د.محمد العبادي ||
أنجبت ايران كثير من الشهداء ، وكان لكل منهم قصة تحمل كثير من المعاني والدلالات ، وكان للشهيد الحاج قاسم سليماني قصته الخاصة التي نسج خيوطها الذهبية منذ انتصار الثورة سنة ١٩٧٩م وحتى يوم استشهاده مستهل سنة ٢٠٢٠م.
ان حياة هذا القائد الشهيد تحمل في طياتها كثير من المعاني والتعاليم والتي تصلح كمدرسة تربوية أصيلة تنهل من عذب ماء معينها الأجيال .
لقد ولد الشهيد سليماني في سنة ١٩٥٧م في قرية ملك وهي إحدى توابع رابر في محافظة كرمان الواقعة جنوب شرق ايران .
لقد تعلم الشهيد السعيد في نشأته الأولى من أسرته ومن بيئته النظيفة الشهامة والشجاعة والصدق والتفاني في العمل ورفض الظلم ، حتى أنه كان منذ مطلع حياته مستعدا للتضحية والإيثار فانخرط في الحرس الثوري الإسلامي ، والذي كان قد استقطب إلى صفوفه خيرة أبناء ايران .
لقد كان القائد سليماني اجتماعي بطباعه حتى أنه كان قد وصل إلى أعلى الرتب العسكرية وهو لا ينفك عن ماجبل عليه من حبه للناس وتواضعه لهم ؛ فهو يتحدث مع مرافقيه الذين يلازمونه مثلما يتحدث مع أصدقائه، وفي سفراته المتعددة ينقل عنه أولئك الذين رافقوه احاديثهم وحواراتهم معه ، وينقل الشيخ عبدالله حاجي صادقي جانبا من صفة التواضع التي شاهدها عنده ؛ حيث يقول في مرة قلت للحاج قاسم لماذا انت تتواضع لبعض المدراء وتقول لهم عندما يسلمون عليك وتقول ([ دست شما ميبوسم] اي : ابوس ايديك أو اقبل ايديكم) هذا غير لائق مع موقعك الوظيفي؟! فاجابه الحاج قاسم ( من أجل حل مشكلات الناس انا اقبل يد كل أحد ) ! فقال له الشيخ صادقي: بعض الأفراد لايستحق ان تقول له هذه الكلمة أو هذه الجملة)! فأجابه الحاج قاسم : ( انا لأجل تمشية أمور الناس ابوس[اقبل] يد كل احد ) ثم اكمل كلامه وقال : (اذا كان تقبيل الأيدي من قبلي سبب لدفع المسؤولين لخدمة الناس فلن انفك عن هذه العادة ).
ان الحاج قاسم كان مصداقا لقول الله عز وجل ( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )(١).
لقد كان الشهيد سليماني قرين العمل الصالح وكان لين الأخلاق فكثرت اغصانه وكثر محبوه: ( من لان عوده كثفت اغصانه)(٢).
لقد رأينا الحاج قاسم سليماني وهو مع الناس في السيول التي اجتاحت (بعض ) مناطق الاهواز ، وشاهدناه كيف يتحدث معهم وكأنه يعرفهم ويعرفونه أو كانهم أبناء بلدته التي ولد فيها .
وقد رأينا الشهيد قاسم وهو يجلس مع الناس وخاصة الشباب ويلتقطون معه صورا تذكارية ، وشاهدنا الشهيد قاسم سليماني وهو يجلس مع أبناء الشهداء وكيف يحتضنهم بحرارة ويتحدث إليهم كالأب الرؤوف .
لقد كانت حياته خالية من التشريفات والمبالغات وبيته الذي ظهر فيه السيد القائد الخامنئي _حيث جاء معزيا بشهادته _ ذلك البيت الذي كان يشير إلى طبيعة حياته البسيطة .
أن هذه الأخلاق هي جزء صغير من البعد الاجتماعي عند الشهيد الحاج قاسم والذي صقلته ثقافة الثورة الإسلامية في نفس هذا القائد الكبير الذي كان يعيش كأحد الناس وبلا تكلف ، أنها مأخوذة من اسوة الخلق جميعا محمد المصطفى الذي كان يجلس مع اصحابه ومع الناس فلايتميز عليهم لشدة تواضعه؛ فقد ( دخل رجل على جمل ،فأناخه في المسجد ثم عقله ، ثم قال : ايكم محمد ؟ والنبي متكيء بين ظهرانيهم )(٣).
نعم ان الشهيد الحاج قاسم سليماني باخلاقه وبعده الاجتماعي ينتسب إلى مدرسة الإسلام الكبرى .
_______
١- سورة مريم : الآية٩٦ .
٢-نهج البلاغة : الحكمة ٢١٤.
٣-صحيح البخاري، ج١ص٢٣،باب ما جاء في العلم ، رقم الحديث٦٣.