حيدر الرماحي||
يعتبر الامن من الاحتياجات الضرورية والمهمة لاي دولة ولذا تخصص الدول جزءا كبيرا من ميزانيتها لتطوير اجهزتها الامنية بكل انواعها من اجل تحقيق أمنها الداخلي وامنها بشكل عام وهذا من الأهداف والغايات التي يحرص عليها كل مجتمع.
تسعى الدولة العراقية اليوم الى تأمين زيارة الاربعين وتبذل مجهودا كبيرا لاجل حماية الزائرين سواءا الوافدين من خارج البلاد بالاضافة الى الزائرين المحليين، وتعتبر عملية حماية الزيارة الاربعينية من الاهداف الإستراتيجية للحكومة العراقية باعتبار ان هذه الزيارة تعد من ابرز التجمعات على مستوى العالم ويشارك بها زائرين من جميع دول العالم، والنجاح في تأمينها وسط وجود الارهاب في العراق وبعض الدول في المنطقة يعتبر منجزا وداعما للنظام السياسي ودليل على قدرة العراق وقواته الامنية بمختلف صنوفها انها قادرة على تأمين تجمع بهذا المستوى وسط التهديدات الامنية في المنطقة.
ولم يعرف دور ايجابي للدولة العراقية في حماية الشعائر الحسينية ألا بعد السقوط، وازداد هذا الدور بعد تعرض التنظيمات الإرهابية للمواكب الحسينية بهجمات مسلحة وانتحارية فكان رد الدولة استنفار قواها العسكرية والأمنية بشكل لا نظير له خلال السنوات ما بعد عام 2003م وتغيير النظام السياسي. بحيث أمكن تأمين تلك المواكب بشكل ممتاز وجيد وبمساعدة جماهيرية فعالة مما عزز من ثقافة الأمن وخاصة الوقائي لديها. وهذا ما اعطى زحما أضافيا من التأييد الجماهيري لصالح الفئة الحاكمة، ساهم إلى حد كبير ان يكون في تثبيت وجودها في السلطة. وكان من الطبيعي أن يكون لذلك النجاح صداه على المستوى الخارجي لان هناك نسبة من الزوار لا باس بها وتزداد عاماً بعد أخر من دول مجاورة للعراق في مقدمتها إيران والكويت والسعودية والبحرين وأذربيجان وأفغانستان وباكستان وتركيا ولبنان وللشيعة دور مهم في تلك البلدان ويتصاعد دورهم على المستوى السياسي أو الاقتصادي وغيره. كما أن نجاح الخطط الأمنية في مواسم الزيارة كان معياراً أو احد المعايير في تقييم المستوى الأمني لقواتنا المسلحة والعراق الجديد.
ونجد ان الحكومة العراقية في كل عام تضع خطة متكاملة خدمية وامنية للحفاظ على ارواح الزوار وتسخر كل امكاناتها لاجل ذلك.
لذا نجد ان 300 الف منتسب من قوى الامن يشاركون في تأمين زيارة أربعينة الامام الحسين عليه السلام.
وهذا ما صرح مدير عام العلاقات والاعلام في الوزارة اﻻستاذ ابراهيم العبادي ان "الداخلية استنفرت كل طاقاتها ومنتسبيها في تأمين زائري الاربعينة، وان بلدان (ايران وباكستان والكويت والبحرين وقطر ولبنان) كانت أكثر الوافدين الى العراق لاداء مراسيم الزيارة, فضلا عن بعض دول افريقيا، مبينا ان "هناك لجنة عليا مكونة من وزراء الداخلية والنقل والتجارة والاسكان والبلديات منشغلة في تأمين الزيارة".
كما ان الخطط التي تضعها وزارة الداخلية العراقية تختلف من محافظة الى اخرى وحسب الاستقرار الامني وامكانية استهداف الزائرين من قبل الارهاب فادخلت وسائل متطورة لاجل حماية الزائرين، ويصرح محافظ كربلاء عقيل الطريحي باستحداث كاميرات حرارية للمراقبة في المحور الغربي لمحافظة كربلاء المقدسة التي تحتضن الزيارة، ويعتقد ان هذا الاستحداث يعزز من امن القاطع وان القطعات الموجودة والجهد الهندسي والاستخباري والطائرات المسيرة مستنفرة لأجل انجاح الخطة الأمنية الخاصة بالزيارة الأربعينية.
