رياض البغدادي ||
تمر المجتمعات والأفراد بأنواع كثيرة من الفتن والابتلاءات ، ولا يوجد مجتمع في مأمن من الوقوع بها ، و مهما كانت قوة و سعة الفتن والتشكيكات والشبهات، لابد أن يستقبلها المجاهدون بهدوء ورسوخ ويقين ، خاصة وإننا نقطع ونسَلِّم بأن لا بد من الفتن فى هذه الدنيا ، ولا بد أن يختبر الله الخلق فى صدق إيمانهم به وبالرسول (ص) ، وشريعته وسنته ، وامتداد ولايته في أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ، وما جاء به من علم وذكر وآداب وأحكام ، و يكفي أنه تعالى ذكر الإفتتان على سبيل الجزم كسنة من سنن الله في خلقه ، كما في قوله تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ" ،وقوله تعالى :" وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" (العنكبوت ٢-٣)
وهناك امور يتوجب على المجاهدين العمل بها في قبالة الفتنة والإفتتان و منها :
1- أن يقابل المجاهد الإفتتان بالصدق والإخلاص مع الله، حتى يعلم الله تعالى وهو العالم اولاً وآخراً أننا صادقون فى محبته تعالى ومحبة رسوله وأهل بيته .
2- الإعراض عن الجاهلين كما ورد في قوله تعالى: "وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (الأعراف: 199)، وقوله تعالى: " وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ " (القصص: 55) لأن أيام الفتنة و في زمان ومكان وقوعها تتضبب الرؤية ، مما يكون سبباً لنشاط أهل الجهل ومرتعاً لظهورهم ، لأن الوضع المستقر عادة لا يعطيهم فرصة لوضوح الرؤية فيه .
3- وجوب ان يظهر التميّز في حركة المجاهدين وردود افعالهم بكونهم خالصة المجتمع الإيماني ، ولابد أن يعطوا الصورة المناسبة عن أنفسنا للمجتمع ، وقد اختصر الخطاب القرآني ذلك بكلمة ( هَوْنًا ) في قوله تعالى :" وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا " (الفرقان: 63) ليكون ذلك سبباً لإلتفاف المجتمع حولهم والإستماع والوثوق بخطابهم .
4- وجوب إظهار العلم والمعرفة بالعلم الصحيح القطعي الذي لا يقبل التأويل ، والحذر كل الحذر من خلق إرباك معرفي في أجواء الفتن ، لان ذلك سيكون سبباً لمزيد من الإضطراب في المجتمع ، والحذر كل الحذر من الجهل ، والاستعاذة بالله منه ، وهذا من حقائق الأنبياء التى حدثنا عنها القرآن الكريم فيما حدثنا من حقائق، قال تعالى: " قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ " (البقرة: 67) ، وقوله تعالى: ( فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ " (الأنعام: 35)، وقوله تعالى: " إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ " (هود: 46).
5- وفي الفتن ( الفردية ) أي التي تصيب المجاهد بشكل فردي و خاص ، لابد من الإمتثال الى الحقيقة اليوسفية من حقائق القرآن الكريم قال تعالى: " وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ " (يوسف: 33) ، فلابد من العمل بهذه الآية الكريمة ، والإلتجاء إلى الله تعالى مستغيثاً به منها ، منادياً على الله بها ، وكما ان ذلك ينطبق على الفتن الفردية كذلك ينطبق على الفتن المجتمعية العامة، وكما انها تنطبق على فتن المغريات الدنيوية من حب المال والنساء والغرائز، كذلك هي تنطبق على غيرها من الفتن العامة .
6- لابد أن يعمل المجاهد بطريقة معاكسة لما يراد من الفتنة من غايات ، فالفتنة أو الشبهة التي تدعو إلى ترك الإيمان بالله ، يتوجب علينا في قبالتها مزيداً من التمسك بالإيمان بالله وعدم الإكتفاء بالمعتاد من الأعمال العبادية ، والفتنة أو الشبهة التي تدعو إلى التشكيك في السنة النبوية المطهرة ومصادرها ، او بحقيقة الولاء لأهل البيت عليهم السلام ، أو بشيء من ميزاتهم وأولويتهم ، يتوجب العمل بالعكس ، بأن يزداد التمسك والإتباع والتسليم الكامل للسنة النبوية المطهرة ، والولاء المطلق لأهل البيت عليهم السلام ، والدفاع عن عقيدتنا بهم ، ولابد ان يرافق ذلك التضلع في الاطلاع عليها ، والفتنة أو الشبهة التي تدعو إلى التشكيك في الشريعة وأحكام الفقه، فما علينا الا العمل بالعكس مما تروم له الفتنة ، فالعمل بالشريعة والتمسك بأحكامها، سيكون رداً مزلزلاً لأقطاب الفتنة وأسسها .
7- لابد من أن يكون عمل المجاهد في مواجهة الفتنة عملاً خالصاً لله ، وإلا فإن العمل الذي لا يُرجى به وجه الله تعالى ، سيكون فتنة أخرى تصيب المؤمن وتحيل عمله الى رياء و عُجب ، و هذا سيبعد الآخرين من اتخاذه أسوةً ومثالاً يحتذى به ، فلا تخفى أهمية أن تكون حركة المؤمن في المجتمع ، محل جذب للمقربين من الأهل والأولاد ، ليتحول العمل الى ظاهرة عامة تشمل المجتمع بكل طبقاته وأفراده .
وهكذا تتحول الفتن والشبهات إلى نعمة من نعم الله علينا، وتكون أكبر حافز لنا على التمسك بديننا و عبوديتنا لله تعالى ، فضلاً عما أضافته لنا الفتنة من قدرات في تطوير وتنمية قابلياتنا الفكرية ، لمواجهات التحديات الكبرى التي لا يمكن ان تنتهي ، مازال الشيطان يجد مرتعاً وآذاناً صاغية ، قادر على تدجينها و دفعها الى افتعال الأزمات ، التي تشوش على المؤمن حياته الروحية والمادية ...
https://telegram.me/buratha