✍️ أحمد رضا المؤمن ||
بعد غزو الطاغية المقبور صدام للكويت حاوَل أن يَربُط زوراً وبُهتاناً حَربه المجنونة بالقضية الفلسطينية والإدعاء بأن حربه هذه كانت بشكل من الأشكال ضد الكيان الصهيوني وذلك بإطلاقه (39) صاروخ (خُلّب) على مناطق غير مأهولة في الكيان الصهيوني لم تُصب أحداً بل كانت عبارة عن مُفرقعات صوتية لا أكثر أراد من خلالها تحويل الأنظار عن خيبته وهزيمته العسكرية والسياسية النكراء .
وبعد الإنتفاضة الشعبانية 1411 هجـ/1991م مرّت على العراقيين عهود سوداء وسنوات عجاف عندما كان يَئِن تحت ظلم الطاغية المقبور صدام ، حيث تحوّلت سياسة النظام إلى سياسة إنتقامية ذات صبغة طائفية قومية عُنصرية ظالمة ضد كُل المعارضين لنظامه وخصوصاً العراقيين الشيعة بسبب هذه الإنتفاضة الخالدة التي أسقطت (14) مُحافظة من أصل (18) لولا الغدر الأمريكي ـ السعودي.
حيث بدأت مَرحلة شَديدَة الوطأة على العراقيين من الناحية الإقتصادية والأمنية والإجتماعية تَجَسّدَت بالحصار الإقتصادي الذي فَرَضَتهُ دُول الإستكبار العالمي على العراق بدعوى مُعاقبة ومُحاصرة نظام صدام في الوقت الذي كان يَتَمَتّع فيه وعائلته الفاسِدَة بأرقى أشكال الحياة المترفة في قصوره مع زبانيته ويتلاعبون بمقدرات الشّعب العراقي المغلوب على أمره آنذاك.
وفي ظِل تِلك الظروف الحرجة والسنوات العجاف كان الطاغية المقبور يُزايد على القَضية الفلسطينية من خلال الإدعاء بتبنيه ودعمه لها في الوقت الذي تؤكّد فيه كُل الوقائع والدلائل أن دعمه كان شكلياً ولا يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى دَعم المقاومَة الفلسطينية المسلحة ضد الكيان الصهيوني المحتل والعمل على تَحرير ولو شِبر من أرضها المغتصبة ، بل كان حارساً للبوابة الشرقية للكيان الصهيوني عندما تولى إشغال الشعبين العراقي والإيراني بحرب مجنونة أحرقت الحرث والنسل حاوَل من خلالها وبإيعاز من الإستكبار العالمي أن يمنع تأثير إشعاعات الثورة الإسلامية التي فَجّرها السيّد الخميني "رض" وألهمت المستضعفين في العالم وخصوصاً الفلسطينيين.
أما بالنسبة للشعب العراقي والذي يتميز بعلاقة مُميزة وقديمة مع القضية الفلسطينية ويتفاعل معها بشكل كبير وفي العديد من المناسبات فإن سياسات الطاغية صدام بخصوص القضية الفلسطينية كانت جميعها على حساب الشعب العراقي الذي كان يُعاني شتى أشكال الويلات في ظل حاكم ظالم مُستبد أباد الحرث والنسل بحروبه المجنونة ومُمارساته القمعية .
ومن مُمارساته التي إدّعى فيها نفاقاً نُصرة الشعب الفلسطيني هي تَخصيصه مَبلغ (مليون) يورو لدعم الفلسطينيين في الوقت الذي كان الجوع والقحط قد مَسّ عظام الشعب العراقي المحاصر.
وأيضاً قيامه بتَجييش (6) ستة ملايين عراقي فيما يُسمى بجيش القُدس !! والذي أرغم فيه الشباب والكهول والنساء والأطفال رغماً عنهُم للمُساهمة في تدريبات مُثيرة للإستهزاء والإشمئزاز الهدف منها إلهاء الشعب العراقي عن همومه الأساسية وإبعاده عن التفرّغ للتفكير والتخطيط للإطاحة بنظامه الظالم الفاسد .
و"جيش القُدس" هذا أوجد وللأسف الشديد رَدّة فعل سلبية كبيرة لدى أبناء الشعب العراقي وخصوصاً فئة الشباب الذين عانوا من سياسات الكبت والإرهاب والقمع .
ولن يَنسى شَباب العراق قيام نظام صدام بفتح أبواب القبول على مِصراعيها للطلبة العرب من اليمن والأردن وفلسطين في أعرق وأهم جامعات وكُليات العراق وبتمويل وإعفاء مالي كامل مُقابل إنتماءهم وولاءهم لحزب البعث المباد وزعيمه الجرذ .
كُل ذلك في الوقت الذي كان يُحرم فيه الطالب العراقي من فُرص التعليم الجامعي الذي يتناسب مع طموحاته وقابلياته بسبب عدم دخوله في عصابة البعث وإنشغاله بتوفير لُقمة العيش والعمل .
كما لم يكُن خفياً ما كان يُخطّط لهُ نظام صدام في أواخر حُكمه الجائر لإسكان الفلسطينيين في جنوب العراق بالقُرب من بعض القُرى التي يسكُنها عراقيين من الطائفة السنية بهدف إحداث خَلَل في التركيبة السُكانية في جنوب العراق التي تنتمي بأغلبيتها الساحقة إلى العراقيين الشيعة ، ومن ثُم يَسعى لتحقيق أهداف سياسية خبيثة أُخرى .
كما أن التأييد الظاهري للنظام البعثي المباد في العراق لم يمنعه من القيام في سبعينيات وثمانينيات القرن الميلادي الماضي بحركات إغتيال للعديد من النُشطاء الفلسطينيين منهُم (نعيم خضر) في بروكسل و(وائل زعتر) في روما و(زُهير مُحسن) في فرنسا و(عصام السرطاوي) في لشبونة ، وهو ما يؤكّد بأن النظام البعثي لم يكُن يسعى بالأساس لخدمة القضية الفلسطينية بقدر ما كان يسعى لإستغلالها لتحقيق طموحات إقليمية خاصة .
وقد إعترف المقبور "حَردان التكريتي" أحد أقطاب البعث آنذاك أن حزبه كانت لديه خُطط خاصة لإنتزاع قيادة العالم العربي من القاهرة ، كما كانَت لَديه إتصالات مُسبقة بالبريطانيين والكيان الصهيوني .
وبعد سقوط صَنَم الطاغية صدام في 9/نيسان/2003م ظهر مَوقِف الكثير من العراقيين بشكل عَلَني لا مُجاملة فيه تجاه الفلسطينيين وموقفهم المؤيّد والمساند لصدام وحُكمه القمعي وتمثل ذلك بردود أفعال خطيرة تَدُل على عُمق المعاناة والفجوة الإجتماعية والسياسية بين أبناء الشعبين بسبب سياسات النظام المباد ومنها قيام بعض العراقيين بطرد الفلسطينيين وعوائلهم من المجمعات السكنية التي أسكنهم فيها صدام مما إضطر الكثير منهم إلى الهجرة والمكوث على الحدود العراقية ـ السورية وخصوصاً أولئك المتهمين بالمشاركة في أعمال تعذيب وقمع ضد العراقيين .
وَبَدَلاً من إعادة النظر بطبيعة العلاقة بين الشعبين المسلمين الشقيقين وتنظيمها وتمتينها ظهرت أصوات نشاز تُحاول ركوب موجة الإستياء العراقي من بعض السلوكيات السلبية الفلسطينية من خلال الدعوة عَلَناً إلى إقامة علاقة سلام وتطبيع بين العراق والكيان الصهيوني بالتزامن مع حملات سرية مُنظمة تقوم بشراء أراضي وعقارات في أماكن مُهمة وَحَساسة في العراق ، وهو ما دفع بعض الصُحف والمجلات إلى إجراء إستطلاع للرأي حول موقف العراقيين من هذه الدعوات .
