د. علي المؤمن ||
لايزال أغلبنا؛ لايعد فكر الشخصيات الإسلامية السنية الحركية فكراً سنياً مذهبياً أو طائفياً، بل فكراً إسلامياً عاماً وثقافة إسلامية مشتركة. ولكن؛ في المقابل لم يكن العكس صحيحاً إلّا بالنادر. ولطالما عتبنا على الإسلاميين السنة أنهم لايقرأون للمفكرين الإسلاميين الشيعة. وهذا كان ديدني مع أغلب من عرفتهم عن قرب من المفكرين والأكاديميين الاسلاميين السنة في كثير من البلدان العربية والاسلامية، ولاسيما البلدان التي أقمت فيها، كالأردن وسوريا ولبنان والسودان والجزائر وتركيا، وخاصة من تشكلت لدي صداقات قريبة معهم.
أتذكر مرة أني كنت في زيارة الى بيت الدكتور عبد الرحيم علي في الخرطوم في العام 1996، وكان يعد حينها القيادي الظل في الحركة الاسلامية السودانية بعد الدكتور حسن الترابي، وكعادتي اتجهت الى مكتبته أطالع عناوين الكتب؛ فلفت نظري أن مكتبته التي تحتوي على أكثر من خمسة آلاف عنوان كتاب؛ ليس فيها مؤلفات لمفكرين وعلماء دين شيعة، عدا عن خمسة كتب فقط حسبما أتذكر، أحدها للسيد محمد باقر الصدر واثنين للشيخ مرتضى المطهري والرابع للامام الخميني وآخرها للدكتور علي شريعتي. فسألته عن سبب عدم وجود كتب اسلامية شيعية في مكتبته؛ فقال: يا أخي الشيعة لايرسلون لنا كتبهم. قلت له: وهل هذه الآلاف من الكتب لديك هي إهداءات وكتب مرسلة من مؤلفيها !؟.
وبقيت أركز على هذا الموضوع، في مختلف المناسبات، وأمام رموز اسلامية سنية كبيرة، وأبدي استغرابي أن لاتحتوي المكتبات الخاصة للمفكرين والمثقفين الإسلاميين السنة على كتب نظرائهم الشيعة، وأن لاتتعرف النخب السنية على فكر التشيع من مصادره وليس من مصادر خصومه، ومن ذلك؛ حديثي في الندوة الخاصة التي عقدت في القاهرة في العام 2000 بحضور ست عشرة شخصية فقط من علماء ومثقفي الشيعة والسنة، بينهم شيخ الأزهر المرحوم الدكتور الطنطاوي ومفتي مصر الدكتور فريد نصر واصل ووزير الأوقاف المصري وأمين المجلس الإسلامي الأعلى المصري الدكتور حمدي زقزوق وغيرهم. في تلك الندوة تحدثت عن ضرورة أن تطَلع النخب السنية على المذهب الشيعي وعقائده و فقهه وفكره من كتبه التي يجمع عليها رجال المذهب، وكذا التعرف على نتاجات الفقهاء والمفكرين والباحثين الشيعة، لأنه المدخل العلمي للتعارف الحقيقي، الذي يحول دون الجهل بحقائق الآخر وما يتبعه من ممارسات التجهيل لعامة الناس، وبالتالي؛ الإصرار على بقاء قواعد الفرز الطائفي والفتنة المذهبية.
والحقيقة ان هذا الموضوع كان ولايزال مؤلماً ومؤرقاً؛ ولعله، الى أحد أهم أسباب حالة عدم الوعي المتعمد وغير المتعمد لدى مفكري السنة وعلمائهم ومثقفيهم وكتّابهم؛ بعقائد الشيعة وفقههم وفكرهم واتجاهاتهم الحركية؛ الأمر الذي يؤدي قسراً الى تفسيرات طائفية لدى هؤلاء في كل تحرك أو حدث يكون طرفه شيعي.
والمشكلة أن ممارسات التجهيل لعامة الناس يقوم بها من يعدون من أهل العلم والفكر والثقافة الحركية؛ وإلَا كيف نفسر إصرار كثير ممن يعد نفسه من أهل العلم بأن الشيعة مجوساً، وأنهم مذهب يهودي وطائفة ماسونية، وغيرها من التخاريف المضحكة ؟! بل ويبذلون جهوداً خاسرة مضنية لإثبات ذلك من كتب المشايخ السلف من أعداء الشيعة. وبالتالي؛ يحكمون على الشيعة بالكفر والشرك والزندقة عقائدياً، والخيانة والعمالة سياسياً؛ وبأنهم مهدوروا الدم عملياً.
https://telegram.me/buratha