العملية السياسية بعد التحولات .
فالأحزاب الكردية الرئيسية لم تخسر كثيراً في التحول بقانون الانتخابات ولم يبدل الكرد مشروعهم اتجاه الإقليم والمكتسبات ولم يتأثروا بالشعارات الوطنية الجديدة وسوف يصطفوا مع أي تحول ما دامت كردستان وخصوصيتها وإقليمها وحصتها في الحكومة والميزانية لم يطرأ عليها التغيير وقابلة للتوسع .
والمكون السني يسير بترتيب أحواله والحصول على الكثير من المكتسبات بعد ضعف الأكثرية (الشيعية) وتحولهم الى اقليه سياسية في صناعة القرارات بعد التحول الجديد الذي يدعوا الى تجاوز الخصوصية من طرق واحد (الشيعة) فالمكون السني قد تبرز فيه التحالفات العشائرية والمناطقية على ضوء قانون الانتخابات الجديد ومهما كانت النتائج فطموحاتهم واضحة وصريحة أعمار المدن المحررة إيجاد تنمية اقتصادية الحصول على مساحة اكثر في القرار السياسي والتمكن من امتيازات جديدة بكل ما اوتو من قوة ودعم إقليمي ودولي .
فالشيعة هي مجال التحولات بشكل واضح وكبير وهي موضوع الدراسة وابرز هذه التحولات ما يلي :
1- خروج مظاهرات كبيرة ومؤثرة في العاصمة وعموم المدن والمحافظات الشيعية بدأت بالمطالبة بالخدمات من كهرباء وماء وصحة ومعالجة البطالة ومحاربة الفساد وانتهت بالمطالبة بأسقاط الحكومة وإلغاء الدستور وإعادة كتابته ومنع الأحزاب والقوى السياسية من العمل المستقبلي ومحاكمتهم وشكل هذا تحول كبير في طبيعة المظاهرات السابقة التي تنادي بالخدمات والأمن ونقد الفساد الى أسقاط العملية السياسية بعد 2003 .
2- محاصرة الأحزاب والقوى السياسية وحرق وغلق مكاتبها ومنع فتحها من جديد مع تجاهل الحكومة والأجهزة الأمنية لهذه القضية ووقوفهم بصف المتظاهرين في أعمالهم .
3- المذاق الجماهيري الناقد الحاقد الساخط المنفلت العنيف في وصف جميع من شارك في العملية السياسية والأحزاب وإدارة الدولة والشخصيات وصفهم بالفساد الإداري والمالي ومحاولة الانتقام منهم واجتثاثهم من امتداداتهم حتى اصبح الشخصية السياسية والحكومية في دائرة الاتهام في نظر المجتمع وهذا تحول كبير في المزاج العام الذي سيؤثر مستقبلاً في سير الانتخابات المرشحون فيها .
4- إقالة الحكومة اثر المظاهرة والمطالبة بأسقاطها وتشكيل حكومة برئاسة الكاظمي وهذا تحول مهم في الساحة في أسقاط الحكومات .
5- انتقال ترتيب الأولويات والمبادرات وأعداد الخطابات من الأروقة السياسية التي تديرها القوى المتواجدة في مراكز القرار الى الشارع الذي اصبح يحدد مسارات شؤون الدولة وخير شاهد تشكيل حكومة الكاظمي التي جاءت بناءً على رغبة المتظاهرين وتجاوزت العرف السياسي في الاختيار والتنصيب وهذا تحول كبير اثر الأحداث بعد 2019 الذي يؤثر في مستقبل إدارة نتائج الانتخابات .
6- استبدال أعضاء المفوضية العليا للانتخابات من اختيار مجلس النواب لشخصيات قانونية وإدارية خاضعة لعامل المحاصصة والموازنة الى اشتراط ان يكون قضاة وهذا تحول في إدارة الانتخابات جاء بعد المظاهرات.
7- قانون الانتخابات الجديد الذي تم أعداده والتصويت عليه في مجلس النواب بصورة ارتجالية أثناء الاضطرابات في العراق من دون دراسة أثاره المستقبلية ووسيلة أدارته شكل هذا الموضوع تحول جديد في أعداده على أساس الدوائر المتعددة في المحافظة الواحدة والتصويت الفردي من دون إعطاء هامش للقوائم العامة في احتساب أصواتها كقائمة تمثل تحول كبير في العمل الحزبي والسياسي المستقبلي وتعثر التجربة الديمقراطية التي احد ركائزها وجود الأحزاب والتعددية السياسية .
فالقانون الجديد رغم المطالبة برده وإعادة النظر فيه لكن امضاءه يمثل احدى ملامح التحول الجديد .
8- حل مجالس المحافظات وتعليق العمل فيها مثل تحول كبير في إدارة السلطات المحلية فان مهمة الرقابة التي كان ينهض بها أعضاء مجلس المحافظة قد مهد للإدارات المحلية ان تعمل بدون رقابة والعودة للإدارة المركزية وسحب الصلاحيات اللا مركزية في المحافظات وهذا احد ملامح التحول من اللا مركزية الى المركزية .
9- الأمن والاستقرار في البلاد الذي يعاني من الإرهاب وداعش والعنف وحدوث فوضى واضطراب أصيب عموم الناس بالهلع والخوف من أعمال المتظاهرين من قتل وسحل وحرق ومنع الدوام وهجوم على الدوائر الحكومية والاستحواذ على المصالح وسطو مسلح وقطع الطرقات وإخافة الناس وقمع الحريات في التعبير وكيل الاتهامات ونشر الإشاعات والمناداة بمعاداة الدين وظهور الفساد والفسق والموبقات وشرب الخمر والسفور والتحلل والدعوات التي لا تنسجم مع قيم المجتمع وأخلاقه وان إخافة الناس وتهديد الأمن المجتمعي ابرز ملامح التحول.
10- الحشد الشعبي والمجاهدون والشهداء موضع احترام واعتزاز الشعب العراقي وبعد المظاهرات ارتفعت الأصوات في ساحات الاعتصام بالتهجم على المجاهدين وشتم الشهداء ووصفهم بالذيول والعملاء والخونة .
مع محاولة جادة في استبدال رموز الجهاد في الثقافة والخطابات السياسية الى شهداء ساحة التحرير والحبوبي وغيرها وهذا تحول خطير في الذاكرة والوجدان والوفاء .
11- المطالبة بحل مؤسسات العدالة الانتقالية التي تعمل على إزالة اثأر جرائم النظام الدكتاتوري فالتحول بدل التأكيد على ضرورة عمل تلك المؤسسات لتعويض الضحايا وجبر الضرر تأتي المطالبة بإلغاء قوانينها وحل مؤسساتها وفي المقدمة مؤسسة الشهداء ومؤسسة السجناء وهذا تحول كبير .
12- تراجع دور المرجعية من الرعاية والمساندة للعملية السياسية الى القطيعة مع القوى السياسية ودعم المظاهرات ومطالبهم في الخدمات والحد من الفساد الإداري والمالي والسياسي في المقاييس الواقعية، إن المرجعية أدارت وجهها عن القوى الإسلامية وهذا تحول كبير بعد 2019 .
13- السعودية وأمريكا وإسرائيل أصبحت صديقة وايران أصبحت عدوة وهذا تحول تمحى فيه الذاكرة والتاريخ والدماء والشهداء والاعتداء والاحتلال .
14- التمجيد بالنظام السابق وتكريم رموزه كالذي حصل في تشييع سلطان هاشم في الناصرية والديوانية وفي وسائل الأعلام والتواصل ان ظهور هذه المشاعر اتجاه أزلام النظام المجرم مع التحامل على الشهداء والعلماء ومعاداتهم كالذي حصل في منع تشييع الشهيد صانع النصر في ذي قار تحول كبير.
15- انفراط من جمعتهم المنافع والمكاسب والمغانم مع القوى السياسية الإسلامية أيام قوتها وسيطرتها والتحاقهم بالتوجه نحو العلمانية والمدنية وتنكروا لكل جميل او أنصاف واعلنوا العداء وكشف الثغرات الإدارية والسياسية ونقدها وتحويلها مادة للحديث .
ان القوى السياسية المشاركة بالحكومة أصبحت طاردة لأبنائها ونفض عنها أعوانها والتحقوا بأعدائها وهذا تحول كذلك .
16- جماعة التيار الصدري كانوا جزء من التحالف الشيعي الكبير وشاركوا في جميع الحكومات وفي هذه الأحداث اصبحوا غطاء للمتظاهرين والجديد مارسوا العنف اتجاه القوى السياسية في حرق المقرات وغلقها والتحريض على الأحزاب وانتقلوا من أجواء التنافس السياسي الى عملية التصفية لوجود القوى المنافسة .
17- ظهور أحزاب جديدة او كانت جزء من دولة القانون واقتربت من المشروع الأمريكي في العراق وتوظيف المظاهرات لتكون لهم حضوة جماهيرية في المستقبل عند الانتخابات ومن العناوين البارزة التي أخذت تقترب من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فقد كانوا هؤلاء في اطار دولة القانون وفي التحول الجديد اصبحوا الكيانات مستقلة لها طموحها السياسي .
18- بعد المظاهرات حدث انقسام حاد لا يمكن الالتقاء بين القوى السياسية الشيعية في الرؤية والخطاب والموقف وحتى في القاعدة الفكرية التي أصبحت تقترب من اللبرالية العلمانية الذين اقتربوا كثيراً من توجه الحكومة ودعاية المتظاهرين بل المعلومات المؤكدة مساهمتهم بتحريك المظاهرات وإيجاد غطاء أعلامي وسياسي والتستر على ممارساتهم المنفلتة مادام تضعف القوى الأخرى وهذا الانقسام بهذه الملامح يعد تحول جديد .
19- ظاهرة التيه وغياب الرؤية عند الناس في فهم الأحداث وتقييمها والموقف منها وتمتد هذه الظاهرة حتى للقوى السياسية المستهدفة والقيادات السياسية فلم نشهد مبادرة على المستوى السياسي او الاجتماعي او في أروقة البرلمان ومؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية لإعطاء رؤية في تقييم الأحداث ودوافعها وأسبابها وأثارها وتميز بين المطالب الصادقة والدوافع الفاسدة والمغرضة منها.
ان الاستسلام لظاهرة التيه من دون مبادرة في الخطاب والحركة احد صفات القوى السياسية الإسلامية الشيعية في هذه المرحلة .
20- الجراءة من قبل الشباب في نقد الدين والمرجعية والشعائر الحسينية والدعوة للتحلل والفساد والمجاهرة في معاداة الدين والتمرد على الأخلاق الإسلامية والآداب الاجتماعية ابرز التحولات بعد 2019 ويحاول الناشطون ان يربطوا بين فشل الإسلام السياسي حسب اصطلاحهم وفشل الإسلام والترويج لمعاداة كل المظاهر الإسلامية بشكل علني وهذا تحول جديد إن يتحول من النخبة الشيوعيين والعلمانيين والمدنيين الى ظاهرة اجتماعية ينساق فيها عدد من الشباب .
21- سقوط هيبة الدولة بشكل مروع حتى أصبحت الأجهزة الأمنية والدوائر الحكومية مسلوبة الإرادة لممارسة مسؤوليتها وصارت الأجهزة الأمنية مرعوبة وقيادتها مهزومة أمام تهديدات صبية المتظاهرين الذين لهم القدرة على غلق الدوائر بأفواج مكافحة الدوام وضرب السيطرات وحرق المدارس والدوائر الحكومية والأجهزة الأمنية عاجزة ان تحرك ساكن حتى أضحت لا قيمة لها بعد ان ظهر قادة الشرطة أذلاء أمام (حسون الوسخ وحسن لاستيكه وعلاوي الوسخ) وأمثالهم وهذا تحول كبير لم تصل اليه مؤسسات الدولة من قبل .
22- ضعف هيبة القضاء ومصداقية أحكامه اتجاه المجرمين الذين مارسوا الجرائم من قتل وحرق الجثث وشنق الأبرياء وسرقة الممتلكات واخذ الإتاوة .
فالقضاء غير قادر بالنظر بهذه القضايا خوفاً من المجاميع المنفلتة واذا صدر امرأً قضائياً لا يمكن تنفيذه ومن مارس الجرائم يصبح ممثلاً عن المتظاهرين في التفاوض مع قادة الأجهزة الأمنية والجهات الحكومية .
وأخيراً ان عراق ما بعد 2019 يختلف عن ما قبلها بإدارته للدولة وتشكيل الحكومة ومكان القوى السياسية والرموز الوطنية والشعبية والمذاق الجماهيري والتحالفات والمفوضية وقانون الانتخابات والقوى المشاركة والدعاية الانتخابية وظروف أجراءها والحراك الشعبي عن ما كان سائداً في الأعوام الماضية التي يجب رصدها وقراءتها بعناية وان ما جاء في هذا المقطع في فقراته يمثل أثارة في أجواء التأمل ليفتح آفاق التفكير والإضافة وتقيمه لوضع خطط جديدة تنسجم مع التحولات الجديدة.
٢٠٢١/٦/٢٩
https://telegram.me/buratha