ولكن يَبدو وبمرور الأيام أن التبايُن في الثقافة المذهبية للشعبين العراقي والفلسطيني قد إتّخذ وللأسف الشديد مَنحى التباعُد ثُم التنافُر خصوصاً بعد إستعادة العراقيين الشيعة لبعض حقوقهم السياسية والإجتماعية والثقافية في العراق بعد نيسان 2003م ، حيث إتّخذ الخطاب الفلسطيني لمُعظم فصائله خطاب العداء لمشروع العراق الجديد دون النظر إلى الأسباب الموضوعية التي أدّت وقادَت إلى هذه النتائج .
وبدأت حدّة التوتّر في العلاقات بين الشعبين عندما بدأت العمليات الإرهابية الإنتحارية الجبانة تَحصُد أرواح العراقيين بالآلاف دون تمييز بين أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين أبرياء ، في حين كانت المواقف الفلسطينية الرسمية منها والشعبية تكاد تُجمع على موقف موحّد بتأييد ودعم هذه العمليات ووصفها بأقدس الأوصاف الجهادية بل والمشاركة فيها وتعدى ذلك إلى قيام بعض الفلسطينيين بتمجيد أعداء الشعب العراقي وقاتليه وخصوصاً الطاغية صدام والإرهابي أبو مُصعَب الزَرقاوي وإقامة مجالس العزاء والفواتح لهم ورفع صورهم دون مُبالاة لأي مشاعر إنسانية لذوي ضحايا العمليات الإرهابية والسياسات القمعية لهذين المجرمين.
وهكذا أوقَع هؤلاء أنفُسهُم بفَخ المؤامرة الطائفية والقومية التي كانت تَستَهدِفَهُم مُنذ البداية بالعمل على إحداث فَجوَة تأريخية وإجتماعيّة عَميقة بَينَهُم وَبَين الشعوب الأُخرى وخصوصاً الشعوب العربية المحيطة بهم ليَسهَل التَحكّم بقضيتهم المصادرة مُنذُ عام 1948م وتضييع حقوقهم وحقوق الأمة الإسلامية كُلها .
ولا يخفى على كُل مُتابع مُنصف بأن الكثير من العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً هُم ضحايا الماكنات الإعلامية الطائفية التي تجهد ليل نهار في تشويه صورة المسلمين الشيعة وتصويرهم بأنهُم عُملاء للمُحتل أو طائفيين مُسيئين لرموز المسلمين السنة مع تعبئة هذه الشعوب بحُزمة من المشاعر القومية العنصرية الشوفينية ضد الشيعة وإستعداء العالم ضِدّهُم وَهو ما نشهدهُ بشكل جَليّ في الغالبية العُظمى من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة التابعة سراً وعلانية للكيان الصهيوني ومُخابراته المعروف بجهاز (الموساد).
وأنا على يَقين تام بأن الإعلام العالمي عموماً والعربي خصوصاً لو قام ببيان الحقيقة المشرقة للمُسلمين الشيعة أو على الأقل لو إتّصف بالموضوعية والبُعد عن الدوافع والأحقاد الطائفية لأصبح الكيان الصهيوني من الأساطير لأن العداوة والبغضاء بين المسلمين سوف لن يكون لها مكان وسيتفرغ المسلمون لعدوهم الحقيقي واللّدود الكيان الصهيوني .
ولعل ذلك ما يُفسّر إهتمام الماسونية العالمية اليوم بالسعي للسيطرة على وسائل الإعلام في العالم لتتمكن من توجيه الرأي العام وفق ما تشتهي وتُحب .
https://telegram.me/buratha