د. علي المؤمن ||
عناصر تشكيل الرأي العام الشيعي العراقي يفرزها الواقع الشيعي نفسه، أو المؤثرة من خارج الواقع الشيعي، والتي تساهم مجتمعةً في تشكيل الرأي العام الشيعي العراقي تجاه الحركة الإسلامية الشيعية، وأهمها:
1- القيم والمعتقدات الدينية:
وهي القيم والمعتقدات التي تحمل قابلية هائلة على كسب الرأي العام الشيعي واستثارة وعيه وعواطفة. والظاهرة الأهم التي تفرزها هذه القيم والمعتقدات في الواقع الشيعي هو النظام الاجتماعي الديني ومؤسساته، وأبرزها مؤسسة المرجعية الدينية والحوزة العلمية، ومراسم الإحياء الدوري لذكريات أهل البيت، ولاسيما ذكرى استشهاد الإمام الحسين في شهر محرم الحرام والزيارة الأربعينية في صفر، وكذلك عموم الحالة الدينية الثقافية والشعبية الشيعية التي تضم الشعراء والخطباء. وبات هذا العنصر ــ بعد العام 2003 ـــ شديد التأثير في توجيه الرأي العام الشيعي العراقي وصناعة مواقفه تجاه الأحداث عموماً والحركة الإسلامية الشيعية خصوصاً. وتقف مرجعية السيد علي السيستاني والحوزة العلمية النجفية، ومرجعية السيد علي الخامنئي والدولة الإيرانية بعنوانها المذهبي، في مقدمة محاور التوجيه المذكورة.
ويمكن القول أن هذا العنصر هو الأكثر سوقاً للرأي العام الشيعي نحو الحركة الإسلامية الشيعية والقبول بها كخيار وحيد يمثل الشيعة في السلطة. وحتى لو لم تكن محاور هذا العنصر تتحرك بشكل مباشر في دعم حضور فصائل الحركة الإسلامية الشيعية في السلطة، إلّا أن الايديولوجية المشتركة للطرفين وأهدافهما الدينية المذهبية الواحدة، يشكل فاعلاً أساسياً تلقائياً في موقف الرأي العام الشيعي العراقي الداعم للحركة الإسلامية الشيعية.
2- القيم الاجتماعية والسلوكية الموروثة:
وهي مجموعة العادات والتقاليد والأنماط السلوكية الاجتماعية التي يعتقد بها الجمهور الشيعي، أو التي يضطر جزء كبير منه للاعتقاد بها، والمتوارثة عبر الأجيال، ومنها الروابط العشائرية والأسرية. وقد ازداد تأثير هذا العنصر في توجيه الرأي العام الشيعي العراقي وصناعة مواقفه بعد العام 2003، في ظل ضعف عناصر الكبح القانوني والأمني والتنظيمي للدولة، بل حماية الدولة للانماط المؤسسية الاجتماعية العرفية، وخاصة النمط العشائري. وقد ظل هذا العنصر الإجتماعي القيمي متماهياً ومتداخلاً مع العنصر الأول (الديني) أو تابعاً له. وهذه التبعية القيمية تصب هي الأخرى في مصلحة الحركة الإسلامية الشيعية، لأنها تقود الى تبني المؤسسات الاجتماعية لخيار المرجعية والمؤسسة الدينية.
3- الخطاب العنصري الموروث:
وهو خطاب الدولة العراقية قبل العام 2003، وتحديداً خطابها المركب: الطائفي العنصري، الذي تبلور تدريجياً بعد العام 1921، أي بعد تأسيس كيانها. وقد ظل خطاب حزب البعث وثقافته وأدبياته يمثل التجسيد الأكثر راديكالية وتأثيراً، إذ لايزال كثير من ثقافة حزب البعث وأدبياته ومفاهيمه ومصطلحاته فاعلاً في وعي الرأي العام الشيعي العراقي وعقله الباطن. لذلك؛ تجد بعض الشيعة في أول لحظة انفعال وغضب، يقوم ــ بوعي أو بدونه ــ بترديد بعض المفاهيم والمصطلحات التي كان يفصلّها نظام البعث على مقاس الشيعة عموماً والإسلاميين الشيعة خصوصاً، مثل: عملاء، خونة، خمينيون، إرهابيون، تبعية، عجم وغيرها، كما أشرنا سابقاً. ثم أضيفت اليها مفاهيم ومصطلحات جديدة، مثل الصفويين، أحفاد ابن العلقمي، الذيول وغيرها. وهي ليست مجرد أدبيات ومصطلحات شكلية، بل لها دلالات عميقة في الثقافة البعثية الموروثة.
4- مشاهد الوطن والدولة:
وهي مشاهد الفساد والفشل والشلل في إدارة الدولة العراقية بعد العام 2003، والأحداث والوقائع السلبية التي تنطوي عليها. وقد نجحت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المحلية والإقليمية المعارضة للحركة الإسلامية الشيعية، وكذا الخطاب الفئوي التنافسي لفصائل هذه الحركة، نجاحاً ملحوظاً، في استغلال هذه المشاهد، لتحقيق ثلاثة أهداف مهمة جداً:
أ- تضييع المعايير الموضوعية لقياس النزاهة والفساد، والنجاح والفشل، والوطنية والخيانة، عبر التهويل والمبالغة في تصوير مشاهد الفساد والفشل، وتعميم أدبيات الفساد والفشل والعمالة على جميع مسؤولي الدولة، ما ظل يؤدي الى خلط كبير بين الصالح والطالح، والفاسد والنزيه، والناجح والفاشل.
ب- تحميل الحركة الإسلامية الشيعية في السلطة، مسؤولية جميع المشاهد المذكورة، بذريعة سيطرة فصائل الحركة على أغلب مفاصل الدولة، بل وتحميل الحركة مظاهر الفساد والفشل لدى الشركاء السنة والكرد أيضاً
ت- إقناع فئات من الجمهور الشيعي بأن سنوات الجمر البعثية كانت أفضل من عراق ما بعد العام 2003
ث- إقناع فئات من الجمهور الشيعي بأن الشيعة لايصلحون للحكم، وأن السنة خصّهم الله بالسلطة والحكم.
هذا النجاح النسبي الملحوظ، جعل الرأي العام الشيعي أكثر استجابة لاستغلال الخصوم وتحريكهم ضد الحركة الإسلامية في السلطة.
5- الجماعات والزعامات السياسية:
ونحددها بالجماعات والزعامات السياسية الإسلامية الشيعية، وممارساتها وسلوكياتها وخطابها. وقد كانت هذه الممارسات والسلوكيات جاذبة للرأي العام الشيعي قبل مرحلة السلطة (قبل العام 2003)، لكن جزءاً كبيراً منها بات طارداً وسلبياً في مرحلة ما بعد السلطة (بعد العام 2003). وفي الوقت نفسه، لايزال هذا العنصر مؤثراً جداً في توجيه الرأي العام الشيعي وصناعة موقفه الإيجابي من الحركة الإسلامية، إذ لايزال الجمهور الشيعي يصوت ــ غالباً ــ لمصلحة الكتل الإسلامية الشيعية في الانتخابات.
ونلاحظ هنا، أن حالة التعارض والخصومة بين فصائل الحركة الإسلامية الشيعية أنفسها تساهم في تأليب الرأي العام الشيعي ضد هذه الفصائل. وقد يحافظ خطاب التضاد بين الإسلاميين على الرأي العام الفئوي لكل منهم، لكنه بالنتيجة يعرّضهم لخسارة الشرائح غير المنتمية أو الرمادية، وهي الشرائح الأكبر عدداً.
https://telegram.me/buratha