دراسات

الاستبداد (٢)


 

محمد عبد الجبار الشبوط||

 

يقع بعض الناس في خطأ كبير حين يتحدثون عن "المستبد المصلح"، وسبب هذا الخطأ يكمن في عدم وعيهم بان الاستبداد هو فساد بحد ذاته. فبعد ان عرفنا مركز الانسان في الكون، يكون كل انحراف عن هذا المركز، او اغتصاب له، او تضييق عليه، فسادا بالتعريف. فالحاكم المستبد فاسد من حيث استبداده، والنظام الدكتاتوري فاسد من حيث استبداده.

الحرية صفة وجودية ملازمة للانسان. فالانسان حر بطبيعته وفطرته. يولد الناس احرارا. وهكذا خلقهم الله. وهذه هي فطرتهم. ولست اتفق مع زكريا ابراهيم في رفضه القول بان "الحرية هي منحة قد جادت بها علينا الطبيعة"، او الله، ليقول "ولكنها في الحقيقة كسب لابد لنا ان نعمل من على احرازه"، في كتابه "مشكلة الحرية" (١٩٥٧) وتابعه في ذلك سليم ناصر بركات في كتابه "مفهوم الحرية" (١٩٨٤). نعم يصح هذا القول اذا مقصوده وجوب العمل على الحصول على الحرية اذا حصلت مصادرتها لاي سبب من الاسباب فيكون من الواجب النضال من اجل استعادة الحرية.

 لكني في المقابل اتفق مع ما قاله السيد محمد حسين الطباطبائي في "تفسير الميزان" ( الجزء١٠ ص ٣٧٠ ) من ان "الانسان بحسب الخلقة موجود ذو شعور وارادة له يختار لنفسه ما يشاء من الفعل"، وهذا ما اطلق عليه الطباطبائي اسم "الحرية التكوينية".

العبودية التي يفرضها الاستبداد، الحالة المناقضة للحرية، انحراف عن الطبيعة البشرية الفطرية. واذا كان بعض المفكرين والفلاسفة، مثل ارسطو،  لم ينتبهوا الى ذلك فهذه مشكلتهم. وهذا نقص فيهم انهم لم يستطيعوا في زمنهم التوصل الى هذه الحقيقة. ولكن حين يقول عمر بن الخطاب:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟"، فهذه ميزة له، كونه اكتشف هذه الحقيقة في زمانه، متقدما بذلك على ارسطو الموصوف بانه "المعلم الاول"!

واذا كان الشيخ النائيني والكواكبي تحدثا عن نوعين من الاستبداد هما الاستبداد السياسي والاستبداد الديني، فان هناك انواعا اخرى من الاستبداد مثل الاستبداد الفكري والاستبداد الاقتصادي والاستبداد العائلي والاستبداد الاجتماعي. وكلها مظاهر للخلل في المركب الحضاري للمجتمع.

واذا كان الكاتب المصري احمد عباس صالح كتب في مجلة "الكاتب" ان "الحرية شرط التقدم" فان الاستبداد يمنع التقدم. نعم يستطيع الحاكم المستبد، مثل ستالين، ان يحكم بطريقة تحقق تقدما منظورا في بعض المجالات، كما حصل في الاتحاد السوفييتي السابق، الا ان هذا التقدم منخور من الداخل بالاستبداد نفسه، وما هي الا سنوات لينهار البناء الذي شيده الاستبداد. ولهذا نقول ان الاستبداد من اسباب انهيار الحضارات والدول وتفتت المجتمعات والامم. والمجتمعات تزدهر في اجواء الحرية الفكرية والسياسية والاقتصادية وتذبل في اجواء الاستبداد والكبت والظلم. واي حاكم يقوم بالتضييق على هذه الحرية وسحقها ومصادرتها والتصرف بالضد منها هو حاكم فاسد، ولا يمكن ان يكون صالحا او مصلحا.

الاستبداد هو الفساد بحد ذاته و توجد رابطة عضوية او الية بينه وبين اشكال الفساد الاخرى، لان الاستبداد يمكن المستبد من التصرف بلا رقيب وحسيب، ولذلك قيل ان السلطة مفسدة، وانها تفسد بقدرها. فكلما كانت السلطة واسعة  ومركزة بيد شخص واحد او مجموعة أشخاص وغير خاضعة للمساءلة والحساب، كانت قدرة الماسكين بها، فردا او مجموعة، على الفساد والافساد كبيرة. ولهذا عُرّف الفساد بانه اساءة استخدام السلطة، وهذا ما عنيناه بوجود رابطة الية او عضوية بين الاستبداد والفساد. ولنا ان نتذكر حجم الضرر والفساد الذي احدثه كل من هتلر وصدام لبلديهما وللعالم بسبب امتلاكهما سلطة مطلقة مستبدة.

يتبع

ـــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك