د, علي المؤمن||
رغم كثرة الملاحظات المتراكمة على مقولات السيد كمال الحيدري؛ لكننا كنا نطالب المعترضين عدم شخصنة الإعتراض، وعدم تحويله الى مناسبة للهجوم والتجني، والاكتفاء بالردود والتصحيحات العلمية والمنهجية والفنية، وأن لايسلبوا الرجل حريته في التعبير عن آرائه واجتهاداته العقدية والفقهية، ولطالما دافعنا عن حقه في ذلك أمام الآخرين. ولانزال نؤكد على ضرورة أن تكون الردود والتصحيحات موضوعية، وتكون أساليبها شريفة ونبيلة؛ لأن التجني والافتراء، وتقويل الرجل مالم يقل، ليس من خصال العالم والباحث والمؤمن.
إن من المؤسف أن ينتقل السيد الحيدري من مرحلة مايعتقده مقاربات علمية دينية إصلاحية، الى مرحلة ضرب دعائم النظام الاجتماعي الديني الشيعي وتفكيك قواعد أمنه، وخاصة حين ادّعى بأن علماء الشيعة قاطبة يكفِّرون غيرهم من المسلمين، وهو ادعاء باطل، ويتنافى مع نصوص أئمة آل البيت والقواعد الشرعية للتشيع، كما يصطدم بنهج علماء الشيعة وسيرتهم، منذ الصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي وحتى الخوئي والخميني والخامنئي والسيستاني.
وقد صدرت بيانات ومقالات تفند اتهامات السيد الحيدري التحريضية ضد علماء الشيعة؛ الأمر الذي استفز بعض أنصار السيد الحيدري، وانبرى للدفاع عنه، وله الحق في ذلك، رغم شعور غالبية أنصاره بالحرج ــ كما حدثني بعضهم ــ من مقولات السيد الحيدري الأخيرة، لأن هؤلاء الأحبة مؤمنون ملتزمون غالباً، ولايجدون مسوغاً في زعزعة الواقع الشيعي، حتى وإن كان وراء ذلك رمزهم الفكري ومرجعهم الديني؛ لأن مصلحة مدرسة آل البيت وأتباعها، أهم من أي شخص، مهما بلغ شأنه. ولكن في الوقت نفسه استغرب من الذين استفزتهم الردود التلقائية الطبيعية على السيد الحيدري، وهو فرد، ولكن لم تستفزهم القنابل النووية التي يلقيها الحيدري على الشيعة وتيارهم الإسلامي وكيانهم وأمنهم، لمصلحة اللادينيين وحركات التكفير الوهابية!!
وبصرف النظر عن النقض العلمي والمنهجي (الذي سنورده في مقال قادم)؛ أسأل هؤلاء الأحبة: هل المصلحة الإسلامية ومصلحة المذهب تسمح بأن ننبش في تراثنا وتاريخنا، وننتقي بعض الأحجار الشاذة المهملة، لنستغلها في التشهير بالمذهب، والإجهاز على أمن المسلمين، ونحرِّض السنة ضد الشيعة والشيعة ضد السنة، وندعم مقولات خصوم التيار الديني؛ بذريعة وجود فتاوى تكفيرية سابقة صدرت من علماء الفريقين؟! وهل من الصحيح، ونحن نعيش أحرج مراحل مساراتنا الاجتماعية والسياسية، تقديم أدلة جاهزة تساعد المتطرف والجاهل، سنياً كان أو شيعياً، لضرب السلم الأهلي والأمن المجتمعي، وتهديد الكيان الاجتماعي الشيعي، وخاصة في قضية كارثية كالتكفير؟!
ربما يعتقد بعض المطلعين أن السيد كمال الحيدري في مقولاته التحريضية الأخيرة، لايمارس عملاً علمياً وفكرياً وبحثياً؛ بل يطلق تصريحات ذات خلفية شخصانية انتقامية تستهدف النجف بالدرجة الأساس، أو مايسميه هو بالرجعية والصنمية والتخلف في النجف، بعد أن رفضت النجف كثيراً من دعاواه ومقولاته. وإذا كان الفقيه يفكر بهذه الطريقة، ويعنيه أن يجد لنفسه موطئ قدم في معادلات المرجعية الشيعية، وينمي حاضنته الاجتماعية والسياسية في العراق عموماً والنجف خصوصاً، تمهيداً لإقامته فيه، ولايعد كيان المذهب وأمنه الاجتماعي أولويته الأولى، فإن هذه الشخصانية تُفقد الفقيه أحد أهم شروط المرجعية، وإن كان أعلم فقهاء زمانه.
وإذا استبعدنا الاعتقاد المذكور، وافترضنا أن السيد الحيدري لاينطلق من خلفية شخصانية، وأنه بالفعل معني بالإصلاح الديني فقط؛ إلّا أن مآلات تصريحاته تؤكد افتقاده للحكمة والوعي بمتطلبات الواقع، وعدم قدرته على تشخيص المفاسد والمصالح، بصرف النظر عن الأخطاء في الجانب العلمي والمنهجي؛ لأن الحكمة والوعي والقدرة القيادية هي ملَكات لاعلاقة لها بالعلم والفقاهة.
وخطورة كلام السيد الحيدري في موضوع التكفير، تزداد شدته على العراق وشيعته، أكثر من غيره من بلدان الحضور الشيعي الأخرى، لأن العراق في ظل ظروفه السياسية والأمنية الرخوة، يعد مرتعاً لحركات التكفير والتيارات الطائفية والجماعات اللادينية أو المنحرفة عقدياً سلوكياً والخارجة عن سيطرة الدولة. وهذا لايعني أن خطورة هذه المقولات تتوقف على العراق فقط؛ بل تمتد الخطورة الى المجتمعات الشيعية الاخرى أيضاً، ولا سيما في لبنان وباكستان، وهما مجتمعان تتشابه ظروفهما مع ظروف شيعة العراق.
وإذا كان بعض التكفيريين الشيعة (وهم أقلية ذات صوت عال)، قد ساهموا في استعداء السنة ضد الشيعة، وكلّفوا الشيعة الكثير من التضحيات والخسائر المعنوية والمادية؛ فإن الحيدري سيكلف الشيعة أضعافاً مضاعفة من الخسائر والتضحيات؛ لأنه ليس معمماً عادياً أو مجرد خطيب أو باحث؛ بل لأنه يطرح نفسه مرجعاً ومفكراً اصلاحياً شيعياً، وهو مادفع أحد شيوخ الوهابية الى القول: (( لم يترك لي الحيدري صاروخاً أضرب به الشيعة)).
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha