رياض البغدادي ||
حين يوصف طريق الجهاد ، بانه ( طريق ذات الشوكة ) لصعوبته ، لا يراد بذلك إضفاء الطابع التشاؤمي عليه ، بمقدار ما يراد منه توضیح الطبيعة التاريخية لمسيرته ، والمهمات الجسام التي يسعى الى تحقيقها هذا الطريق عبر العصور.
وبالتأكيد ، أن هذا التوضيح ، ليس ضروريا من زاوية كونه مطلوبا لوضع الجهاد في مجاله الواقعي فحسب ، بل هو ضروري من زاوية نفسية وتربوية للمجتمع الذي حمل على عاتقه ديمومة فريضة الجهاد وإحياءها.
ان النظرة الواقعية في وصف طريق ذات الشوكة ، بقدر ماهي مطلوبة لجعل المسار الجهادي يتجه الى أهدافه بدقة وبموضوعية واندفاع ، هي أيضا لازمة لكي لا ينحرف هذا المسار ، الى متاهات ومزالق تبعده عن حقيقته ومیدانه السليم والمؤثر.
والقيمة النفسية والتربوية هي الأخرى ، قيمة ذات دلالة عميقة على شخصية الحركات الجهادية ، ووسائل تحرکها ، أي أنها ذات قيمة مؤثرة على شخصية المجاهد ، وطرق تعامله مع الحياة ، أو مع ظروفها واوضاعها.
أن البناء النفسي المطلوب للمجاهد يجعله بالتأكيد على تماس دائم مع الثقافة الدينية ، التي تشده الى عقيدته الاسلامية ، أي أن حضور العقيدة وأحكامها ، يظل هاجسه المستمر ، ونتاج هذه الحالة لا تضمن ابناً باراً للحركة الجهادية فقط ، بل انت بالحقيقة تبني قاعدة جماهيرية مساندة لها ، بحكم الموقع الذي يتحلى به المجاهد في المجتمع الاسلامي ، سواء بين المتدينين فيه او غير المتدينين.
ولا يخفى ان البناء الأخلاقي والإيماني للمجاهد من شروطه الرئيسة ، أن يكون هناك إعداد عقائدي وسياسي وتنظيمي وتربوي له ، وهذا الإعداد لا يمكن الوصول اليه ، من دونَ التأكيد على ابراز النظرة الواقعية ، لان اية نظرة اخرى لن تكون موضوعية في حساباتها ، وهي غير دقيقة في توجهاتها ، وإغفال بيان ذلك من قبل المشرفين على الإعداد التربوي ، ستكون له تداعيات كبيرة على استمرار معنويات المجاهدين ، عندما تطول مدة المعركة.
ازاء هذه الحقيقة ، تصر الحركات الجهادية الأصيلة على القول إبتداءً ، ان طريقها ليس سهلا ، ولا قصيرا ، وهو دائماً طريق صعب وطويل ، ابتدأه الانبياء والمعصومون ، واستمر على حمل رايته العاملون من العلماء الروحانيين المجاهدين.
رب سائل يسأل :
هل مواجهة المجاهد ببيان صعوبات طريق الجهاد تناقض روح التفاؤل ؟
ان الإجابة العلمية على هذا التساؤل تستوجب في البداية الإشارة الى حقيقة - هدف الحركة الجهادية ، فمن المفروض أن الحركة الجهادية لا تخفي اهدافها ، وانما تؤكد دائما على أن جوهر جهادها ، إنما يستهدف تحقيق العدل ورفع الظلم وإعلاء كلمة الله ، بضوء عقيدة جهادية واضحة غير مختلف عليها ، وبقيادة علمائية معروفة تنطبق عليها شروط التقليد والفقاهة ، وبذلك نضمن سلامة البناء الروحي للمجاهد ، وقدرته على تفهم صعوبات طريق الجهاد ، الذي اختار سلوكه للوصول الى الاهداف الإلهية التي لا يشوبها اللبس ، وليست محلا للجدال لوضوحها.
کیف ۰۰۰۰۰۰ ؟
لناخذ تجربة الامام الخميني ، وثورته التي فجرها في مواجهة الاستبداد الشاهنشاهي في ايران ، وهي تجربة ، كان هدفها تغيير الواقع الاسلامي كلياً ، من خلال تفعيل عقيدة الجهاد الاسلامية ، أي أن الصفة المميزة لحركة الامام الخميني (رض) ، والتي اعلنها مراراً في خطبه واحاديثه ووصاياه ، تهدف الى تغيير واقع الامة الاسلامية ، والتأكيد على أن ذلك لا يتم الا بالجهاد ، وهي الفريضة التي حمل رايتها الانبياء والرسل وأوصياؤهم من بعدهم ، ومعلوم لكل مسلم ومن خلال سيرتهم عليهم السلام ، ان جهادهم لتحقيق الاهداف الإلهية لم يكن سهلاً ، وليس طريقه معبداً ، أو محصوراً بين نقطتين متقابلتين ، إنه طريق صعب فيه تضحيات كبيرة ، وفيه مصاعب كثيرة ، وهو مليء بالتحديات ، التي تريد بهذا الشكل او ذاك ، اعاقة المسيرة الجهادية عن بلوغ أهدافها المذكورة ..
ولكن .. اذا كان هذا الطريق بمثل هذا الواقع الصعب ، فهل هو طريق مسدود ؟ وهل ان سلوکه يظل نوعاً من الركض في الخيال ؟
نعلم ان الطريق المسدود ، هو ذلك الطريق الذي تؤکد معطيات التحليل العلمي والموضوعي ، أن لا مخرج فيه ، وهذا يعني أنه طريق خيالي ، وسيكون حتماً اساساً للتيه ومن ثم الضلال والعياذ بالله ، عندها لا يوصلنا الى الغاية التي نطمح الوصول اليها !!
والطريق المسدود ، او طريق الضياع ، كلاهما يكون عندما تكون المبادئ المعلنة ، مبادئ غريبة عن الواقع ، مبادئ مستوردة من الغير ، أي حين تكون العقيدة المبتغاة ، عقيدة اجنبية المنشأ ، تُستورد لأغراض التطبيق في الواقع البعيدة عنه ، والبعيد عنها .
ولكن عندما تكون العقيدة إبنة الواقع ، وحصيلة حركته الجدلية ، يكون الطريق الذي تحدده طريقاً سليماً ، لكنه لن يكون بالتأكيد غير طريق طويل وصعب ، ولكنه طريق يصل الى غايته ، فهو في ما يحدد ، من صعوبة وطول زمني لقطعه ليس بالضد من الأفق المتفائل ، وانما هو يضع الجهاد والمجاهد في اجواء ما يؤمن به اصلاً ، قبل ولوج طريق الجهاد ، فليس ثمة مسلم لا يعلم مكانة المجاهد في السماء ، وليس ثمة مسلم لا يتوق الى نيل الشهادة التي يُسترخص في سبيل نوالها كل غال ونفيس .
إذن ، فالشهادة هي بحد ذاتها غاية ، سواء طال طريق الجهاد او قصر ، وسواء وصل المجاهد الى تحقيق ما يصبو لتحقيقه او لم يصل ، فطريق ذات الشوكة لا يقف عند نقطة ، والجهاد فرض ، تمر من خلاله السبل كلها التي توصل العبد الى ربه ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ، فالمجاهد يستند إلى الموضوعية المطلوبة في مثل هذا الوضع ، والتي تعني مع تفاؤله بالمستقبل وامتلاكه له ، وضوح المخاطر والمصاعب التي تجابهه ، في حركته التاريخية والتحديات التي تعترضها.
فما الذي نريده من خلال ذلك ؟ او ماهي النقطة المركزية المطلوبة حيال هذا التوضيح لواقع العمل الجهادي ومشقة السير فيه ؟
ان ما نريد تحقيقه ، مع كل الشروط اللازمة في هذا الميدان ، سواء على الصعيد التنظيمي ، او السياسي ، او الفكري ، هو ان يكون الصبر ميزة اساسية في شخصية المجاهد ، والمجتمع الذي يشكل حاضنته ، يقول الامام علي (ع) " اسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ " ، فالصبر لا يشكل الخاصية الجوهرية المطلوبة للثبات حسب ، بل هو ايضا مصدر إتعاب وارهاق للعدو ومن يدور في محوره ..
والصبر كما هو معروف ، ليس قسراً للنفوس ، او إکراها لها على تعوّد مالا تطيقه ، وانما هو تربية ، تقتنع بصحة أمر يستوجب منها التضحية ، والجَلَد على تحمل اعباء ذلك بكل رغبة وشعور مخلص .
هذه الحقيقة ، وهي تحتل سمة مركزية مطلوبة للعمل الجهادي ، تأخذ قيمة كبرى ، من خلال الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها جبهة المقاومة ، أو التي تمر بها الشعوب ، وبالتأكيد فإن ظروف الحرب بالنسبة الى الشعوب هي اکثر اوضاع حياتها الاستثنائية ، وأدق المراحل التاريخية التي تمر بها .
و ازاء وضوح هذه الحقيقة ، مالذي يترتب علينا كمجاهدين في صفوف جبهة المقاومة ، او کمواطنين من ابناء الشعب المحتضن لها ، والجبهة اليوم في مواجهة امريكا ومحور الصهيونية ومن يتحالف معها من الانظمة العربية ؟
للاجابة على ذلك نشير الى :
اولا - ان الحرب هي من ادق المراحل في حياة الشعوب .
ثانياً - إن الحرب اساسا هي ، صراع ارادتين متضادتين ، لم تستطع الجهود السلمية أو الدبلوماسية الوصول الى حل مشاكلهما المعلقة او المختلف عليها.
ثالثا - ان عامل الوقت مهم في حجم التضحيات ، أي أن للحرب الطويلة سيكون هناك تضحيات اكثر ، لذلك فمطلوب منا نَفَس اطول ، لا يجزع من كل ما ينشأ عنها من اوضاع او احتمالات.
رابعا - إن الشجاعة والمعنويات العالية تترادف مع الثبات المستمر على العقيدة ،وبذلك سنحقق ثباتاً حسينياً لا يأبه بالتضحيات مهما كانت غالية ، في قبالة الطموح لنيل الشهادة او النصر.
خامسا ۔ ان الحرب الساعية الى تحقيق العدل والمثل الإلهية ، لا تكون حرب فئة او طبقة او حزب ، وانما هي حرب الامة باكملها.
ان هذه الأمور توضح بالنتيجة ، الجواب على التساؤل السابق ، أي ما هو المطلوب منا كمجاهدين وكمجتع اسلامي ؟
بايجاز ان معركتنا تتطلب الصبر .. وذلك لانه اساس مهم للنصر ، وليس لانه عامل يزيد من الأثر الإيجابي للعامل النفسي حسب ، بل لانه ايضا يرهق اعصاب العدو ، ويربك أوضاعه ، ويدفعه بمقدار قوته والنصر المتحقق ، الى اليأس والجزع .
فالصبر بذلك مع غيره ، يدخل كعنصر مهم في المعنويات التي هي ضرورية ، ومطلوبة في الحسابات العسكرية والسياسية ، لاحراز النصر على العدو .
ومن دروس حربنا في مواجهة المحور الامريكي - الصهيوني ، تؤكد كل الدلائل ، أن الامة تتسلح ، مع الايمان وعدالة القضية التي تقاتل من اجلها ، بالصبر الذي لا يجعلها تتردد بالتضحية بكل غال ، وتتحمل كل شيء مقابل احراز النصر الكامل والمحافظة على روحيته ، كحافز دائم للسير الى امام.
لقد اظهر المجتمع الاسلامي الذي يشكل الحاضنة لجبهة المقاومة عن استعدادٍ ، ومعنوياتٍ ، و صبرٍ ، كان حافزاً لمزيد من الثبات ، الذي يتميز به مجاهدو جبهة المقاومة ، بل ومزيد من الاصرار على تحمل أعباء الحرب وظروفها .
ان الحرب التي تقودها أمريكا والصهيونية العالمية اليوم على الامة الاسلامية وعلى جبهات متعددة ، هي في الواقع ، تطور في صيغ المواجهة المعدة لضرب الاسلام المحمدي الاصيل ، والقضاء على اشعاعه ومسيرته ، فالحرب بهذا الفهم ، لا يشكل اختيار دخولها وقاية مشروعة ، وتجسيدا للايمان الصميم بمنهجية الاسلام فقط ، وانما يشكل منطلقاً للوصول إلى كل حقوق الامة ، التي ظلت الغطرسة الامريكية - الصهيونية تغتصبها وتعمل على هضمها .
هذه الحرب بذلك ، تجعل الامة ، بمستوى مسؤولياتها التاريخية ودورها الريادي ، وتضعها في صلب المسيرة الإلهية التي بَعثَ الله لأجلها الانبياء ، فالاسلام المحمدي الاصيل ، وبحكم القدر التاريخي الذي يتحمله أتباعه ، أصبح الامل الوحيد لتحقيق دولة التمهيد المنتظرة ، لملء الارض عدلا بعد ان ملأها الشيطان واتباعه ظلما وجورا.
ان الصبر الذي نؤكد على ضرورة التحلي به ، سوف لايجعل رصيد المواجهة ، مزيداً من الانتصاراتِ فحسب ، بل يظل واحداً من المؤشرات الكبيرة التي ستخيف اعداء الأمة ، لان في هذا الصبر تكمن نفسية جديدة ، لانسانٍ جديد ، لطالما خططت الصهيونية ، أن تجعل منه مواطناً يجزع من المواجهة ، ويتبرم من اجواء القتال ، وکرست كل جهودها بما يشيع من القنوط واليأس في النفوس من جدوى ذلك ، ولهذا فإن الصبر الذي يبديه مجاهدو جبهة المقاومة على جبهات الصراع ، في اليمن وفلسطين والعراق ولبنان والبحرين وغيرها من الجبهات غير المعلنة ، سيحرق اكداس الزيف التي أثارها الاعراب ، عن فوائد الاستسلام ، لان مروجي ذلك ، يحاولون ان يظهروا ان لاجدوى في النصر على محور امريكا والصهيونية ، ولا فائدة في الجهاد الذي تحمل رايته جبهة المقاومة في كل ساحات المواجهة ...
«يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»
https://telegram.me/buratha