🖊ماجد الشويلي||
تُرى هل تقتصر الحركة الثورية على المسلمين فحسب أم أن المنهج الثوري هو منهج فطري نابع من اعماق ماجُبل عليه الانسان من قيم يرفض من خلالها الانصياع للطغاة والخضوع للمستكبرين ؟.
فمن خلال استقراء تاريخ البشرية، واستنطاق آيات الله البينات ، تتكشف لنا حقيقة مفادها أن لافرق بين الفطرة النقية والدين .
((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) (30)
والتأريخ البشري حافل بالثورات والانتفاضات على المستكبرين والطغاة والجبابرة ، وبعد ان جاء الاسلام عبر بشريعته السمحاء تعبيرا ناصعا وجلياً عن تلك الفطرة الانسانية ، وشرع الجهاد ووضع له احكاماً خاصة ليشذب الحراك الثوري ويمنهجه بالنحو الذي يحافظ فيه على غائيته العقلائية.
وقسَّمه الى انحاء عدة ، منها على صعيد مجاهدة العدو ؛ جهاد ابتدائي، ودفاعي .
وعلى الصعيد الاعلامي كذلك .،فقد جعله كما في الحديث الشريف((اعظم الجهاد عند الله كلمة حقدعند سلطان جائر))
وعلى المستوى الاخلاقي بين أن هناك جهاد يسمى (الجهاد الاكبر )وهو جهاد النفس ،للتغلب على ميولاتها وغرائزها الذميمة .
لكن بالنسبة لجهاد العدو والثورة عليه في عصر وجود المعصوم ع ؛ فان المعصوم ع كان على رأس الثائرين والمنتفضين ضد الظلم والطغيان والاستبداد .
صحيح أن المعصوم ع لم يحدد كيفية معينة لشكل الانتفاضة بوجه الظالم والخروج عليه وكان اذا اراد الخروج والثورة بنفسه او بقيادته يتحين الظروف المناسبة لتلك الثورة ويرسم لها سيناريوهاتها الخاصة بها كما فعل الامام الحسين ع .
لكن في الوقت ذاته لم نسمع بأن المعصوم ع حرم الثورة على الطغاة أو حصر اندلاعها بأذنه فحسب .
إلا في حال كانت الثورة مدعية انها بأمره وهو لم يأمر بها ، أو أن الثورة تعرقل أو تؤثر تأثيراً مباشراً على خطته (ع) والستراتيجيات التي يرسمها
ولو اخذنا على سبيل المثال موقف الامام الصادق عليه السلام من ثورة عمه زيد (رض) نجد أن الامام كان يترحم عليه ويدعو له ، ولم يصدر عن الامام ماحرم على زيد ع القيام بالثورة .
يقول الفضيل : دخلت على الصادق (عليه السلام) فقلت في نفسي: لا أخبرته بقتل زيد بن علي فيجزع عليه، فلمّا دخلت قال لي: يا فضيل ما فعل عمّي زيد؟ قال: فخنقتني العبرة، فقال لي: قتلوه ؟ قلت: إي والله قتلوه. قال: فصلبوه؟ قلت: إي والله صلبوه. فأقبل يبكي ودموعه تنحدر على ديباجة خدّه كأنّها الجُمان، ثم قال: يا فضيل شهدت مع عمّي قتال أهل الشام؟ قلت: نعم. قال: فكم قتلت منهم؟ قلت: ستة. قال: فلعلّك شاكّ في دمائهم؟ قال: فقلت: لو كنت شاكاً ما قتلتهم. قال: فسمعته وهو يقول: أشركني الله في تلك الدماء، مضى والله زيد عمّي وأصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب وأصحابه[
بحار الانوار ج46ص182.
وهذه الثورة كنموذج ، نستكشف من خلاله أن أصل العمل الثوري عمل مشروع خاصة ان كان هناك ظلم واضطهاد وقهر ، حتى من غير أذن المعصوم ع بشكل مباشر .
نعم أذا نهى المعصوم عن الثورة فذلك بحث آخر .
أما في زمن الغيبة وامتلاك الفقهاء زمام الافتاء فان العمل الثوري كذلك لم يتوقف
ففي الشام أفتى السيد عبد الحسين شرف الدين بالجهاد ضد الفرنسيين،
وفي العراق فجر الفقهاء ثورة العشرين، وفي إيران وباكستان وغيرها من البلدان التي يقطنها الشيعة هناك الكثير من الثورات والانتفاضات .
حتى قيل (أن الشيعة أهل ثورة وليسوا أهل دولة) حتى جاء الامام الخميني( رض) والشعب الايراني واثبتوا بطلان هذه المقولة
أننا الان لسنا في معرض اجراء المفاضلة بين الخط الثوري وخط الانكفاء بقدر ما نسعى لتثبيت شرعية العمل الثوري ومشروعيته في زمن الغيبة
الكبرى .
فالعمل الثوري يفرق عن اعلان الجهاد بمفهومه الفقهي العام ، حتى يقال أن العمل الثوري يستلزم أمرا شرعياً من مرجع التقليد حصراً .
أذكر أن شاباً جاء ذات يوم للسيد حسين بحر العلوم (قده) في منتصف تسعينيات القرن المنصرم وكان البعثيون قد عاثوا في ارض العراق فسادا ، ليأخذ منه الاذن بقتل أحد جلاوزة البعث .
وماكان من السيد بحر العلوم الا أن قال له باللهجة العامية ((هو انت كتلته واني كتلك لا))!!
وحتى الجهاد الابتدائي الذي يرى جملة من الفقهاء أنه مرهون بأمر المعصوم ع فأن
زعيم الحوزة العلمية والمرجع الاعلى في حينه السيد ابو القاسم الخوئي (قدس)
على سبيل الفرض كان يرى أن بامكان مرجع التقليد (الفقيه )أن يعلن الجهاد الابتدائي .
وتبقى العلة واحدة سواء باعلان الجهاد أو الثورة والانتفاضة هي اما لحفظ الدين أو الارض والعرض أو لحماية النفس المحترمة والمال وماشاكل.
البعض يتصور أن العمل الثوري لابد أن يكون بغطاء شرعي ؛نعم هذا الامر صحيح
لكن في ذات الوقت يجب علينا أن نلتفت الى ان هناك احكاماً ثابته في الاسلام غير مرتبطة برأي الفقيه .
فاصل اداء الحج وصيام شهر رمضان ووجوب اداء الصلاة هذه أحكام لايحددها الفقيه وانما يتدخل في بيان تفاصيلها وحيثياتها .
وآراء الفقهاء تختلف في المسائل الشرعية التفصيلة كاختلافهم في المفطرات مثلاً.
لكن هذا الاختلاف في هذه الجزئية لا يمنع من الامتثال للامر الالهي القاضي بالصوم واطنابه .
لعل البعض يصر أن المقاومة بكل اصنافها الثقافية والعسكرية وغيرها لاتصح الا بأمر
شرعي ، ويأتي الكلام هنا ماهو ملاك الشرعية عندكم .
هل هو كتاب الله الذي تعج آياته بالدعوة للجهاد ومقارعة الظالمين ، أم سيرة أهل البيت ع الطافحة بهذه المعاني .؟
أم رأي الفقيه ونحن نعلم أن آراء الفقهاء متباينة في كثير من المسائل ومنها تحديد (زمكانية) الجهاد والمقاومة ، فما يراه بعض الفقهاء وجوباً يراه البعض الآخر كراهية أو حتى حرمة وهكذا .
نعم قد يرى البعض أن شرعية المقاومة والجهاد محصورة بفقهاء النجف الاشرف وليس في حوزة أخرى كحوزة قم المقدسة باعتبار أن المرجعية العليا فيها .
لكن الواقع يكشف غير ذلك، فبعض فقهاء النجف يفتي بالجهاد والمقاومة كما أن بعض فقهاء قم لايرون الجهاد والمقاومة !!
وعليه لايصح أن يقال أن العمل الجهادي ليس شرعياً خاصة اذا كان مستندا لحجة شرعية، ورأي فقيه جامع للشرائط ، فضلاً عن أسس وضروريات الدين التي حثت على العمل الجهادي.
الغريب أن هناك من يعتقد بوجود المهادنة الشرعية لانها تستند لرأي فقيه من الفقهاء
ولايقر بوجود الحركة الثورية التي تستند ايضا على رأي الفقهاء.
اعتماداً على أن شرعية العمل الجهادي هي الاساس ببيان صحة العمل من عدمها ،ورغم أن هذا صحيح جدا الا ان هذا الامر لايمكن أحرازه الا بحضور المعصوم ع
أما في زمن الفقهاء فان غالبية الاحكام الحساسة كالجهاد والمقاومة ونسق العلاقات الخارجية خلافية بين الفقهاء
بل لو اننا تعمقنا أكثر ودققنا في الامر سوف لن نجد شيئا اسمه المهادنة الشرعية في زمن المعصوم ع.
فكل سيرة المعصومين ع كانت عبارة عن مجابهة مستعرة مستمرة بينهم وبين الطواغيت وماتلك المحطات التي عقد فيها الصلح كصلح الحديبية وصلح الامام الحسن ع الا هدنة في إطار الحرب والمواجهة ، وليست هدنة بديلة عن المواجهة بل للتمكين من المواجهة .
نعم البعض هكذا يتصور أن الهدنة هي منهاج بديل عن المقاومة والحال أن الهدنة موقف جزئ من استحقاقات المواجهة احياناً تقتضيه ظروف المعركة والمواجهة .
وهي مسألة وقتية ومحددة بأسقف زمنية
كصلح الحديبية وصلح الامام الحسن ع وليست مفتوحة (منهاجاً).
فلم يكن الصلح أو المهادنة هي المنهاج الاساسي للرسول الاعظم (ص) والامام الحسن (ع) بل كان الاساس هو الحركة الثورية الجهادية المعلنة .
إن المهادنة لاتأتي الا بعد مواجهة معلنة ولاتأتي ابتداءً حتى يتصور البعض أننا في الشريعة أمام منهجين الاول مهادن والآخر
ثوري .
إن منهج الحسن ع كان منهجاً ثورياً طرأت عليه ظروف قادته للهدنة المؤقتة.
ومنهج الحسين ع منهج ثوري دفعته الظروف والملابسات لتكثيف العمل الجهادي الى ابعد حد.
ومن الظلم للامام الحسن ع أن يجيَّر المنهج المهادن بأسمه لالشئ الا ليبرر بعض المتقاعسين تقاعسهم وانكفائهم عن مواجهة الطغاة.
ولم يقف هذا التبرير عند ظلم الحسن ع بل امتد لثورة الحسين ع وتضحيته بذات الدوافع النكوصية ليقول البعض أن نهضة الامام الحسين ع وحركته الفدائية للاسلام بمشهدها التراجيدي المأساوي هي تكليف خاص للحسين ع وحده فحسب ولايحل لغيره.
ويؤسس لهذه الفكرة كي تتحول منهاجاً سلوكيا بغطاء شرعي يستهوي النفوس التواقة للدعة والراحة والهناء وما اكرهم
ويحقن ضميره بمخدر هذا التبرير الواهي ليسلم من تأنيباته ووخزاته .
لكن سرعان مايفقد هذا التبرير مفعوله مع أول اهانة يوجهها له المستكبر والطاغي الذي داهنه في الحقيقة ولم يهادنه بروح ثورية .
https://telegram.me/buratha