عبد الكريم الجيزاني||
الذي يتابع واقع الشيعة في العراق يرى ان هذا المكون يمثل اكبر مساحة في جغرافية العراق و اكبر نسبة سكانية تصل الى 65% و هذا يعني ان المكون الشيعي كان و ما زال و سيبقى المكون الاكبر و الرئيسي في العراق، لذلك يتخوف الاخوة الكرد و الاخوة السنة من اجراء الاحصاء السكاني خوفاً من خسارتهم للمكاسب التي حصلوا عليها من خلال (الغباء) الشيعي المتكلس في نفوس اغلب قادة الشيعة، الامر الذي ادى الى انتعاش المناطق الكردية و السنية و تراجع المناطق الشيعية بشكل مخيف.
اذا اردنا ان نضع شيعة العراق تحت المجهر فسنرى ان عفوية القيادة الشيعية (علماء الدين، السياسيين) كانوا سبباً مباشراً بخسارة الشيعة لموقعهم القيادي عند تشكيل الحكومة العراقية الاولى بقيادة (عبد الرحمن النقيب)الذي يعتبر من الد اعداء الشيعة في العراق و هذا هو الخطأ الجسيم الكبير الذي حرم الشيعة من استلام حكم العراق بعد خروج الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى،ثم تتويج الملك فيصل الاول الذي جاء من الحجاز الذي اصبح ملكاً على العراق و لم يتصدى اي قائد شيعي لهذه المسؤولية الخطيرة فربحها المكون السني و خسرها الشيعة و رغم تقلد المكون السني للموقع الحساس (رئاسة الوزراء) التي ذهبت الى هذا المكون و بمئات المرات في تشكيل الوزارات لم نجد من هذه المئات التي مثلها المكون السني سوى خمسة من الشيعة تبوأوا هذا الموقع.
و رغم كل هذه المفارقات التي قتلت أماني المكون الاكبر (شيعة العراق) ثار عدد من الضباط السنة في حركة مايس التي اسقطت الحكومة و انقلاب بكر صدقي و غيرهم لكسر استئثار نوري السعيد بتشكيل الحكومات بأوامر (بريطانيا العظمى) و لم تدم هذه الحركات إلا أشهر.
لو نعود الى المجهر ماذا سنرى من خيال الشيعة في العراق :-
اولاً: انقلاب 14 تموز كان بقيادة سنية و قاعدة جماهيرية شيعية دعمت الانقلاب و نجحته.
ثانياً: الذين قاوموا انقلاب 8/شباط/1963 هم الشيعة و ليس (الشيوعيون) و خاصة في الكاظمية المقدسة و في الرصافة و هم عزل من السلاح لذلك نجح الانقلاب بالسلاح المصري (بور سعيد) و سقط الألاف من ابناء المكون الشيعي شهداء في هذه المعركة التي استمرت اسبوعاً كاملاً بقيادة سنية حاقدة على الشيعة في العراق.
ثالثاً: بعد انقلاب 17متموز/1968 الذي قاده ضباط مستقلون سنة و عودة حزب البعث المجرم الى السلطة بدأت الحروب الطائفية و المناطقية و المكوناتية و العنصرية وتم استبعاد الشيعة من اي موقع حكومي باستثناء قلة قليلة من البعثيين الشيعة امثال الزبيدي و سعدون حمادي الذين لا اثر لهم في هذه المواقع لان الذين يديرونها هم من ابناء السنة.
في هذا المفصل الزمني و بعد أن استتب الوضع للسنة البعثيين بدأت بعض الحركات الشيعية السرية تستثمر المنع البعثي لزيارة الاربعين فحدثت انتفاضة صفر ثم تلتها انتفاضة رجب عند اعتقال الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض) ثم انتفاضة 15/شعبان/1991 بعد غزو الكويت. فأعطى الشيعة الاف الشهداء دون جدوى.
السؤال المهم هل استطاع قادة الشيعة في العراق من بناء قاعدة جماهيرية تستطيع ان تسقط حكم الاقلية كما حصل في انتفاضة شعبان عام 1991؟؟.
الجواب سيكون صادماً للأسف الشديد لماذا لم ينتصر الشيعة في العراق بانتفاضتهم و لماذا لم يستلموا الوزارة في العهد الملكي كما فعل السنة؟ نقول هناك عدة اسباب :
اولاً :استئثار بعض البيوتات الشيعية صاحبة الجاه و الاموال بمواقع لا تتعدى اصابع الكف الواحدة و اسكتوا الجماهير و زجوا الشباب الثائر في السجون و المعتقلات و الاعدامات.
ثانياً: كل الحركات الثورية فشلت بسبب غياب العنصر العسكري (ضباط في الجيش العراقي). بسبب الاستكانة الرهيبة للوضع القائم و حرمان الشيعة من اي موقع عسكري خوفاً من قدراتهم الكبيرة في الاستيلاء على الحكم.
ثالثاً: زج شباب الشيعة في حربين خاسرتين الحرب العراقية الايرانية و غزو الكويت. هذه الحرب العبثية التي سببها النظام المقبور بهمجيته المعروفة.
رابعاً: هنا بدأ عامل مثير يتحرك في اجواء الاحزاب التي تطمح لقيادة العراق و وقعوا تحت (وكل حزب بما لديهم فرحون). مما ادى ذلك لانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة.
خامساً: التناحر الحزبي داخل المكون الشيعي حتى قال لهم احد العلماء(انتم اصبح كل منكم يسحب النار لقرصه) وبالفعل كان قادة الاحزاب لا يطيقون غيرهم من القادة في الاحزاب الاخرى.
بعد سقوط النظام البائد. فماذا حصل في العراق؟
1- تقاتلت الاحزاب للحصول الى الحكم (رئاسة مجلس الوزراء) فتفرق الجمهور الى متحزبين مختلفين تحت وطأة قادة الاحزاب الذين همهم الوحيد الوصول الى سدة الحكم دون الاهتمام بجماهيرهم.
2- استأثرت الاحزاب بالمال العام من خلال اللجان الاقتصادية فأثرى من اثرى و جاع من جاع ووصلت الفضائح الى اعلى مستوى في العراق الجديد.
3- بعض هذه الاحزاب ادخلت في صفوفها اعدائها من البعثيين (ضباط في الجيش و الشرطة) و حتى من افراد الامن العام للنظام البائد بحجة (القرابة) فكانوا خير عون للبعثيين لاحقاً.
4- عدم الاستماع لإرشادات المرجعية الدينية و التي اغلقت ابوابها بوجههم بعد أن بح صوتها.
5- بعض الاحزاب التي شعرت بالضعف و ابتعاد الجماهير عنها لأنها اصبحت مكشوفة في الاستئثار بالأموال العامة، لذلك مدت يدها الى خارج المكون الشيعي فأصبح (عدو عدوي صديقي).. اذاً ما هو الحل:
لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تبدأ الاحزاب الشيعية بالتقارب مع بعضها البعض الا من خلال الاموال و هي بالتأكيد متوفرة لدى الآخر المنافس. او ان تنقلب الاحزاب الشيعية على نفسها و تخرج من دائرة الذات و الانا و تلتحم بعضها مع البعض الآخر و الاخذ بمقولة (عفى الله عما سلف) ولابد من اعادة نظر الاحزاب الشيعية بالمكون الشيعي و العمل على اعادة الثقة بالجماهير الشيعية المشتركة و ليس المتفرقة كأحزاب و حركات بل كمكون شيعي واحد و بقيادة مشتركة تستطيع ان تنزع رداء البغض و التكبر و العداء الحزبي والشخصي و غيرها من مثبطات العزائم : يا احزابنا الشيعية توحدوا. لأن العبيد فقط هم من يصنعون جلاديهم بأيديهم.