رياض البغدادي ||
في كل قضية ،هناك تفاصيل لابد من إدراكها ،لتتم ملامح الصورة المراد إظهارها للآخرين ..
وقد يكون إخفاء تلك التفاصيل مهماً لراسم اللوحة ،لكي لا تكون سبباً في إدراك سلبيات اللوحة ،او على الأقل ضمان تمرير الرسمة ،وتحصيل المنافع المرجوة منها ...
من هنا ،أود الحديث عن قضية لطالما شغلت الكثير من العراقيين وغيرهم ،وربما تسببت في إنحراف الكثير منهم عن خط المرجعية المباركة ،او أثارت شكوكهم على الأقل ...
الموضوع هو التساؤلات التي تُثار بين الفينة والأخرى ،عن سبب عدم تصدر المرجعية ،للقضايا العامة للمسلمين في الدول الاخرى غير العراق ،كاليمن والمذابح التي ترتكبها قوى الشر بحق الشعب اليمني المظلوم ،او ما يعانيه شعب البحرين من ظلم واستبداد ،من حكومة جائرة حرمته أبسط حقوقه ،أو شعب ليبيا الذي تكالبت عليه الامم ،لنهب خيراته وسلبه الشخصية الاسلامية التي يحملها هذا الشعب المظلوم ،وشعوب اخرى كثيرة لا تقل مظالمها عما ذكرته ...
ومن اجل ان لا نبخس حق المرجعية ،ودورها في نصرة الشعوب ،والوقوف مع قضاياها في التحرر ،لابد من بيان بعض النقاط المهمة التي لابد من مراعاتها ،لنكون منصفين في توجيه اتهاماتنا ومن ثم احكامنا ...وقبل ذلك ،درسنا في علم الفيزياء ،ان كل حركة لابد من عاملين لإجرائها ، العامل الاول ،هو القوة الواجب توفرها لنقل الحركة من الصفر الى الواحد والاثنين .. ،والعامل الثاني هو توفير عوامل ضمان استمرار تلك الحركة ،وعدم توقفها الى حين الوصول الى الهدف ..
من هنا ،يجب ان نكوّن الفكرة التي على اساسها ،نحصل على الجواب المناسب ،لمقدار ما تم تحمله من المسؤولية ،لكل قطب من أقطاب المجتمع ،المرجعية وغيرها ،ومقدار تفاعله مع القضايا العامة ..
وبهذا نكون قد وضعنا مقياساً ضرورياً ،لما نصدره من أحكام على هذا القطب الاجتماعي أو ذاك ..
الآن نسأل سؤالًا ضروريا للوصول الى الهدف المرجو ،والذي ذكرته آنفاً :
ماهي العوامل اللازم توفرها للمرجع ،ليكون تحركه فاعلاً في قضايا مهمة تمس حياة الناس ،في دول تبعد عن دائرة تأثيره آلاف الكيلومترات ؟
ففي حالة اليمن مثلا ،ماذا يستطيع ان يفعله المرجع الساكن في النجف ،لأنقاذ الشعب اليمني من معاناته ورفع ظلامته ؟
هل لديه وزارة خارجية ،فيها الخبراء والمراكز والمعاهد والموظفين اللازمين لتفعيل قضية سياسية ،تشترك فيها اكثر من ٢٠ دولة ،من ضمنهم دول تُعد عظمى بالمقاييس السياسية ؟
هل لديه وزارة اقتصاد ،قادرة على وضع شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية والاستثمارات الضرورية ،لترضية الدول المؤثرة في القضية اليمنية ؟
هل لديه وزارة دفاع ،ورئاسة اركان جيش ،وقدرات تسليحية كافية لرسم معادلة عسكرية ضرورية توقف ،او تعرقل ،الإستراتيجيات التي وضعتها الدولة الظالمة للشعب اليمني ؟
بالتأكيد ان الإجابة على هذه التساؤلات ليس بالأمر الصعب على القارئ الكريم ...
الآن ...
ماذا نريد من المرجعية أن تفعله ،في هذه القضية الاقليمية ،التي لا تملك المرجعية وسائل ولا عوامل التأثير فيها ؟
هل نكتفي إذا قامت المرجعية بإصدار بيان مساندة ،نتناقله على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ،لنكون انا وانت راضين ،وننام نوماً هانئاً ،ويبقى الشعب اليمني يعاني الأمرين ؟
سمعت جدي قبل اربعين عاماً يقول باللهجة العراقية ( مد رجلك على گد اغطاك) وتعني مد رجلك على قدر طول دثارك ، ربما هذا المثل يعطي صورة واضحة ، خاصة وإن المرجعية من أهم ميزاتها إنها تحمل حكمة ،ولديها خزين هائل من تجارب مرجعيات سابقة ،امتدت في عمق التأريخ لمئات السنين ،التي حصل فيها الكثير من القضايا المشابهة لقضايانا ،التي تعيشها شعوبنا اليوم .
ربّ معترض يواجهنا بحالات كان فيها دور المرجع حاسماً ،في إنقاذ شعوب ودول ورفع الحيف والظلم عنها ،بل هناك تجارب للمرجعية تحررت فيها شعوب من إحتلال دول عظمى ،فما عدا مما بدا؟
نقول وبكل ثقة ،فعلا ان المرجعيات كان دورها حاسماً في قضايا كثيرة ،ليس أولها ثورة التنباك في إيران ،ولا آخرها فتوى الجهاد الكفائي ،في تفكيك المخطط الدولي لتدمير العراق ،بواسطة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) .
نعم ... لا ننكر ولا نسعى لحجب ضوء الشمس بغربال ،فنجاح المرجعية المباركة ،لايحتاج دليلا لتأكيده ،لكن لابد من دراسة عوامل نجاح كل تجربة ،لكي لا نقع في خطأ خلط الأوراق ،وترتيب الأولويات فتختلط علينا النتائج والاسباب ...
قلنا آنفا أن المرجعية لا تملك وزارة خارجية ولا وزارة دفاع وغيرها من عوامل التأثير في قضايا قد أخذت الشعوب فيها دورها في المواجهة ولا تحتاج إلا المساعدة على إتمام تحركها وتوفير ماتحتاجه للوصول الى أهدافها ،وهذا لا ينطبق على حال فتوى الجهاد الكفائي في مواجهة داعش ،ففي حال الحشد الشعبي الذي دعت اليه المرجعية ،كان الشعب فيها في حيرة ويحتاج لأمر شرعي ينظم حركته ،فجاءت الفتوى لتعطي للشعب العراقي الامر بالتحرك ،وتوقف عامل تدخل المرجعية المباركة عند هذا المقدار،لتفسح المجال للدولة والدول الاخرى الصديقة ،لمد هذا الجيش العقائدي بلوازم نجاح تحركه ،فالمرجعية ليس لها القدرة على تزويد الحشد بالسلاح ولا بالمال ،وليس لها الإمكانات اللازمة لتوفير السيارات لنقل حشود المتطوعين ،ولا المعسكرات لتدريبه ..
ومن هذا نعلم ان المرجعية قوتها تكمن في قدرتها على تحريك الشعوب ،وإعطائها المبرر الشرعي الذي يضمن سلامة تكليفها ،لمواجهة التحديات ،ووضعها امام مسؤولياتها الشرعية ،وهذا هو العامل الحاسم في أي مواجهة ...
ترى ؟!!
هل يتوقف الأمر عند هذا الحد ؟ أو لنصيغ السؤال بطريقة أخرى – هل لدينا ما يمكن أن نسد به الفراغ ،الذي لا تملك المرجعية عوامل سده ؟
أقول وبملء الفم .. نعم لدينا ..
لدينا دولة قد سخرت كل إمكاناتها لنصرة الشعوب ، التي حركتها فتاوى المرجعية لنيل حقوقها ،وهي الجمهورية الاسلامية الايرانية ،هذه الدولة التي لديها القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية ،والامتدادات الاقليمية والدولية اللازمة ،لتوفير عوامل حسم كل تحرك ،فالسلاح والتدريب والتجهيز الذي وفرته الجمهورية الاسلامية الايرانية ،لإنجاح مشروع المرجعية في بناء الحشد الشعبي ،كان العامل الحاسم للانتصار الكبير الذي تحقق ،والامكانات الكبيرة التي تقدمها دولة - الولي الفقيه - للشعب اللبناني من أجل تنفيذ فتوى المرجعية ،القاضي بوجوب مواجهة الكيان الصهيوني ،هو العامل الذي يفتخر به الشعب اللبناني ،والذي مكنهم من هزيمة الكيان الصهيوني في حرب العام 2006 وما بعدها ،دولة الولي الفقية تحملت مسؤوليتها الشرعية والاخلاقية في مد يد العون للشعب الفلسطيني ،وجهزته بالمال والسلاح والتدريب والمساندة السياسية في المحافل الدولية ،وكل ما يحتاجه من أجل إدامة زخم المعركة والجهاد في مواجهة الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين الحبيبة ...
ومن هذا كله نخلص الى نتيجة لا يمكن إغفالها ،والا فوقوعنا في الخطأ سيكون الاقرب في كل ما نقرره ،وما نفكر به .. يجب علينا أن لا نحمل المرجعية مسؤوليات هي بالحقيقة تقع على عاتق الولي الفقيه الذي يملك إمكانات دولة مهمة في بقعة من أهم البقاع في العالم ،دولة لديها نفط وجيش وسلاح ومال وأرض شاسعة مترامية الاطراف تحاذي أكثر من عشرة دول من أهم الدول في المنطقة وتشرف على مضيق يمر منه ثلثا الانتاج العالمي للطاقة ...
ترى ؟
هل من الحكمة والعقل تجاهل كل هذه القوة التي تمثل الظهير الموثوق ،لكل الشعوب الساعية للتحرر والنجاح ... ؟ وهل يملك ذرة إحساس بالمسؤولية من يسعى الى إضعاف مصدر القوة الذي نملكه ؟ وهل من الدين بشيء من يعمل على اثارة النعرات الطائفية والقومية ضد الجمهورية الاسلامية في إيران ؟
قال الامام علي عليه السلام " حسب المرء من عقله إنصافه من نفسه ومن إنصافه قبوله الحق إذا بان له".فانصفوا يرحمكم الله.
ـــــ
https://telegram.me/buratha