علاء الطائي||
* أن الديمقراطية السياسية بما تكفله للفرد والمجتمع من حريات أساسية.. ومن قدرة على اختيار حكامه ومحاسبتهم عند الاقتضاء هو المدخل الطبيعى لكل إصلاح اقتصادى واجتماعى, ومن ثم فإن التقدم والارتقاء رهين بمنظومة أمنية صحيحة.. تفرض سيادة الأمة وتؤكد قدرتها على التحكم فى مصيرها وصياغة حاضرها ومستقبلها فى عالم متفتح تتسارع متغيراته وتتعاظم تحدياته*
ماهو الأمن؟
تقوم المجتمعات على الأمن واستتبابه في كل انحاء العالم، الا انه على الرغم من أهميته القصوى ، لم يشع استخدامه في العلوم السياسية الا حديثا.
وقد أدى ذلك إلى غموضه، ومن هنا يرى بعض الاستراتيجيين ان مصطلح الامن ليس من افضل المصطلحات استخداما في التعبير عن الأمن الوطني للدولة المعاصرة لانه كمفهوم لم يتبلور كليا.
اما نحن، فنحاول ان نجمع اكبر عدد ممكن من اشكال الامن في المجتمع للاحاطة به.
يعود استخدام مصطلح "الأمن" إلى نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حيث ظهر تيار من الأدبيات يبحث في كيفية تحقيق الأمن وتلافي الحرب، وكان من نتائجه بروز نظريات الردع والتوازن، ثم أنشئ مجلس الأمن القومي الأمريكي عام 1974م، ومنذ ذلك التاريخ انتشر استخدام مفهوم "الأمن" بمستوياته المختلفة طبقًا لطبيعة الظروف المحلية والإقليمية والدولية.
بدأ الفكر السياسي العربي في الاهتمام بصياغة محددة ومفهوم متعارف عليه في منتصف السبعينيات، وتعددت اجتهادات المفكرين العرب من خلال الأبحاث والدراسات والمؤلفات سواء في المعاهد العلمية المتخصصة، أو في مراكز الدراسات السياسية، والتي تحاول تعريف ذلك الأمن، ولعل من المهم أن نشير إلى أن ميثاق جامعة الدول العربية، والذي وضع عام 1944م، وأنشأت الجامعة على أساسه في مارس عام 1945م، لم يذكر مصطلح "الأمن"، وإن كان قد تحدث في المادة السادسة منه عن مسألة "الضمان الجماعي" ضد أي عدوان يقع على أية دولة عضوة في الجامعة، سواء من دولة خارجية أو دولة داخل الجامعة . كما أن معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والموقعة عام 1950م، قد أشارت إلى التعاون في مجال الدفاع، ولكنها لم تشر إلى "الأمن"، ونصَّت المادة الثانية منها على ما أطلق عليه "الضمان الجماعي"، والذي حثَّ الدول الأعضاء على ضرورة توحيد الخطط والمساعي المشتركة في حالة الخطر الداهم كالحرب مثلاً، وشكَّلت لذلك مجلس الدفاع العربي المشترك، والذي يتكون من وزراء الدفاع والخارجية العرب.
كما أُنشئت اللجنة العسكرية الدائمة، والتي تتكون من رؤساء أركان الجيوش العربية، هذا ولم تبدأ الجامعة العربية في مناقشة موضوع "الأمن القومي العربي" إلا في دورة سبتمبر 1992م، واتخذت بشأنه قرار تكليف الأمانة العامة بإعداد دراسة شاملة عن الأمن القومي العربي خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر تعرض بعدها على مجلس الجامعة.
وقد تم إعداد ورقة عمل حول مفهوم الأمن "القومي العربي"؛ لمناقشتها في مجلس الجامعة العربية، وحددت الورقة ذلك المفهوم بأنه..
".. قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، و الإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي تؤثر على الأمن القومي العربي."
ويمكن القول: إن الفكر السياسي العربي لم ينتهِ بعد إلى صياغة محددة لمفهوم "الأمن القومي العربي" يواكب تحولات المناخ الإقليمي والدولي و توازناته وانعكاسها على تصور وأبعاد هذا الأمن، وإن هذا الموضوع ما زال مطروحاً للتحليل ومفتوحاً للمناقشة رغم كل ما كتب عنه.
انواع الامن في المجتمع:
الأمن النفسي، والذي يشير إلى تحرر عضو المجتمع السوي جسديا وعقليا من الشعور بالخوف والقلق والتوتر، لثبات واستقرار ظروفه الحياتية في الدولة وإشباع حاجاته الروحية الفسيولوجية الأساسية. والأمن النفسي يرفع معنويات الإنسان، ويعزز ثقته بنفسه، ويتجسد ذلك كله في مظاهر السلوك العام والانضباط الذاتي والتكيف الشخصي الاجتماعي. في حين أن عجز الإنسان عن إشباع احتياجاته الروحية أو الجسدية أو أي جزء منها قد يتسبب في حدوث قلق وتوتر، وبالتالي احتمال انحرافه عن الصواب وتورطه في السلوكيات المنحرفة.
الأمن الاجتماعي والذي يعتبر هدفاً مشتركاً لكل المؤسسات الاجتماعية التقليدية: كالأسرة والمسجد والمدرسة أو المؤسسات العصرية كوسائل الإعلام والنوادي الرياضية والأجهزة الأمنية ووزارات الدولة المعنية. وهو هدف يتمثل بشكل عام في بناء الشخصية الصالحة المتزنة وتنشئة أفراد المجتمع على القيم الوطنية المتمثلة بالانتماء الديني العميق والولاء السياسي واحترام حقوق الغير والقيام بالواجبات المطلوبة تجاه المجتمع والوطن.
وترتفع معدلات الأمن الاجتماعي عندما تقل صور الفساد الاجتماعي والمنكرات والانحرافات المختلفة سواء كانت في السلوك أو الأخلاق أو الأفكار أو في المعاملات. ولن ينعم المجتمع بالأمن الوطني وفق مفهومه الشامل في ظل نسيج وبناء اجتماعي ضعيف.
الأمن الفكري وهو جزء من منظومة الأمن العام في المجتمع، بل هو ركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار الوطني، ويأتي الأمن الفكري على رأس قائمة الأولويات الأمنية لأهميته وحساسيته البالغة من مخاطبته للعقل وعلاقته بجوانب الأمن الأخرى. ويعرف الباحثون في العلوم الأمنية الأمن الفكري بأنه: سلامة فكر الإنسان وعقله وفهمه من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه للأمور الدينية والسياسية وتصوره للكون. ويراه البعض بأنه حماية عقل الإنسان وفكره ورأيه في إطار الثوابت الأساسية والمقاصد والحقوق المشروعة المنبثقة من الإسلام عقيدة وشريعة وحياة.
الأمن الإنساني. وقد برز ذلك من خلال تقرير التنمية البشرية للعام 1994 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إذ تناول التقرير في الفصل الثاني الأبعاد الجديدة للأمن الإنساني. ويتركز مفهوم الأمن الإنساني بالأساس على صون الكرامة البشرية وكرامة الإنسان وكذلك تلبية احتياجاته المعنوية والمادية ويتحقق الأمن الإنساني من خلال التنمية الاقتصادية المستدامة والحكم الرشيد، والمساواة الاجتماعية، وسيادة القانون، وانعدام التهديد والخوف بأشكاله المختلفة. والواقع أن مفهوم الأمن الإنساني مازال قيد التطوير ولا يوجد أي تعريف شامل له متفق عليه. إلا أن المفهوم بات اليوم يقيم ارتباطا قويا بين الأمن الفردي (أمن المواطن) والأمن الشامل (أمن الدولة)
وإذا كان يقصد بالمفهوم التقليدي للأمن: حماية المجتمع من الذين يرتكبون الجرائم المعروفة من قتل وتخريب وسرقة وغيرها. وهو لاشك دور هام للمحافظة على أمن المجتمع واستقراره. إلا انه ظهر في الآونة الأخيرة مفهوم آخر للأمن وهو مفهوم الأمن الشامل، وهو مفهوم أشمل وأوسع من إطار المفهوم الضيق للأمن التقليدي، وأصبح هذا المفهوم الجديد يحيط بالجوانب الحياتية كلها، ويتجاوز المواجهة المادية للمخاطر إلى كل ما يحقق الطمأنينة والأمن النفسي والمحافظة على الإنسان من مهده إلى لحده.
وتحقيق الأمن الشامل لا يأتي عبر الجهاز الأمني فقط، بل يجب ان تتظافر جهود الأجهزة الحكومية والأهلية في دعم جهود الأمن في مجالاته المختلفة والواسعة في هذا المجال، وهنا تبرز أهمية تكامل جهود جهاز الأمن مع إدارات ومؤسسات الدولة والقطاع الأهلي بما يسهم في تحقيق الأمن على جميع المستويات، وبهذا يكون الأمن والاستقرار في نهاية المطاف محصلة للجهود الشاملة المتعددة الرامية إلى حماية مصالح الدولة من أي أخطار محتملة تهددها من الداخل أو الخارج. ويتفق منهج الأمن الشامل مع منهج الإسلام في تقرير الأمن وهو منهج يعتمد على الحفاظ على الإنسان وآدميته وكرامته وحفظ نفسه ودينه وماله وعقله وعرضه وهو ما يعرف بالضرورات الخمس.
ويركز الأمن الشامل كذلك على بناء الأسرة بناء سليما والتنشئة على الاخلاق الحميدة وعلى القيام بالعبادات وحسن التعامل ، ويحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعمق الأواصر الحميمة بين أفراد المجتمع بما يحقق حياة كريمة آمنة ومزدهرة للإنسان