د. سيف الدين زمان الدراجي *||
· سلسلة مقالات في إستراتيجيات الأمن الوطني ومواجهة التحديات
أسفر التطور التكنولوجي في عصر العولمة الى تغييرات في نمط السياسات المتعلقة بحفظ المعلومات ومعالجة البيانات فيما يتعلق بتقييم معايير الخصوصية الشخصية والخوارزميات الجاهزة.
لقد تحول العالم من مجتمع يعتمد في المقام الأول على الآلات الى مجتمع يعتمد على المعلومات. وقد أستمر عصر المعلوماتية بالتطور والنضوج بالشكل الذي بات جزءاً لايتجزء من عملياتنا التنظيمية لمراحل صنع القرار.
يُعَد مفهوم الذكاء الإصطناعي Artificial Intelligence - كما يطرحه مركز RAND للأمن والمخاطر العالمية- أحد المفاهيم المُرتبطة بالأساليب والوسائل المتعلقة بالفرص والتحديات التي يوفرها المنظور التحليلي لأجيال الأتمتة والتقدم العلمي في مجال الحاسوب والمعلوماتية. كما يفترض نموه مخاطر واسعة لقطاعات ستتأثر بتطوره " كالصحة والأمن والتعليم والشؤون المالية" وغيرها.
عادة ما يتم الخلط بين مفهومي الذكاء الإصطناعي والأمن السيبراني Cyber Security. فعلى الرغم من وجود علاقة وثيقة بين المصطلحين الا ان لكل منهما تعريفه الخاص. فالذكاء الإصطناعي بشكل مبسط هو " قُدرة نظام الكومبيوتر على حل المشكلات وأداء المهام بدلاً عن الإنسان". فيما يُعَرَّف الأمن السيبراني بأنه " حماية المعلومات وأمن البيانات في أجهزة وشبكات الكومبيوتر من أي تدخل كالتخريب والحذف والتغيير والإضافة -لمعلومات غير دقيقة- بواسطة إستخدام طرق ووسائل تقنية الكترونية متطورة".
إن لمفهوم الذكاء الإصطناعي فوائد ومضار جمة في قطاعات مختلفة. وقد ساهم بشكل كبير في إيجاد حلول لمهام وقضايا مُعقدة فاقت قدرة العقل البشري. الا أن هذا التطور يُشكل في الوقت ذاته تحدياً كبيراً لقضايا الأمن القومي. حيث تسعى العديد من الدول الى تطوير قدراتها في هذا المجال وتحقيق الريادة والهيمنة والتفوق وقيادة زمام الثورة الصناعية الرابعة.
نستنتج من تحليل أسس التقنيات العسكرية النووية والفضائية والسيبرانية والبيولوجية، والتطور السريع في تقنيات الحروب الحديثة المتعلقة بمفهوم الذكاء الإصطناعي - كالروبوتات المقاتلة والطائرات المسيرة بدون طيار والمعدات والترسانات العسكرية ذاتية التعلم والإستنتاج والتحليل والإستجابة لمواقف وأحداث لم يتم برمجتها أصلاً - زيادة مخاطر خروجها عن السيطرة وعملها بشكل منفرد دون أن يكون للعقل البشري اي دور او تأثير عليها، كما أنه سيزيد من وتيرة سباق التسلح على المستوى الدولي والإقليمي والرغبة في الحصول على هكذا نوع من الآلات الحربية.
في ضوء ماتقدم، لابد من تكريس جهد أكبر للإهتمام بالمستوى الإستراتيجي للأمن القومي، لاسيما فيما يخص تسخير عناصر القوة الوطنية -الدبلوماسية والمعلوماتية والإقتصادية والعسكرية- لتحقيق الأهداف الأمنية بطرق تتطلب قدراً أقل من الطاقة والجهد في إطار الموارد المتاحة، لتشخيص وتقييم المسارات التي قد تنتهجها الدول في اتخاذ قراراتها التي تتطلب فهم مركب وعميق للإتجاهات العالمية والإقليمية على المدى القريب والمتوسط والبعيد لمرحلة تمكين الذكاء الإصطناعي كعامل قوة داعم او عامل ضعف معرقل لمرتكزات الأمن القومي.
في سبيل تحقيق ذلك لابد من تطوير المواهب المحلية - لاسيما من فئة الشباب- من خلال دعم وأسناد الدراسات المتخصصة وادوات البحث والتطوير بالتعاون بين القطاعين الحكومي والخاص مع دول متطورة ومتقدمة في هذا المجال، بالشكل الذي يضمن الاستعداد التام من قبل كوادر كفوءة وموثوقة لقيادة وطنية قادرة على مواجهة تحديات وتهديدات تطور الذكاء الإصطناعي على الأمن القومي.
* باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي.
https://telegram.me/buratha