دراسات

نجاح أو فشل الإستراتيجيات، من وراءه؟


 

 د. سيف الدين زمان الدراجي *||

 

إستراتيجية دون تكتيكات هي ابطأ طريق للنصر، اما التكتيكات دون إستراتيجية فهي الضجيج قبل الهزيمة. "سون تزو - فيلسوف وجنرال صيني"

كانت لي فرصة لقاء د. ريتشارد روميلت مؤلف كتاب الإستراتيجية الجيدة/ الإستراتيجية السيئة، بعد أن حضرت محاضرته التي تحدث فيها عن أسس وضع وبناء الإستراتيجيات في مختلف المجالات. حيث تطرق الى مفهوم جدير بالاهتمام، وهو أن الإستراتيجية ليست فقط رؤيا وأهداف وتوفير موارد وإنما هي في الأساس إيجاد حلول قابلة للتطبيق، وفق معطيات محددة وفي ضوء معلومات متوفرة، لمشاكل تحول دون الوصول لغايات منشودة مُعدة بإتقان وغير نمطية.

إن مصطلح الإستراتيجية Strategy يعود في الأساس الى الكلمة الإغريقية Strato وتعني الجيش ومنها إشتقت الكلمة اليونانية Strategos وتعني فن قيادة وإدارة الجيش أو الحروب، حيث كان القادة الإستراتيجيون هم قادة عسكريون في الاساس يجمعون بين السلطة السياسية والسلطة العسكرية.

لايقتصر مفهوم الإستراتيجية على الشؤون العسكرية والأمنية فحسب بل يمتد ليشمل الشؤون السياسية والتجارية والإقتصادية والدبلوماسية فيما يخص القطاع العام فضلا عن إستراتيجيات الأعمال المتعلقة بالقطاع الخاص.

هناك جدل واسع بشأن إيجاد تعريف مشترك للإستراتيجية، الا أن روميلت عرفها على إنها " مجموعة من الإجراءات التي يجب على المؤسسة أو المنظمة تنفيذها، على أن تكون قابلة للتطبيق وفق ما متوفر من موارد".

يذهب بعض واضعي الإستراتيجيات بعيداً بطموحاتهم، حيث تُركز إسهاماتهم على الجانب السردي، والاجراءات النظرية التي تتلخص بأهداف قد تكون خارج قدرة وإمكانية الجهات المُنفذة، والتي قد تجد نفسها مُضطرة بعد محاولات فهم وتطبيق غير ناجحة الى إهمال الإستراتيجية والعودة الى تنفيذ الخطط والإجراءات النمطية المعهودة. وهنا لابد أن تتم مراجعة الإستراتيجية وإيجاد السبب الحقيقي وراء عدم الإستمرار او الالتزام بالإستراتيجية المُعدة. فلربما طبيعة المُنفذ أو من تستهدفه الإستراتيجية بحد ذاته  هو من النوع المقاوم للتغير، أما بسبب عدم قدرته على التنفيذ، او خوفاً من نتائج التغيير، أو لعدم الرغبة في تنفيذ خطوات او خوض تجارب جديدة تمسكاً بالنمطية وماجرت عليه العادة. لذا لابد من تشخيص نوع هذه المقاومة والسعي الى إيجاد الحلول المناسبة لها، والتي قد تستدعي تغيير الفريق التنفيذي في حال فشلت محاولات تبديد مخاوفه وإضافة عناصر تعزيز كفوءة.

هذا من جانب، ومن جانب أخر، فلابد أن يُراعى في إختيار واضعي الإسترتيجيات وما يطلق عليه إصطلاحاً المفكر الاستراتيجي؛ الامكانات الذاتية والقدرات التنظيمية و الكفاءة التحليلية. كما لابد ان تُراعي الإستراتيجيات؛ الموارد والقدرات والإمكانيات الواجب توفرها من أجل وضع الأطر الأساسية لتنفيذ خطواتها.

تضع الدول إستراتيجياتها للوصول الى أهدافها وفق أُطر زمنية محددة قد تتباين مابين 5-15 سنة، وبمراجعات دورية، في ضوء الرؤى المستقبلية الشاملة لاسيما تلك الدول التي تعد إستراتيجياتها الكبرى Grand Strategy فيما يتعلق بأمنها القومي وتحديد وتحليل العوامل الداخلية والخارجية من أجل تهيئة المواقف وإتخاذ القرارات الرامية لمواجهة التهديدات ضمن مايُطلق عليه إختصاراً تحليل S.W.O.T القاضي بتشخيص مواطن القوة والضعف والفرص والمخاطر، إستناداً لعناصر قوتها الوطنية العسكرية والأقتصادية والدبلوماسية والمعلوماتية.

قد تواجه الدول أو المؤسسات ظروفاً تُحتم عليها تغيير إستراتيجياتها، الأمر الذي قد يضطر القيادة العليا الى تحديدات مسارات أخرى للغايات والأهداف المرسومة لتتماشى والخطط والسياسات الملائمة او الواجب تنفيذها لمواجهة تلك الظروف أو الإستفادة منها، سيما وأن السياسات Polices والخطط Plans تندرج تحت مظلة الإستراتيجية من حيث مجموعة القواعد والأنظمة التي ترسم خارطة العمل وتشكل قاعدة إتخاذ القرارات اليومية داخل المؤسسة، وتُعد من مهام القيادات الوسطى.

توصف الإستراتيجيات الجيدة بأنها مزيج متماسك من السياسة والعمل المُصَمَّم للتغلب على تحديات كبيرة، كما أشار عدد من الباحثين من الذين حددوا إعتماد أسس بنيتها المنطقية على الآتي:

1- تشخيص واضح ودقيق للتحدي الواجب مواجهته.

2- سياسة إرشادية شاملة تبين كيفية مواجهة التحدي.

3- مجموعة من الإجراءات المتماسكة والمُعدة لتركيز الطاقات وتوفير الموارد.

4- فهم واسع لقدرات وامكانيات الجهات المُنفذة.

وعلى النقيض من ذلك فقد عزى عدد آخر من الباحثين مكامن الخلل وأسباب فشل بعض الإستراتيجيات الى:

1- غياب الأهداف الواضحة لتحديد سلوك وسياسات الدول والمؤسسات.

2- التنافس السلبي والسعي الى فرض الإرادات وإثبات الوجود الغير فعال.

3- انهاك الفريق الإستراتيجي بإجتماعات تبادل المعلومات ومناقشة السياسات والعمليات التنفيذية والتي هي ليست من مهام واضعي الإستراتيجيات.

  4- الهوة التنظيمية التي تعوق تواصل الفريق الإستراتيجي مع مراكز صنع القرار، مع ضعف إدراك وفهم قدرات الجهة المنفذة والعقبات التي تحول دون تطبيق الإستراتيجية.

5- ضعف التنسيق وعدم وجود وصف دقيق لمهام كل عضو في الفريق الإستراتيجي.

إن السعي الى تطبيق فعال للإستراتيجيات وتحديد الأهداف المرجوة والموارد اللازمة يتطلب جهداً كبيراً يقع على عاتق واضعي الإستراتيجيات بالشكل الذي يضمن تطبيقها من قبل الجهات التنفيذية. كما أن تطوير امكانيات وقدرات الفرق الإستراتيجية بشكل مستمر من خلال البحث والمتابعة ومواكبة التطورات والمهارات التنظيمية -كإدارة الوقت والقدرة على التخطيط وتنظيم الموارد وإدارة الأولويات وتفويض المهام والتعاون والتواصل الفعال- يُعدُّ أمراً ضرورياً لمواجهة العقبات التي تواجه صياغة الإستراتيجيات بما يضمن ديناميكيتها وموائمتها للتطورات التي تحدد بوصلة سياساتها وخططها وقدرتها على التنبؤ وتحليل الأحداث والمتغيرات.

*باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي. رئيس مركز المدى للدراسات الدولية MCIS IRAQ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك