خالد جاسم الفرطوسي||
ما من شخص نجح ولا من أمة نهضت ولا من حضارة أرتقت، إلا لسبب واحد هو: مجموع القيم أو القيمة التي تعتقد بها.
وبالتالي فإن ما من شخص فشل ولا من أمة تدهورت ولا من حضارة أنتكست، إلا بسبب القيم الرديئة التي تحملها.
فالفرد الذي يحمل قيمة الشجاعة والأمة التي تحمل قيمة العطاء حتماً ستختلف عن أمة قيمتها الأخذ دون العطاء وعن فرد قيمته الجبن والخوف دون الشجاعة.
ومن هنا كانت القيم هي المصنع الذي يعد كل ما تقدم.
هذا ما يجعل كل فرد منا وكل مجتمع أن يدقق في قيمه التي تمثله، ليكون أما أسوة حسنة يُقتدى به، أو أسوة سيئة يحتذى به.
لقد ألقت التغيرات العالمية المعاصرة، كما هو الحال في مختلف أوجه الحياة، بظلالها على المؤسسات المعنية بتنشئة الشباب، ففي العقود الأخيرة من القرن العشرين وفي ظل العولمة والمعلوماتية تغيرت طبيعة عمل المؤسسات المعنية بالتنشئة.
لقد كانت التنشئة عملية ميسورة ومحددة الملامح والمقومات والإجراءات في المجتمعات التقليدية البسيطة، يتولاها مجموعة من المؤسسات والوكالات المحددة الأدوار والوظائف.
أما في عصر الانفتاح الحاضر الذي يعرف أقصى حالاته الراهنة، فإن التنشئة دخلت في عملية متزايدة التشعب والتعقيد، بسبب الإعلام الفضائي وانفجار كثافة العلاقات الاجتماعية على اختلافها وقواعد المعلومات وانتشارها المتسارع.
لقد قامت الأسرة في السابق بالدور الأكبر في مهمة تربية الأبناء وتنشئتهم، يساندها في ذلك المؤسسة التربوية (المدرسة)، ومع مرور الوقت وتطور الحياة وبسبب ما شهده العالم من ثورات تكنولوجية معلوماتية فقد احتلت المؤسسة الإعلامية ولاسيما الفضائيات والإنترنت هذه المهمة ودخلت منافس قوي في عملية التنشئة فارضة نفسها بقوة على بقية الأطراف المعنية بالتنشئة، بما تتصف به من تأثيرات وإغراءات لا يملك معها الشباب إلا الاستسلام والخضوع ما لم يكن يملك مضادات تمنع من ذلك.
ولو أتيحت لنا الفرصة لألقينا الضوء على أهم هذه المؤسسات التي تسهم في إكساب الشباب لأدوارهم الاجتماعية وتسهم في تنشئتهم الأخلاقية والقيمية بصورة تفصيلية، هذه المؤسسات التي تتمحور في:
• الأسرة.
• الإعلام.
• المؤسسات التربوية.
• جماعة الرفاق.
ولما كان مطلبنا هو الإيجاز فأننا نعرج إلى تعريف القيم ومنه إلى مطالبنا الأخرى لنصل للهدف المطلوب من مقالنا هذا، فنقول في تعريف القيم:
• أنها كل ما تعتبره ذا قيمة في حياتك.
• أو هي:
المعتقدات الأساسية التي يؤمن بها الأفراد، والاعتبارات التي يعمل في ظلها اولئك الأفراد.
ومن أمثلة القيم: العطاء. الإصلاح. الشجاعة. حسن الخلق. المحبة. الثقافة. السلام. الزهد. الاحترام. الصدق .. وغير ذلك الكثير.
أزمة قيم:
يعيش بعض الأفراد أزمة في القيم، فتجده أما في حالة صراع قيمي، فيصبح بقيمة ويمسي بأخرى، أو تجده يحمل قيماً طالحة، أو تجده لا يعرف أي قيمة عليه أن يحملها. وبالمجمل هناك عدة صور لتلك الأزمة وكلها تؤثر سلباً على حياته، ومن هذه الصور:
1/عدم معرفة الشخص بشكل واضح لقيمه في الحياة.
2/ تبنيه لقيم غير جيدة أو ضارة.
3/ تبني مجموعة من القيم المتناقضة.
4/ تبني القيم نظرياً ومخالفتها عملياً.
آثار أزمة القيم:
نتيجة لأزمة القيم التي يمر بها الأفراد، ستكون هنالك آثاراً تنعكس عليهم، يمكن حصرها بالتالي:
1/ الصراع الداخلي.
2/ التناقض في المواقف.
3/ التردد في اتخاذ القرار.
4/ فقدان الثقة بالنفس.
5/ أضعاف البصيرة.
6/ الاكتئاب والقلق.
7/ تأنيب الضمير.
ومن المؤكد أن مجتمعاً يعاني أفراده عامة وشبابه خاصة من الآثار أعلاه سيكون ضعيفاً ومريضاً وغير قادر على النهوض، مما سيعرضه لأزمات ونكبات وصراعات متعددة.
أسباب ومصادر الصراع القيمي:
إن أسباب ومصادر الصراع القيمي لدى الشباب عديدة ومتنوعة، وليس من السهولة بمكان أن تحصر أسباب هذه الظاهرة بشكل مباشر، كون هذه الأسباب جاءت نتيجة عدة مصادر حياتية.
أهم هذه المصادر هي الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية، وبالموجز التالي:
• المصادر الاجتماعية:
تتميز مرحلة الشباب برفض المعايير والمستويات والتوجيهات والسلطة التي يمارسها الكبار، وأحياناً تتخذ مواقف عدائية نحوهم. وبسبب الفضائيات والإنترنت فقد وقع معظم الشباب في جدلية ثنائية تلك الجدلية التي تجعل الشباب يقارن في نفسه بين المجتمع الغربي بحريته غير المقيدة وبين واقعه الاجتماعي الذي يعيشه. هذه الثنائية ستؤدي حتماً الى جدلية قيمية في نفوس هؤلاء الشباب وبالتالي وقوعها في الصراعات القيمية.
مضافاً إلى ذلك كان للأسرة دوراً أساسياً في الصراع القيمي لأبنائهم، فتجد أن الأب يوصي أبنه بالصدق، وفي نفس الوقت يرغمه على الكذب حينما يقول له مثلاً: قل لصديقي في الباب أني غير موجود، أو أن تقطع وعداً لهم في حال نجاحهم بأنك ستجلب لهم هدية ما، وينجح الأبن وتبرر للأبن بأسباب معينة عدم قدرتكم على جلب الهدية، ويكبر الولد ويتعجب الوالدان ويستغربان بسبب أن ابنهم كان كاذباً، ويتسائلون: من علمه الكذب ؟!! مما يجعل الشباب يعيشون صراعاً قيمياً.
• المصادر الثقافية والفكرية:
إن الشباب الذي ينشأ في مجتمع يحفل في حالة من التناقض والازدواجية في الحياة الثقافية والاجتماعية والفكرية، لابد له من أن يواجه المعاناة القيمية، وأن يعيش هذه الفوضى الفكرية، مما يؤدي إلى وقوعه في أزمة وصراع في القيم.
• المصادر الاقتصادية:
الأزمات الاقتصادية تؤدي إلى انعكاسات اجتماعية خطيرة على المجتمع عموماً، مما تجعل أفراده يعيشون في حالة صراع قيمي.
• المصادر السياسية:
علاقة الأفراد عامة والشباب خاصة بالأنظمة السياسية ومؤسساتها في مجتمعنا علاقة مبتورة في معظم الأحوال. فلم تحاول هذه الأنظمة أن تنمي لدى الشباب وعياً حقيقياً بالواقع الذي يعيشونه، ومن ثم بالدور الذي يتعين عليهم أن يضطلعوا به. وإزاء تغير هذا الواقع، أو تعديله، أو تطويره أصبح الشباب يتلقى ثقافته ويجمع معلوماته عما يجري عالمياً وحتى محلياً من مصادر متعددة، سواء أكانت المحطات الفضائية او مواقع الانترنت أو غيرها، مما أوقعهم في الاضطراب والتشتت والصراع القيمي، فهم لا يعرفون من يصدقون، وبمن يثقون.
ما نصل إليه من هذا الموجز السريع، هو ضرورة أن نُعرف أبناء مجتمعنا و نبين لهم القيم الصالحة، ويتوجب علينا تعليمهم كيفية الاعتقاد والعمل بهذه القيم ، ونعلمهم كيفية استبدال القيم الطالحة بالصالحة، بل ونعينهم على تحديد القيم وكيفية اختيارها بما يتناسب مع كل فرد وكل مجتمع.
أما إذا بقي أبناء مجتمعنا يحملون قيم المثليين والمطربين والفاسدين والقتلة، أو تجده متناقضاً في القيم التي يحملها، وتجد المؤسسات الثقافية والإعلامية لهذا البلد غير قادرة على تنمية وتطوير ابناءه، فلا مناص لنا من أن نجنح لما كسبته أيدينا وحينها يصدق علينا قوله جل وعلا: ذوقوا ما كنتم تكسبون.