دراسات

منهجية التغيير وبناء الذات / الحلقة الأولى  


خالد جاسم الفرطوسي||

 

علم التغيير:

لكل صناعة أدوات وأساليب والصناعة يمكن أن تعتبر فن ويمكن أن تطلق بعنوان العلم المنظم وآخر الدراسات أثبتت أن صناعة التغيير علم له قواعده وأسسه ومبادئه التي يجب أن يعرفها كل من يبحث عن التغيير على الصعيد الفردي والاجتماعي وعلى الصعيد المهني والمؤسساتي.

وعليه فلابد لكل من يطلب النجاح وتحقيق الطموحات أن يكون على دراية بمفاهيم نظرية التغيير ليتمكن من الانطلاق نحو القمة وهو يدرك ماله وما عليه، لاسيما وأن الإنسان يعيش في بُعدين هما:

1ـ البُعد الفردي.

2ـ البُعد الاجتماعي.

أي أن كل واحد منا لا يعيش في أطار ذاته فقط، بل هو جزء من منظومة إنسانية كبيرة وهذا ما تحدث عنه القران الكريم (وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).

ومن هنا كان لزاماً علينا من قيادة وإدارة ذواتنا في الاتجاه الصحيح، ونحاول ونؤكد أن ذلك لا يكون (بناء الذات) إلا ضمن المعايير العلمية الصحيحة وحينها سنتمكن من السيطرة على الذات وإدارتها، وبالتالي تأتي الفائدة لتنصب في دائرة المجتمع، لأننا اليوم نحتاج إلى إنسان واعي يدرك تكليفه لما له وما عليه.

والتغيير هو الحقيقة الوحيدة في هذا الكون التي لا تتغير، وقديماً قال أفلاطون في ذلك: (الشيء الثابت الوحيد في العالم هو التغيير).

أي لا شيء ثابت في هذا الكون سوى التغيير، الذي هو قادم وواقع لا محالة، وعليه فمن لا يتقدم تقادم، لذا ليس كافياً أن تتمنى أو ترسم أو تكتب لنفسك أهدافاً، إنما يجب أن تسعى لتحقيقها.

وعلم التغيير هو الذي يكفل لنا هذا الشيء أي تطوير أو تغيير الذات والذي هو منهج يعمل على تنمية واكتساب أي مهارة أو معلومة أو سلوك تجعل الإنسان يشعر بالرضا والسلام الداخلي وتعينه على التركيز على أهدافه في الحياة وتحقيقها وتعدّه وتجهزه للتعامل مع أي عائق يمنعه من ذلك.

واكتساب هذه المهارة أو المعلومة أو السلوك يعتمد بالدرجة الأساس على تغيير النفس، فما لم نبدأ بتغيير النفس، فمن المستحيل أن نتمكن من تطوير الذات علمياً وسلوكياً.

ومن هنا نفهم أن تطوير الذات لا يشمل تغيير النفس فقط، فذات الإنسان هي كله بما فيه من صفات ومواد، بينما صفاته هي المعاني القائمة به من شجاعة وجمال وذكاء ونحوها.

وعليه فالتطوير الذاتي له مدلولات كثيرة، فتربية النفس هو تطوير لها، وإدارة الإنسان لذاته إدارة إيجابية هو تطوير وارتقاء بالإنسان..

والواقع المعاش يبين لنا أن تطوير الإنسان يتم تلقائياً منذ ولادته، فتقوم الأسرة والمدرسة والمجتمع بتطويره وتربيته وتنشئته على الأخلاقيات وتعويده لئن يطور ذاته، ولكن تدخل الإنسان في تطوير ذاته هو من أهم وأجل الأعمال التي يقوم بها.

وقد أكد الأئمة صلوات الله تعالى عليهم أجمعين أن تربية الإنسان لذاته لها وقعها في النفس أكثر بكثير من تربية الآخرين له.

من هذا المنطلق يتضح أهمية تطوير الذات سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، ولا يمكن في نظري أن يستقيم وضع الأُسر والمجتمعات ما لم يكن تطوير الإنسان لذاته فعال ومستمر، ولا شك أن الله سبحانه أودع في ذات الإنسان مهارات وقدرات وإمكانيات يجعلها تساهم في تطوير الإنسان لذاته.

وهناك مؤشرات ودلائل تؤكد على ضرورة تطوير الإنسان لذاته فمثلاً:

تطوير ذاته التعليمية هو قيامه بواجباته الدراسية والحفظ والمذاكرة ..كذلك اهتمامه بالنظافة تطوير لذاته الجسمية، ومسعى الإنسان للبحث عن الرزق هو تطوير لذاته المعيشية وهكذا.

إلا أن الناس يتدرجون في تطوير ذاتهم، فكلما حرص الإنسان على تطوير ذاته كلما أصبح له شأن كبير في المجتمع، وكلما ضعف كلما قل شأنه في المجتمع.

مما تقدم نفهم أن تعريف (تطوير الذات) بالمفهوم الذي مر علينا بُني على افتراضات مهمة وأصيلة، هي:

1. أسمى أهداف الإنسان المسلم وغاياته هو الوصول إلى الجنة ولابد أن يصرف حياته كلها في سبيل هذا الهدف، ولذا فمن المفترض أن يكون هذا الهدف أول الأولويات وأن تقاس باقي أهداف الإنسان من حيث أهميتها على هذا الهدف فالسعي لتحصيل المال كهدف مثلاً لابد أن يتماشى مع هذه الغاية في الوصول للجنة وكذلك الأمر مع أي هدف دنيوي آخر.

2. تطوير الذات لا يخرج عن مقاصد الشريعة فلا يطلب الإنسان تطوير نفسه بما لا يتفق مع الثوابت الشرعية.

3. تطوير الذات لا ينفك عن تزكية النفس وهو الوصول إلى كمال الإيمان، وتطهير النفس مما يخدش الإيمان وهذا هو الأصل الذي يسعى إليه كل مؤمن عاقل.

4. تطوير الذات هو مهمة مستمرة دائماً لا تتوقف عند حد أو سن معين.

وهنا يُطرح السؤال التالي:

من منا لا يحتاج إلى التغيير؟!

بالتأكيد كلنا نحتاج إلى التغيير في وقت ما أو في مفترق طرق نحتاج إليه، ولكن كيف تحمل نفسك على التغيير إلى الأفضل؟

هذا سؤال ربما تسأله لنفسك في كثير من الأحيان، وكما هو واضح ومن البديهيات أن التغيير الحقيقي لا يحدث إلا إذا أرادنا ذلك وعملنا عليه، أي هو بحاجة للعزم والإرادة.

وهذا التغيير، يحتاج إلى دراسة من ناحيتين:

من ناحية العلم، ومن ناحية العمل، أي: التطبيق العملي لمفهوم تغيير النفس، قال تعالى في ذلك: (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ويقول سبحانه وتعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).

وقد يحاول الكثير منا تغيير بعض طبائعه إلى الأفضل، أو تغيير بعض عاداته إلى الأحسن، ولكن تواجهه العديد من العقبات والمشكلات التي تجعله يقف مكتوف الأيدي عن تحقيق أهدافه وآماله وأحلامه، مما يؤدي إلى أن يبدأ مشوار الحط من قدرته، وتحطيم ثقته بنفسه، والنتيجة تكون في النهاية، عدم المواصلة في تغيير النفس، أي: الفشل.

وهذا ما يستلزم منه أن لا يستسلم أمام العقبات والمشاكل حتى لا يصبح ذلك الاستسلام عادة، فيحتاج منه إلى مواصلة الطريق وشق الغبار وكسر حاجز الصد الذي يبعده عن محاولة التغيير، ولا يحصل ذلك ما لم نتعرف على علم التغيير وأدواته ووسائله التي سنتطرق إليها في حلقاتنا هذه، وبتسلسل ومنهجية علميين.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك