الشيخ /عدنان الحساني
كثرت الكتابات من قبل العلماء وأهل المعرفة حول مبدأ ولاية الفقيه ولعل البعد الفقهي والاستدلالي كان من اكثر الابعاد التي اخذت حيزا واسعا من تلك الكتابات وتنوعت تلك الاستدلالات بتنوع الطرق والمشارب فتارة تأتي في سياق العقل واخرى في سياق النص والنقل وثالثة في سياق التنظير الاجتماعي والسياسي والعرفاني..الخ.
واليوم نريد ان نتحدث عن هذا المبدأ بشكل مختلف لايمت الى منطق الاستدلال بصلة, بل يدخل في نطاق منطقة الفعل الواقعي..ونحن نعلم ان الفعل الواقعي مؤطر بعناصر خارجية اما تجريدية كالزمان والمعاني والانتزاعات الكلية للمجتمع او عيانية كالمكان والشخوص والأشياء المرتبطة بتلك الانتزاعات الاعتبارية.
وجميع هذه العناصر تنتمي الى قوانين وانظمة واولويات عضوية حيث ان اي اختلال بتلك الانظمة يؤدي الى ارباك في مجريات الفعل الواقعي وبالتالي الاصتدام بين المصالح من جهة وطبائع الأشياء من جهة اخرى.
من هنا فان المتابعين والمراقبين للامثولة الواقعية التي جسدتها انطباقات الفعل الواقعي لمبدأ ولاية الفقيه- حتى يستطيعون اختبار وتقييم هذا المبدأ- لابد ان يتجردوا من كل قبليات فكرية وسياسية واجتماعية ومرجعية ويكون مرجعهم الوحيد هو انسجام تلك العناصر مع النظام الامثل اما بالانطباق او بالمقاربة كحد ادنى..
اعتقد ان مثل هذه المقاربة ستحتم على كل متابع ومراقب الإذعان الى حقيقة ذلك الانسجام لان المنطبق الواقعي لهذا المبدأ برهن بشكل عملي على صلاحية المبدأ في ادارة ترتيب تلك العناصر وبالتالي فان اي حالة اصتدام عضوي داخلي مستبعدة ..نعم المواجهة الخارجية ومحاولة التسلل الى داخل الجسد الاسلامي امر واقعي وهو شيء لايمكن استبعاده او انكاره لان المواجهة بين الخير والشر هي حالة عميقة تقتضيها طبائع الاضداد.
ما اريد قوله ان ولاية الفقيه كفعل واقعي بكل عناصره وادوات انسجامه العضوي مع النظام الاجتماعي الاحسن تجسدت في التجربة الفريدة للجمهورية الاسلامية حيث برهن السيدان الامامان الخميني قدس سره والخامنئي دام ظله قدرة الفقيه على تحويل تلك العناصر الى معطيات قادرة على ابراز معالم الحكومة الاسلامية وتعميم المنجز الرسالي ليس من خلال قدرة المفاهيم والقوانين الاسلامية على ذلك فحسب بل لان تضاعيف تلك المفاهيم ومفاعيل تلك القوانين لايمكنها ان تنسجم مع الواقع من دون تحكيم عناصر الفعل الواقعي والفعل الواقعي لايبرز الا من خلال وجود المنطبق الواقعي للنموذج القيادي الامثل وكل ذلك لمسناه من خلال تجربة ولاية الفقيه على مدى العقود الثلاثة الماضية حيث نرى ان كل تقدم على الساحة الايرانية على صعيد المجتمع والسياسة والاقتصاد او على صعيد المواجهة هو نتاج ذلك الانسجام بين الفعل الواقعي وعناصر نجاحه في خارطة النظام الاجتماعي والسياسي الاوفق وبالتالي فان الوجدان يحكم ولو بالمقاربة ملائمة نظرية ولاية الفقيه مع النظام الكوني الاحسن بتوسط ذلك الانسجام الذي طرأ بين مبدا الولاية والنظام الاجتماعي الاحسن وهكذا تتجلى حقيقة هذا المبدأ في منطقة الواقع وتفرض مزاياها عليه..