ان عملية تحقيق الامن الداخلي وتامين الزائرين عملية ليست بالسهلة باعتبار كما اشرت في بداية المطلب الى واقعيات المنطقة والعراق ووجود الارهاب بالاضافة الى المشاكل السياسية التي تعصف العراق والمنطقة، الا ان هذه العملية يشترك فيها جهات عديدة منها رسمية كالجيش والشرطة والاجهزة الساندة وبعضها تتعلق بالحس الامني لدى اصحاب المواكب الحسينية والزائرين انفسهم حيث شعور الجميع بضرورة حماية انفسهم ومراقبة الحالات المشبوهة التي يمكن ان تهدد الزائرين والزيارة والتعاون مع اجهزة الامن في التبليغ عن اي حالة مشبوهة.
وبين وزير الداخلية الاسبق السيد باقر جبر الزبيدي في جوابه على السؤال الذي وجهناه اليه عن اجراءات وزارة الداخلية التي اتخذها عام 2006 الفترة التي كانت تشهد توترا امنيا في العراق ونشاطا كبيرا للجماعات الارهابية في العراق فأجاب:
من ضمن الإجراءات التي اتخذتها وحسب ماتسعفني به الذاكرة للحد من نشاط الإرهابيين الذين استهداف المواكب الحسينية ومجالس الفاتحة من أولوياتهم :
1- منع منح الفيز للزائرين إلى العراق الا بموافقة وزارة الداخلية ومن مكتبي حصراً.
2- القيام بحملة أمنية واسعة أشرفت عليها شخصياً على مناطق في بغداد.
3- توجهت على راس فوج من الشرطة الاتحادية أثناء الزيارة في العاشر أو الأربعين سنة 2006 وكان برفقتي اللواء رشيد فليح وكانت وجهتنا محافظة كربلاء المقدسة حيث تم توزيع سرايا الفوج على مقتربات مدينة كربلاء وذلك لقطع الطريق على هجوم إرهابي ينطلق من منطقة جرف الصخر أو منطقة الوند وكانت العملية وقائية وأثبتت نجاحها.
ويمكن ان ابين مشاهداتي بعد سقوط نظام البعث عام 2003م وانفتاح العراق على العالم وتوافد الزائرين الى العراق بشكل لم يعهده من قبل ووسط الصراع الدولي والطائفي المفروض على الواقع العراقي وفي ظل غياب الاجهزة الأمنية آنذاك فان المواكب الحسينية كانت تعتمد على نفسها في توفير امن الزائرين وكانت المواكب في تلك الفترة لا تحمل نفسها مسؤولية الخدمة فحسب وانما كانت بالاضافة الى الخدمات فانهم كانوا يسهرون على امن الزائرين ليلا ونهارا وقد نجحوا بشكل كبير في تأمين الزيارة.
ويوضح المتحدث باسم الداخلية العراقية اللواء الدكتور "سعد معن" في مقابلة اجراها معه الباحث ان واحدا من اهم العوامل التي تسهم في نجاح الزيارة الأربعينية هو تعاون الزائر والمواطن بشكل عام والمتأتية من حسه الامني العالي وحرصه على انجاح الزيارة فكثير ما ابلغنا من قبل الزائرين عن ارهابيين يرومون استهدافهم او يقومون بزرع المتفجرات في طريق الزائرين وكان الزائر مصدر رئيسي للمعلومة الأمنية، فبالنهاية هو كرنفال ديني يتشرف فيه الجميع بالعمل المخلص كلا حسب موقعه للمشاركة في انجاحه.
وهكذا فان زارة الداخلية تضع في متناول جميع الزائرين التعلميات لأجل الوقاية بالاضافة الى نشر ارقام هواتفها من اجل التبليغ عن اي محاولة لاحداث خرق امني.
ونتيجة الظروف الأمنية الاستثنائية التي عاشها العراق فان وزارة الداخلية تكثف من التعليمات للمواطنين وتكثف من تواجدها في اطراف المدن والمحافظات التي تمثل طريقا يسلكه الزائرين وهكذا في جبهات القتال التي شهدتها السنين الاخيرة بعد دخول داعش للعراق وارسال تهديدات باستهداف الزيارة، فعمدت القوات العراقية والحشد الشعبي في ضرب اوكار الارهاب وعصابات داعش من اجل توجيه ضربة استباقية لهم وتشدد من السيطرات والمعابر الحدودية من اجل تامين الزائرين.
ويمكن تسجيل حقيقة قدرة قوات الامن بكل مفاصلها وقوات الحشد الشعبي على حماية الزيارة، فبعد ان كانت محافظة كربلاء والزائرين المتوجهين اليها من جهة بغداد يتعرضون الى الضربات الارهابية من قبل عصابات التكفير فان السنوات الاخيرة لم تشهد اي خروقات امنية يعتد بها.
وقد اصبحت سلمية مراسم الزيارة الأربعينية صفة واضحة، رغم محاولات الجماعات الإرهابية لتنفيذ عمليات إجرامية ضد الزوار والتي أودت بحياة الكثير منهم خلال السنوات الماضية، دون أن تتمكن من ثني محبي الإمام الحسين(عليه السلام) عن المواظبة في المشاركة بهذه الزيارة وبأعداد أكبر وعزيمة راسخة على تحمل جميع المصاعب والتحديات التي قد تواجههم أثناء مسيرهم إلى كربلاء المقدسة حيث المرقدين الطاهرين للإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام). ومعظم هؤلاء الزوار يأتي مشياً علي الأقدام من مسافات بعيدة جداً قد تصل إلى مئات الكيلومترات.
ويعتقد ممثل لجنة الأربعين التابعة للجنة التنسيقية المشتركة بين إيران والعراق لإقامة زيارة الأربعين العميد مراديان في حديث خاص لمراسل إرنا، ان ضمان الامن التام في زيارة الأربعين نجاح كبير للقوات المسلحة العراقية، وان الشعب والحكومة العراقية يمتلكان تجارب قيمة ومستوي عال من الخبرة في إدارة زيارة الأربعين والزيارات في سائر المناسبات (الدينية) الأخرى. واعتبر زيارة نحو مليون زائر إيراني لسامراء وبقائهم فيها حتي ساعات متأخرة من الليل بانه حدث غير مسبوق ويعكس جانبا آخر من نجاح القوات العراقية في ضمان الامن في العراق .وخلال الزيارة الأربعينية كان هناك مستوى عال من التنسيق بين المسؤولين العسكريين والأمنيين والسياسيين الإيرانيين والعراقيين وكذلك بين شعبي البلدين وان العراقيين رحبوا بحفاوة بالزوار الإيرانيين رغم كل الدعايات السلبية التي كان الهدف منها تأجيج الخلافات الطائفية والدينية بين الشعبين وان البلدين استطاعا من خلال تعزيز التعاون وتقريب المواقف من احباط جميع هذه المؤامرات. ان تجربة العراق في تنظيم مراسم زيارة الأربعين تصبح أكثر اكتمالا وأكثر ثراء عاما بعد عام، حيث نشهد كل عام تعزيز التنظيم في مختلف المجالات الأمنية والخدمية.
ان الدور الأمني لدول الجوار ينحصر حالياً بالجارة إيران حيث يأتي العدد الأكبر من الزوار الأجانب منها وكذلك من خلال مرور زوار الدول الأسيوية عبر أراضيها حيث يتم منح التأشيرة عبر الحدود من الجانب العراقي وبالتنسيق مع الجانب الإيراني وتعتبر المشكلة ذات الأولوية الأمنية هي تهريب المخدرات وقد تم ضبط حالات عديدة وفي سنوات متتالية كما أن مخالفة بعض الزوار من جنسيات أسيوية لشروط الإقامة المحدد بالفيزا العراقية قد ولد مشكلة للجانب العراقي حيث يتم ضبط حالات عديدة وكثيرة يتم تسفيرهم لاحقاً كما أن حالات الجريمة كالسرقة محدودة ومع ذلك فان المطلوب هو مزيد من التنسيق مع الجانب الإيراني وبدرجة اقل مع الجانب اللبناني والكويتي وفي المستقبل مع الجانب السعودي.
ــــــــ
المصادر:
1. استبانه اجراها الباحث مع وزيرالداخلية ووزير المالية الاسبق السيد باقرجبرالزبيدي، بتاريخ 7/4/2019.
2 . خبر منشور بتاريخ 25 نوفمبر 2015على الموقع الاكلتروني التالي: (http://alsahroon.gov.iq).
3 . خبر منشور بتاريخ 6 نوفمبر 2017على الموقع الاكلتروني التالي: (alkawthartv.com)
4. استبانه اجراها الباحث مع وزيرالداخلية ووزير المالية الاسبق السيد باقرجبرالزبيدي، بتاريخ 7/4/2019.
5. مقابلة اجراها الباحث مع المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء الدكتور سعد معن، وزارة الداخلية/بغداد، بتاريخ 26فبراير 2018
6. زيارة الأربعين المليونية مظهر لتبلور قوة إقليمية جديدة، بتاريخ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، مقال منشور على الموقع الالكتروني التالي: (http://www.irna.ir/ar/News/82315948)
7 . خبر منشور بتاريخ 6تشرين الثاني/نوفمبر، على وكالة الانباء ارنا وعلى الرابط التالي: http://www.irna.ir/ar/News/83091765
8 . استبانه اجراها الباحث مع وزير الداخلية ووزير المالية الاسبق السيد باقر جبر الزبيدي، بتاريخ 7/4/2019.
ــــ
https://telegram.me/buratha