دراسات

الأمن الجيوستراتيجي


 

د. سيف الدين زمان الدراجي ||

 

إذا كان الحق للقوة فمن الحكمة أن لا تكون ضعيفاً "... جورج هيغل

 

تتجه الدول نحو وضع رؤية مستقبلية لأمنها القومي توضح فيها أهدافها و أنماط مسارح عملياتها الرئيسية بما ينسجم والاستخدام الأمثل لعناصر قوتها الوطنية; الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والمعلوماتية. وفي سبيل تحقيق ذلك لابد من فهم خصائص الفضاء المادي للدولة والتي كانت حتى وقت قريب ترتبط ارتباطاً وثيقا بالبعد الجيوعسكري من حيث وضع الاستراتيجيات اللازمة والتهيئة للدفاع او التصدي لأي عمل عسكري معادي، والسعي نحو تطوير التكتيكات وفقاً لطبيعة البلد الجغرافية. الا أن هذا الفهم قد توسع فيما بعد ليشمل أبعاداً أخرى للدولة كالبعد الجيوإقتصادي والجيودبلوماسي والجيوتكنولوجي والجيومعلوماتي وغيرها.

يتناول هذا المقال التركيز على دور الأمن الجيوستراتيجي في دعم عناصر القوة الوطنية للدولة وتعزيز مكانتها الدولية والاقليمية. وهو ما يستلزم في المقام الاول فهم بعض المصطلحات التي تدور ضمن فضاء الدولة المادي وأُسس قيامها " ككيان سياسي ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد، يمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة".

الجغرافيا السياسية "Political Geography هي دراسة تطبيق القوة على مساحة معينة، حيث تُعنى بكيان " الدولة " القائم فعلاً، وتنظيمها السياسي، من حيث سكانها وأرضها ودستورها وحدودها ومواردها وسيادتها.

·الجيوبولتيك او الجـــــــــيو سياسية "Geopolitics والتي تُعرف بمعناها البسيط بأنها "علم سياسة الأرض"، المُختص بدراسة السلوك السياسي في تغيير الأبعاد الجغرافية للدولة، من حيث تأثير خصائصها الجغرافية - برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها- على السـياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من المميزات وتقييم المخاطر والتحديات". في ضوء ما تقدم فإن الجغرافيا السياسية تدرس الإمكانات الجغرافية المتاحة للدولة في الوقت الحاضر وهي صورة ثابتة ، بينما يُعنى الجيوبولتيك بالبحث عن الاحتياجات التي تتطلبها هذه الدولة لتنمو. حتى لو كان ذلك وراء الحدود. فهي صورة متطورة ومتحركة، ترسم حالة الدولة وما يجب عليها إستثماره أو مواجهته في سبيل تحقيق أهدافها التنموية ومصالحها العليا في المستقبل.

·        منظور مستقبلي

من هنا ظهرت الحاجة الى دراسة أهمية الأمن الجيوستراتيجي وفق منظور مستقبلي تسعى من خلاله الدول الى تكريس أهدافها المستقبلية وضمان أمنها وأستقرارها ورفاهية شعوبها.

تهتم ستراتيجية Geostrategy - المؤلفة من مقطعين هما " Geo وتعني الأرض وStrategy بمعنى الأستراتيجية - بدراسة الموقع الإستراتيجي للدولة.

 ويُعرف الأمن الجيوستراتيجي بأنه " أحد متبنيات السياسة الخارجية الموجهة بشكل أساسي بحسب العوامل الجيوستراتيجية التي تهتم بأثر المكان في طبيعة جمع ومعالجة وتحليل المعلومات وتقدير المواقف وتحديد المعوقات التي تحول دون فهم أوسع لإسناد عناصر القوة الوطنية - الدبلوماسية والأقتصادية والعسكرية والمعلوماتية- وتعزيز مرتكزات الأمن القومي".

علاوة على ذلك، فأنه من الضروري، التركيز على أهمية فهم الأطار العام لأمن الدولة الجيوستراتيجي وإنعكاساته على سياستها الخارجية ومدى تأثرها من "ناحية موقعها" بالصراعات الدولية التي تدور بجوارها ضمن نطاق محيطها الإقليمي، بقصد الوصول إلى استشراف مستقبلها ضمن المنظومة الدولية، فضلاً عن مكانتها وأهميتها ودورها في منظور القوى الفاعلة على المستويين الدولي والإقليمي.

تظهر أهمية مفهوم الأمن الجيوستراتيجي عند النظر إلى انتقادات الباحثين في الشؤون الدولية، من حيث الموقع وشكل العلاقات التجارية و التحالفات العسكرية واثر ذلك على طبيعة التمايز والامتزاج الثقافي وفهم وتحليل طبيعة وجذور التنافس - بمفهومه السلبي والإيجابي- والنزاعات والصراعات والمشكلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والمعلوماتية ذات الصفة الدولية.

تحرص الدول على وضع الاستراتيجيات ورسم السياسات اللازمة لمواجهة طموحات الدول الأخرى التوسعية، فضلاً عن مطامع الجماعات الارهابية " كفواعل غير دولية " قد تكون لها امتدادات داعمة ضمن شبكات منظمة داخل دول تهدف إلى تقويض الأنظمة السياسية أو زعزعة الأمن والاستقرار في دول أخرى أو منطقة ما، باستخدام "وسائل تخريبية"  قد تؤدي الى تأجيج بؤر التوتر وزيادة حدة الصراع المحموم وسباق التسلح العسكري وما يتبع ذلك من تداعيات تهدد السلم والامن الدوليين.

هناك علاقة وثيقة بين مستقبل الدول وما تضعه مؤسساتها المعنية من استراتيجيات تقتضي التركيز على أربع محاور رئيسية وهي:

·        حماية مصالحها داخل وخارج حدودها.

·        تعزيز ازدهار شعوبها وإستشراف الفرص المستقبلية.

·        ضمان الأمن والاستقرار.

توسيع دائرة نفوذها الدولي والإقليمي بشرط أدراك التحولات الدولية وطبيعة النظام العالمي.

لقد تباينت وسائل المواجهة المباشرة وغير المباشرة - والوسائط الإلكترونية للرصد والكشف والاستطلاع واستثمار التطور العالمي، في ما يخص مفاهيم القوة الناعمة Soft Power والصلبة Hard والذكية Smart والحادة Sharp

المتمثلة في استراتيجيات العمل الدبلوماسي والعلاقات الاقتصادية واستراتيجيات الحروب الشاملة والعمليات النفسية والإعلامية وحروب التجسس والتشويش والحروب الإلكترونية بالإضافة إلى استراتيجيات الإقناع والرضا والإخضاع وفرض إلارادات - بين الدول في إطار نظام عالمي يشهد حالة من اللااستقرار النسبي والصراع بين قوى مهيمنة وأخرى ناشئة تسعى كل منها إلى تعزيز دورها في المجتمع الدولي والإقليمي وتوسيع مناطق نفوذها ومواقع تأثيرها لتوفير الموارد اللازمة لخدمة مصالحها وضمان أمنها القومي في أوقات السلم والحرب.

·        مشاكل جيو سياسية

تعاني بعض دول الشرق الأوسط من مشاكل جيوسياسية تتمثل بفقدان القواعد المشتركة بين المكونات الديموغرافية والإشكاليات السياسية القومية والانقسامات المذهبية والعقائدية بالاضافة الى سياسات الإقصاء والتهميش وعدم القبول بالرأي الآخر، فضلاً عن استحضار الخلافات التاريخية التي تولد أزمات وعواقب خطيرة تدفع نحو مواجهات مباشرة عُدت مدخلاً ومسوغًا لتدخل دولي في المنطقة لأقطاب دولية متباعدة ومتنافرة.

الامر الذي يتطلب السعي لتحقيق توازن أمني جيوستراتيجي بين الخصوم، والحيلولة دون تنامي حدة النزاعات وازدياد حالة التوتر التي قد تدخل المنطقة في إتون صراعات أقرب ماتكون لحرب باردة بين معسكرين ستعود ارتداداتها وعواقبها بنتائج وخيمة على دول المنطقة دون استثناء " فضلاً عن مصالح الدول الأقطاب ".

لذا فمن الضروري العمل على إطلاق مبادرات جادة و تكثيف الجهود الحثيثة لنزع فتيل الأزمة والحيلولة دون تحولها الى حرب شاملة ومواجهة مباشرة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك