دراسات

الفقيه والمثقف وإشكالية وعي التراث والعصر


 

د. علي المؤمن||

 

    لاتزال قضية العلاقة بين الفقيه والمفكر والمثقف، واتجاهات الوعي لدى كل منهم؛ تشغل أصحاب الاهتمام والاختصاص في الساحة الإسلامية؛ بالنظر لحساسية نتائجها وخطورتها؛ لأنها تدخل في تحديد جانب كبير من مصير الشعوب المسلمة، حاضراً ومستقبلاً.

    هذه القضية الشائكة؛ يمكن تقسيما إلى ثلاثة محاور رئيسة:

    1 - اتجاهات الوعي لدى كل من الفقيه والمفكر والمثقف، أي الجانب النظري في المسألة الثقافية.

    2 - التخصصات والأدوار الدعوية والدينية الاجتماعية لكل من الفقيه والمفكر والمثقـف، أي جانب الممارسة والتطبيق في الاحتماع الديني.

    3 - علاقة تلك الاتجاهات والتخصصات والأدوار بعضها ببعض، وأسس التكامل بينها وأطره.

    المحاور الثلاثة المذكورة، أفرزت - من جهتها - مجموعة إشكاليات، أهمها:

    أولاً: عدم وعي بعض الفقهاء بالعصر ومتطلباته، وانكفائهم عن معالجة قضايا الواقع، أو معالجتها بأساليب لاتأخذ تحولات الموضوعات وظروفها الزمانية والمكانية بنظر الاعتبار.

    ثانياً: عدم امتلاك بعض المفكرين الإسلاميين أدوات الكلام الإسلامي والتفقه، أي عدم توافرهم على إمكانية الاستنباط من النصوص الشرعية، في مجالات العقيدة والفقه؛ لكنهم ينظِّرون في مختلف مجالات الفكر الإسلامي.

    ثالثاً: عدم وعي بعض المثقـفين الإسلاميين بالتراث الإسلامي وعلومه، وأهمية هذا التراث في تأصيل فكرهم وحركتهم في السياسة والاجتماع والعمل الاسلامي، ولا يمتلكون إمكانية الاستفادة منه؛ لكنهم ـــ في الوقت نفسه ـــ يقاربون قضايا إسلامية بحاجة إلى تخصص أو إلى مستوى علمي قريب من التخصص.

    ففي الواقع الإسلامي هناك من يتصور بأن التراث الفقهي، والعلوم الأخرى المرتبطة به ارتباطاً وثيقاً، كأصول الفقه وعلوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم اللغة، هو محور تخصص الفقيه، وأن الفكر المعاصر والتراث الكلامي والفلسفي هو محور تخصص المفكر، وتبقى ثقافة العصر وتيّاراتها المختلفة هي من تخصص المثقـف. إلّا أن التصور يعكس نقصاً أساسياً في الرصيد المعرفي والثقافي؛ على اعتبار أن الفقيه الذي لا يعي العصر وتحولاته؛ لا يمكنه معالجة قضاياه معالجة تنسجم مع الواقع. أما المفكر الإسلامي الذي لا يمتلك القدرة على فهم النص الديني والتراث الفقهي والعلوم المرتبطة به فهماً قريباً من التخصص؛ فإنه سيكون عاجزاً عن التنظير والتأسيس الفكري في مختلف المجالات. في حين أن المثقـف الإسلامي الذي لا يعي التراث وعلومه ولا يقدر على استيعابه؛ فسوف لن يتمكن من ممارسة دوره الحقيقي في النقد والتغيير والتوعية.

    وفي قبال ذلك؛ هناك من المهتمين من يقول بضرورة اتخاذ إجراء احترازي لاقتلاع جذور النقص من أساسها. ويتمثّل هذا الإجراء في إدخال تعديل على مفاهيم ومصطلحات كالفقيه والمجتهد والمفكر والخبير والمثقف وأمثالها، وإضافة قيود موضوعية وشروط جديدة لها. فمثلاً؛ يكون وعي العصر وثقافاته وتحولاته، وفهم قضايا المجتمع وحاجاته في مختلف المجالات، إلى مستوى القابلية الكاملة على تحديد مصالح المجتمع، هي من شروط إطلاق لقب فقيه أو مجتهد على المتخصص في العلوم الدينية. كما تكون القدرة على فهم النص والتراث فهماً علمياً والإفادة منهما في بناء النظرية الإسلامية، إلى مستوى يقترب من الاستنباط، هي من الشروط التي يجب توافرها في المفكر الإسلامي. أما وعي التراث واستيعاب علومه، بمقدار فهمها، وليس التخصص فيها، فهي من شروط إطلاق لقب مثقـف إسلامي على أي مثقـف.

    هذه الإشكاليات سنقاربها في المقالات القادمة عبر أربعة محاور مستقلة:

الأول - مصطلحات الفقيه والمفكر والمثقـف، وإشكالية التفكيك بينها (المدخل).

الثاني - إشكالية وعي التراث والعصر لدى الفقيه والمفكر والمثقـف (جانب النظرية).

الثالث - إشكالية التخصص والأدوار (جانب الممارسة).

الرابع - أسس التكامل وأطره (المعالجة).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك