ضحى الخالدي||
من نافل القول أن السعودية حليف قديم للولايات المتحدة, و أنها دولة غنية مترامية الأطراف, تحاول الإستئثار بقرار الدول الإسلامية و فرض وصايتها على شعوبها؛على خلفية إحتضان أراضيها للحرمين المكي و المدني لتصدِّر نفسها قائدة للعالم الإسلامي بمقاسات أميركية خاصة؛ بإزاء حضارات إسلامية في دول ناهضة في الشرق الأوسط كإيران و تركيا, و بإزاء أفول دور الأزهر الشريف في مصر, و تجاهل لدور النجف الأشرف في القيادة الروحية لجزء مهم من العالم الإسلامي, و التي ربما عانت –النجف- من التضييق بفعل الأنظمة السابقة إضافةً إلى عدم تبنيها قيادة المشروع السياسي بشكل فاعل و واضح كما هو الحال مع قُم مثلاً. و ربما أدى إنزواء إندونيسيا في أقصى الشرق و أحوالها السياسية و الإقتصادية إلى عدم تشكيل قوة منافسة ذات أثر رغم كونها تضم أكبر كثافة سكانية مسلمة في العالم.
مما لا شك فيه أن العداء السعودي موجه لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران منذ ثورة ١٩٧٩, و لا يوجد عداء تأريخي مستحكم بين البلدين, و إلا فإن العلاقات مع نظام الشاه كانت جيدة جداً و لم تكن إيران تمثل وقتها أي تهديد بنظر دول الخليج و بالذات السعودية رغم الإختلاف المذهبي بين حكام و غالبية شعبي البلدين؛ إلا أن الموقف الواضح للجمهورية الإسلامية من الكيان الصهيوني و سياسات الولايات المتحدة جعل السعودية تصطف مع حليفها الغربي بدلاً من جارها الإقليمي الذي تمتلك معه من المشتركات أكثر من نقاط الخلاف و النزاع.
و تمظهر هذا الموقف العدائي بالدعم المادي السعودي اللامحدود لنظام البعث المقبور في العراق خلال حرب الثمان سنوات و تزويده بالأسلحة و إثقال كاهل العراق بديون الحروب العبثية المنهكة، و يبرز هنا كمثال إعتراف سفير السعودية في واشنطن بندر بن سلطان بن عبد العزيز بشراء السعودية صواريخ أرض-أرض من الصين و تزويد نظام صدام بها لضرب إيران.
و يأتي تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برفضه التعاون أو النقاش أو التفاوض مع من يُؤْمِن بالإمام المهدي (عج.) ليكشف عن العقيدة التكفيرية الحاكمة في السعودية رغم كل محاولات النظام الحاكم لارتداء ثوب العَلمانية و الحداثة في ظل الحاكم الفعلي محمد بن سلمان، و هذا العداء ينصرف إلى كل من يخالف هذه العقيدة من المسلمين و ليس الإيرانيين فقط.
و رُبَّ سائل يسأل فيما إذا كان من الممكن تغيير إتجاه بوصلة هذا العداء و البحث عن نقاط الوحدة و الشراكة في هذا الإقليم الملتهب و محاولة إستشراف مستقبل مختلف بوجود إدارة أميركية جديدة, و في معرض الإجابة عن هكذا سؤال فليس جديداً الحديث عن أن أساس إستقرار أوضاع المسلمين هو وحدتهم و التعالي على خلافاتهم، و النظر الى روابطهم المشتركة جغرافياً و تأريخياً و مصالحهم الإستراتيجية بدل الإستقواء بالدول الغربية التي تستنزف ثرواتهم بصفقات التسليح الخيالية نتيجة زرع وهم الرعب من إيران كتهديد توسعي في ظل نظام الجمهورية الإسلامية.
كيف يمكن أن يتغير موقف النظام السعودي السياسي في ظل آيديولوجيته الحاكمة؟ و التي تتبدّى بتصريحات أعلى مسؤوليه, و تظهر من خلال الخطاب المأزوم و المتشنج لمؤسسته الدينية. لا يمكن إقناع نظام يسير على أجندا ثابتة منذ مئة عام بأن يغيّر إستراتيجيته الآن.
و قد يتبادر إلى الأذهان إمكانية لعب العراق دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر و الإمساك بعصا التوازن في المنطقة ما دام يتمتع بعلاقات إستراتيجية عميقة مع الجانب الإيراني, و ما دامت السعودية تحاول جاهدةً سحبه إلى ما تسميه بالحاضنة العربية و العمق العربي. إن العراق لن يتمكن من أن يلعب دور الوسيط الجيد و عامل التوازن في المنطقة حتى يتحرر من الإحتلال الأميركي- الأطلسي عسكرياً و مخابراتياً، و متى ما لم يكن فناءً خلفياً لسياسات الهيمنة الأميركية؛ بوجود حكومة قوية و طبقة سياسية جادّة.
إن أي تحولات دولية كتغيير الرئيس الأميركي أو نهوض الصين لن تستطيع تغيير موقف السعودية من (ولاية الفقيه) خصوصاً في ظل ولي العهد محمد بن سلمان و توجهاته؛ على سبيل المثال رفض السعودية للاتفاق النووي في رئاسة أوباما, و رفضها العودة إليه في رئاسة ترامب أو حتى بايدن.
تظهر هنا نقطة مفصلية أخرى و هي التطبيع. فإن إعلانه من قبل المملكة العربية السعودية هو مسألة وقت و ليس مسألة تورط، و لا ننسى هنا مشاركة الطيران الإسرائيلي في قصف اليمن بداية العدوان، أما ما يؤخر هذا الإعلان فمشاكل السعودية الداخلية (صراعات العائلة الحاكمة، نزاع النظام مع القبائل السعودية، الجبهة الجنوبية المشتعلة مع اليمن، الإقتصاد المتضرر من جائحة كورونا، كبر المساحة و زيادة عدد السكان في ظل خلافات و اختلافات طائفية و مناطقية و قبلية و أزمات إقتصادية تجعلها أكثر عرضة للتفتت و التقسيم) .
في الربع الأول من العام ٢٠٢٠ كانت هناك تسريبات عن قمة مزمعة في القاهرة بين محمد بن سلمان و بنيامين نتنياهو بخصوص صفقة القرن حسب صحيفة جورزاليم بوست الصهيونية اليمينية، ربما عُقِدَت هذه القمة سراً و ربما حالت دونها الجائحة.
إن وجود رئيس أميركي يدير ظهره للشرق الأوسط و يلوّح بمعاقبة السعودية على ملف حقوق الإنسان يجعل ظهر السعودية مكشوفاً لكنها بدل الإندكاك في محيطها الإقليمي و عمقها الإسلامي ستنخرط في مشروع إعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني و إتمام صفقة القرن و تحقيق رؤية ٢٠٣٠ الصهيونية من خلال مشروع نيوم شمال غرب السعودية؛ الذي يمثل إستثماراً مشتركاً بعيد المدى مع الكيان الصهيوني مقابل جوع غزة و حرمانها. أما أموال المسلمين التي تتحصَّل عليها المملكة الطامحة بقيادة العالم الإسلامي, من تصدير النفط و أسواق المال و السياحة الدينية –الحج و العمرة- و الإستثمارات العقارية و الزراعية حول العالم, فهي بنظر هذا النظام من حصة الخزائن الغربية لتدمير المسلمين في العراق و سوريا و لبنان و اليمن و البحرين و فلسطين و ليبيا و أفريقيا وووو...
هذا فيما يخص تعاقب الإدارات الأميركية, أما فيما يخص التعاقب في النظام السعودي الحاكم فحتى لو لم تُثنَ الوسادة لإبن سلمان و جيئَ بولي عهد أو ملك أكثر كياسة فلن تتغير الإستراتيجية، إنما هو تغيير تكتيكي كما حدث زمن الرئيس خاتمي, حين كان الحاكم الفعلي هو ولي العهد عبد الله –الملك عبد الله فيما بعد- زمن الملك فهد بن عبد العزيز.
هذا النظام الحاكم في السعودية هو شريك العقيدة الوهابية منذ قرون، بريطاني النشأة أميرِكي البقاء صهيوني الأهداف و ما عادت هذه الأهداف خافية.
https://telegram.me/buratha