دراسات

جبهة المقاومة والفاعلية النفسية لأتباعها


 

رياض البغدادي ||

 

تمتاز جبهة المقاومة بكل الحركات المنظوية فيها ، بانها اقدر من غيرها على فهم الظروف الموضوعية المحيطة بها ، وبأنها ذات مرونة فريدة في حركتها ، بما تملکه من نظرة دقيقة لرصد الواقع الذي تعمل فيه ، ولقواه ولحركته التأريخية ، وتمتاز ايضا بقدراتها على ان تستمد من نشأتها الدينية ، مظاهر متعددة للاقتدار على الفعل الشمولي والعميق ، فهي بكل هذه المزايا والقدرات ، تمثل أروع حالة تنظيمية جهادية في الإستشراف والسيطرة والتحرك الدائم الى أمام ، وهي لهذا اقدر على التأثير اجتماعياً ، لا بمقياس حجم المعبّئين خلفها وسعة حاضنتها الإجتماعية ، إنما بمقياس فاعلية التعبئة التي تمارسها .

من هنا امتازت الحركات المرتبطة بالاسلام المحمدي الاصيل بقدراتها على خلق حالة نفسية متوازنة وهادئة لكوادرها من المجاهدين ، غير أن الحركة الجهادية لكي تنجح في توظيف هذه الحالة النفسية هجوميا على القوى المضادة في المحور الامريكي الصهيوني والمرتبطين به تحتاج الى قدرة على وضع اسس منظمة لمتابعة الحالة النفسية ،او لنقل، احتواء كل مناخ اجتماعي ضمن الحالة النفسية المتوازنة على المستوى الداخلي للحركة الجهادية وعلى مستوى حاضنتها الاجتماعية الموالية ، فبهذا التنظيم تدير الحركة الجهادية ( المنازلة ) في البيئة الاجتماعية وتحويل حالة التوازن الى عاصفة من خلال حركتها ، فتفرز قوى المحور المعادي وتؤشر حجمهم الحقيقي ، وتضعهم في الزاوية الضيقة .

لكن يجب ان نعلم ان لخلق التوازن النفسي لدى المجاهد شروطاً يفترض توفرها منها :

- الأيدلوجية الجهادية المرتبطة بالعلماء المجتهدين حصراً والمستمدة من فكر أهل البيت عليهم السلام لكي يكون المجاهد مطمئناً لشرعية ما يقدمه من عمل في سبيل الله.

- التنظيم ،لا بالمعنى الحزبي الذي يجعل المجاهد مجرد تابع لقيادة تفصله عنها مجموعة كبيرة من قيادات التدرج الهرمي، وانما التنظيم بمعنى القابلية التعبوية والقدرة الفائقة على التكتيك وتغيير المواقع والسرعة في التحرك والانتشار.

- الوعي والبصيرة التي تعطي للمجاهد القدرة على رؤية المحيط باستمرار ورصد التطورات الحاصلة فيه ومواجهة الافعال الاستفزازية بحكمة وروية تجنبه الوقوع في شرك ردود الافعال.

- الوضوح والمكاشفة بين المجاهد وقيادته الميدانية للمحافظة على روح المودّة والتواصي الذي يجنب المؤمنين الوقوع في دائرة الشكوك.

وقد نجحت جبهة المقاومة في العراق الى حد ما ، بالمحافظة على الحالة النفسية المتوازنة والمستقرة طيلة السنوات الماضية من مسيرة جهادها ، واكتسبت نجاحاً على المستوى الداخلي في العراق جعل من جهادها محل فخر لجميع العراقيين ، وكذلك على المستوى الخارجي الذي عبرت عنه الشعوب بحالة الامتنان التي أبدتها تجاه جبهة المقاومة ، إذ كانت بمثابة حاجز الصد الاول لمواجهة المؤامرة الدولية التي خلقت داعش .

ان هذا النجاح الكبير مكّن جبهة المقاومة من إستيعاب البيئة الاجتماعية في المحيط الاسلامي فضلاً عن البيئة الاجتماعية المباشرة في العراق ، واعطاها القدرة على خلق حالة نفسية عامة ، تكمن قيمتها لا في عوامل القوة التي تمتلكها جبهة المقاومة فقط ، وانما في الجو الايماني الذي يتميز به افرادها المجاهدون ، وضمن هذا السياق كان المحور الامريكي الصهيوني المعادي يدرك جيدا هذا النجاح ، واذا لم يكن قد توصل الى صيغ في اسقاطه وهدمه ، فانه وضع بنظر الاعتبار مسألة الإشغال ، فهو على الأقل من خلال الإشغال يسلب المجاهد قدرته النفسية على الهجوم مستقبلاً ، إن لم يستطع تحويل حالته النفسية المطمئنة والمتوازنة الى حالة هزيمة وتشكيك .

والإشغال يتحقق عند زرع حالة الشعور بعدم الثقة وتهدید الاطمئنان النفسي الذي يتميز به كل فرد من المجاهدين في الحركة الجهادية واشعاره انه مهدد في كل لحظة بالرغم من وجوده ضمن حاضنته الموالية.. وضمن هذا السياق واجهت جبهة المقاومة مؤامرة المطار واغتيال مجموعة مهمة من قيادتها الميدانية (رضوان الله عليهم) ، إضافة الى ما رافق المظاهرات الشعبية العادلة التي انطلقت في تشرين من العام ٢٠١٩ من مؤامرات امريكية صهيونية كانت تسعى لتحويلها كوسيلة من وسائل الحرب ضد جبهة المقاومة واشغالها عن اهدافها الحقيقية ،ولا بد أن تواجه جبهة المقاومة مؤامرات اخرى مهما اختلف السياق مادامت معركتها وصراعها مع المحور الامريكي الصهيوني مستمرة ،ولابد ان نتوقع استمرار عمليات اصطياد المجاهدين و كسب المواقع التي تستقوي بها جبهة المقاومة .

من هذا المنطلق يفترض دراسة ظاهرة المؤامرة الاخيرة واکتشاف فن ما يطمح إليه العدو من ترتيب الاهداف من ورائها.. ولا يخفى ان اهداف المؤامرة الاخيرة متعددة منها :

1. سلب جبهة المقاومة حواضنها وقواعدها الشعبية.

2. محاصرتها في الزاوية الضيقة من خلال اجراء تغييرات في المواقع والمناصب الحكومية والامنية والتي ستوفر مرونة أكبر لحركة العدو في شن هجماته على مواقع جبهة المقاومة بكل حركاتها وقياداتها الميدانية.

3. ايقاف حالة التقدم المتسارع في امكانات المقاومة وسعيها الى تطوير اساليبها في مقاومة القوات الامريكية في كل مواقعها المنتشرة في العراق.

4. العمل على تهدئة الحالة النفسية الثورية لدى المجاهدين من خلال اعطاء الوعود الكاذبة بالانسحاب من الاراضي العراقية او رفع اليد عن دعم بعض الانظمة العربية المعادية لجبهة المقاومة.

5. تهديد الطمأنينة التي يتميز بها المجاهدون والمستمدة من التوفيق الإلهي الذي عبرت عنه الاية المباركة (  وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ) من خلال الاعلام المعادي الموجه. 

و بالتأكيد روعي في نجاح او فشل المؤامرة مقدار ما يتعلق منها بتحقيق هذه الأهداف.

تُرى .. هل تحقق شيء من أهداف العدو ؟

اولا : لم تنجح مؤامرة المطار في زرع بذور الشك وعدم الثقة بين جبهة المقاومة وقياداتها بل استمرت حالة الاطمئنان والتقارب والتوادد التي كانت سائدة بين المجاهدين قياداتٍ وافراداً وليس انجح من الثقة خَلْقاً للطمأنينة .

ثانيا : لم تنجح المؤامرة في تحجيم جبهة المقاومة بل حصل ان زاد تعلق الامة بالمجاهدين كنوع من رد الجميل للشهداء المغدورين ،كما ان مؤامرة اغتيال الشهيدين في المطار اخجلت من كان يقدم قدماً ويؤخر اخرى في حساب المواقف الموالية لجبهة المقاومة.

ثالثا : الحالة النفسية الرافضة لاستمرار الاحتلال لم تهدأ ولم تطمئن الامة للوعود الكاذبة التي تجدها الحكومة العراقية المبرر الكافي لوقف عمليات المقاومة وانتظار نتائج تنفيذ تلك الوعود.

 اذن فالمؤامرة قد فشلت في تحقيق الهدف الأساس لها ، غير أنها قطعاً لا بد أن تفرز نتائج سلبية كما هو مقدر لها ،فالذي خطط للمؤامرة ما كان ليكتفي بالصفحة الواحدة ،وقد تنشأ عن المؤامرة تداعيات تفرزها عملية تفاعلها مع الظروف والعوامل المحيطة بها،و ابرزها في حدود موضوعنا ما يتعلق بالطمأنينة والاستقرار النفسي للمجاهدين ،أي مقدار الاحباط النفسي الذي يمكن ان تتركه المؤامرة خلفها ..

إن تقدير حجم هذا الاحباط يتحدد بالوعي من خلال تحليلنا لطبيعة المؤامرة وتنوع اهدافها ككل ، وشكل انعكاسها على الحركة الجهادية و كيفية تعاملها مع هذا الانعکاس ، وفي طبيعة المؤامرة انه كان على رأسها زمرة خبيثة ارتبطت بعمل تجسسي مشين مع الاحتلال الامريكي وهي تحتل مواقع قيادية مهمة ،وقد استطاعت بحكم موقعها أن تجر معها عناصر تشغل مناصب مهمة في الاجهزة الامنية ، وكان لجبهة المقاومة بكل فصائلها تعامل يومي معهم ، من هنا كان لابد لدورهم في المؤامرة ان ينعكس بأثر نفسي سلبي ، يؤثر على روحية المجاهدين ، فليس سهلاً ان تكتشف تجسس من كان يقف بجانبك ويظهر لك انه معك ويبذل الغالي والنفيس من اجل حمايتك ، واذا به جاسوسٌ يسعى لقتلك وتسليمك الى اعدائك ، فبالتأكيد سيخلف ذلك اثراً سلبياً على روحية المجاهدين وسيصيب الثقة المتبادلة وقيمة العلاقة بين اخوة السلاح بمقتل.

ماهو المطلوب اذا كان المتآمرون من داخل جبهة المقاومة ، قد عكسوا صیغا مشوهة ونماذج ممسوخة عنها ، فواضح انهم في احد حساباتهم كانوا يهدفون إلى تشويه المبادئ الاساسية للمجاهدين ، ويراهنون على عزلهم وإبعادهم عن قواعدهم وحاضنتهم الشعبية بطريقين :

الأول،زرع الخوف وانعدام الثقة بين المجاهدين أنفسهم في جبهة المقاومة ، وبينهم وبين المؤيدين لهم من عامة الشعب .

الثاني ،من خلال الانكسار النفسي الذي سيجر المجاهد ، الى العزلة والإنزواء عن الامة .

لذلك فنحن مطالبون أن نقف عند مفهوم الثقة طويلا ، وان نتحاور وفق صيغة سؤال، نصه الآتي:

ما المطلوب في المرحلة الراهنة ؟

ان التمسك بفرض الجهاد وإستراتيجية المقاومة ، لا بمعنى التعلق العفوي والمستسلم لها كواقع حال ، انما بالوعي العميق لها .. وقراءتها في ضوء تطور المرحلة الراهنة ، وإستكشاف مقدار إستیعابنا لها ، والسؤال عن مقدار تطبيقنا لها ، والتمسك بشروطها واحكامها الفقهية ، وهذا لا يعني حفظها عن ظهر قلب ، ولا وضعها في لافتات في المكاتب ، إنما معايشتها وإعادة تشيكل سلوكنا الخاص والعام في ضوء مستلزماتها ، وممارسة النقد والتصحيح لكل نقطة ضعف ، في تكييف سلوكنا الفردي والاجتماعي ، وان نعيش إنضباطية الشرع والالتزام بالاحكام الواجبة ، وان نبدع، وأن يشار إلينا بهيبة الايمان والالتزام ، الذي يظهر بشكل جليّ على ممارساتنا اليومية ، بحيث نعكس الصورة الاكثر مثالية للمؤمن المجاهد ، الذي أصَّلَ لملامحه النبي الأكرم والائمة من ذريته المعصومين (ع) من خلال الموروث الروائي الصحيح الوارد عنهم ..

عند ذلك نكون حقيقة قد افشلنا المؤامرة وليس مجرد القضاء على قدرة الفعل المباشر فيها .

ان الذي يرقب الأحداث منذ مؤامرة ( المطار ) والى الآن ، يلاحظ جملة ظواهر أهمها ، ترسيخ شعبية المقاومة والتمسك بفرض الجهاد من قِبل الاوساط الشبابية ، بحيث أصبح الجهاد يزاحم الصلاة اليومية في كونه المعبر الحقيقي عن التصاق الأمة بالدين والعقيدة ، ويلاحظ أيضا كيف يمارس شعار المقاومة ، في انها جماهيرية وليست صيغة حزبية منعزلة عن الأمة ، ولا بد من الاشارة الى ان هذه الظواهر تتضمن تصوراً متكاملاً لكيفية اعادة فاعلية « الحالة النفسية الجهادية » للمجاهدين أعلى الله مقامهم .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك