حسن عبد الهادي زاير العكيلي||
ان النزوح والتهجير القسري في العراق ليس بجديد , انما له جذور مشؤومة ممتدة منذ منتصف القرن الماضي من تهجير الكورد وضحايا التغيير الديموغرافي والنازحين من المدن والقصبات والقرى الحدودية نتيجة الحروب وتجفيف الاهوار .
الا ان النزوح الذي حصل في عام 2006 ونزوح الاقليات خاصة المسيحيين والايزيدين والشبك في عام 2014 ذات طابع خاص ومهدد للسلم المجتمعي بشكل خطير وتاتي خصوصية هذا النزوح من خطورة الاجندات التي استهدفت العناصر الاساسية للسلم الاجتماعي وتفكيك النسيج المجتمعي للدولة العراقية وتمزيق وحدته وزرع الكراهية والعداء بين فئاته والتمييز بينهم على اساس الانتماء الطائفي او العرقي او الديني بل امعن تنظيم داعش الارهابي في زرع البغضاء بين العشيرة الواحدة وبين العائلة الواحدة ببث عقائد وممارسات شاذة منبوذة لدى كل المجتمعات الانسانية وفي جرهم الى متاهات التصنيف بين ناصر لداعش ورافض من نفس العائلة او العشيرة.
هذه الاعتبارات صعبت كثيرا عملية اعادة العوائل النازحة رغم تحرير المناطق من ايدي تلك العصابات الضلامية الامر الذي يستدعي وضع معالجات خاصة وغير تقليدية لاعادة العوائل النازحة الى مجتمع امن وتحقيق السلم الاجتماعي وارساء ركائز المصالحة المجتمعية.
المفاهيم
النازحون
هم اشخاص او مجموعات من الاشخاص اضطروا او اجبروا على الفرار او على مغادرة ديارهم او اماكن اقامتهم المعتادة سعياً لتفادي اثار نزاع او حالات عنف عام او انتهاكات لحقوق الانسان او كوارث طبيعية او كوارث من فعل البشر ولم يعبروا حدود دولة معترف بها دولياً. ( اللجنة الدولية للصليب الاحمر- المركز الاقليمي القاهرة 2010 )
النازح
هو من اكره او اضطر الى ترك محل اقامته المعتاد الى مكان اخر داخل اقليم دولته لتجنب حالات العنف العام او انتهاك حقوقه الانسانية او كارثة سواء( أكانت طبيعية او بفعل انسان) او جراء تعسف السلطة او بسبب مشاريع تطويرية. يتفق النازح مع اللاجئ في القسرية اذ ان كلاهما نتاج التهجير القسري ويختلفان في ان اللاجئ او طالب اللجوء يعبر الحدود الاقليمية الى دولة اخرى والنازح ينتقل داخل حدود اقليم الدولة.
النظام القانوني للجوء يختلف عن النزوح اذ ينص المبدأ 25/ 1.2 من المبادئ التوجيهية لمعالجة النزوح الداخلي على:
1- يقع على عاتق السلطات الوطنية في المقام الاول واجب ومسؤولية تقديم المساعدة الانسانية للنازحين داخلياً.
2- يحق للمنظمات الانسانية الدولية وغيرها من الاطراف المعنية عرض خدماتها لمساعدة النازحين داخليا . ويجب الا ينظر الى هذا العرض على انه استعداء او تدخل في الشؤون الداخلية للدولة وانما يجب النظر اليه بحسن نية.
في حين ان يكون اللجوء محكوم بالقواعد القانونية الدولية المنصوص عليها في اتفاقية 1951 والخاص بوضع اللاجئين وبروتوكول عام 1967 والوكالة الدولية المتخصصة هي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
السلم الاجتماعي:-السلم الاجتماعي هو حالة السلم والوئام والاتفاق والانسجام داخل المجتمع نفسه وفي العلاقة بين شرائحه وقواه . والسلم الاجتماعي بمعنى اخر هو غياب الحرب والعنف والجرائم الاخرى المنظمة كالارهاب او النزعات العرقية او الدينية او الطائفية او المناطقية.
والسلم الاجتماعي هو الذي يحفظ المجتمع واستمراريته فالمجتمع الذي يتكون من مجموعة الافراد المختلفون بالضرورة عن بعضهم البعض سواء في انتمائهم الديني او المذهبي او العرقي او موقعهم الاجتماعي او الوظيفي ولكن يربطهم جميعا ما يطلق عليه العقد الاجتماعي.
مقاييس السلم الاجتماعي:المصالحة المجتمعية الوطنية هي حل استراتيجي وصيغة انقاذ للمجتمع وثقافة حياة لابديل عنها الا الاحتراب الداخلي او تجزئة الدولة.لذلك حين يراد تقويم اي مجتمع يجب تشخيص البناء الاجتماعي لهذا المجتمع وبيان مدى انسجام وتوازن علاقاته وتفاعلاته الاجتماعية فانسجامها يعني سلامتها وامكانية تنميته وتطويره وتقدمه بينما الصراعات الحادة السلبية والعنف المستمر هي علامات انهياره , وللعمل على تحقيق التوازن ومن اجل بناء مقومات المصالحة المجتمعية والسلم الاجتماعي بشكل صحيح ضرورة نحتاج الى:-
1- تحقيق الانسجام والتعاون بين الاديان والمذاهب الدينية وابعاد كل مايخلق التوتر او العداء بين المواطنين.
2- المساهمة بتقديم الرؤى والافكار والمشاريع الثفاقية والاعلامية المرسخة والداعمة لمشروع السلم المجتمعي .
3- بناء معايير لحكم الدولة اساسها الديمقراطية العقلانية والابتعاد عن التمييز والمحاصصات الطائفية السياسية والعرقية.
4- جعل المصالحة المجتمعية مطلباً ضاغطاً على السياسي لانجازها باعتبارها اسلوب لاثراء الحياة .
مهدددات السلم الاجتماعي:
من المهم توضيح بعض التهديدات التي تواجه السلم الاجتماعي وتؤخر او تصعب المصالحة المجتمعية الوطنية والتي تخلق حالة من الصراع السلبي والعلاقات غير المتكافئة في المعاملات والتفاعلات الاجتماعية والسياسية والتي تلحقها تبعات اهم سماتها العنف السياسي الذي يعيد انتاج التوتر وعدم والانسجام وحالات نزوح المواطنين من اهم نتائجها واكثر صورها ايلاماً وهذه بعض مهددادت السلم الاجتماعي
1- تزايد المشكلات العشائرية وخصوصا حالات الثار مما يؤدي الى انشغالها عن وظائفها الاساسية في البناء الاجتماعي والتنظيم.
2- الاتجاهات الدينية المتزمته وتأثيراتها على الواقع السياسي والاجتماعي
3- تشنج الخطاب السياسي التي تغذيه العملية السياسية التي بنيت على اساس المحاصصة .
· اسباب النزوح:
1- الاستيلاء على بيوت المواطنين وبيع اثاثها من قبل داعش وتكتب عادة عبارة (وقف) على البيت المحجوز من قبلهم .
2- الاتاوات والضرائب واجبار المواطنين على دفع الاموال عنوة ولاسيما التجار واصحاب المحلات والمقاولين وقد تم انشاء تنظيمات لهذه الجبايات من قبل داعش وباسماء متنوعة (الحسبة- بيت المال) وغيرها.
3- التدخل في شؤون السوق ومنع بيع وشراء بعض المواد الغذائية والملابس وغيرها.
4- التدخل في شؤون الناس الخاصة مثل فرض ازياء معينة للملابس ولاسيما النساء ومنع ملابس اخرى يرتديها المواطنين.
5- التدخل في عمل مؤسسات الدولة وتغيير نظامها وفرض واجبات على الموظفين حسب قناعات داعش والتلاعب في رواتب موظفي الدولة كأن تقطع بعض الرواتب او تنقل لاشخاص اخرين يتم تعينهم عن طريق داعش.
6- تجنيد الاطفال والكبار بالقوة واجبار بعض المواطنين من رجال ونساء على الزواج حسب قواعد داعش .
7- الخوف من الانتقام من بعض العشائر او الافراد على اساس تعاونهم او تعاطفهم مع داعش ووصمهم بهذا الفعل .
8- خوف كثير من المواطنين على مستقبل ابنائهم في المدارس وحرصا على اكمال العملية التعليمية في مدارس امنة تحت ظل الحكومة اجبر الناس على النزوح.
9- قلة الخدمات بجميع اشكالها الماء- الكهرباء-الوقود وغلائها
· السياسات الاجتماعية لاحتواء النازحين واثرها في المصالحة المجتمعية.
السياسة الاجتماعية مجموعة البرامج والخطط والقرارات التي تتوصل اليها الدولة ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية والمهنية في حيز ديمقراطي تتحدد فيه الاساليب والغايات من اجل تقديم افضل الخدمات والحاجات الاجتماعية للمواطنين .
بدأت تظهر اهمية السياسة الاجتماعية في المجتمع العراقي تلبية للظروف الاجتماعية والسياسية والامنية التي يمر بها العراق وعلى هذا الاساس تساهم السياسات الاجتماعية في احتواء وحل قضايا ومشاكل النازحين وتساهم في بلورة السلم الاجتماعي وتؤسس لمصالحة مجتمعية وترى وزارة الهجرة والمهجرين ان اهمية تحديد السياسة الاجتماعية تكمن في :
1- السياسة الاجتماعية تساعد على تجنب الوقوع في الاخطاء بسبب الارتجال والخطط غير المدروسة.
2- السياسة الاجتماعية تساعد في وضع البرامج والمشروعات المطلوبة في تحقيق السلم الاجتماعي والوصول الى الاهداف المطلوبة بتوضيح مجالات العمل الاجتماعي واتجاهاته.
كما يتم عن طريق تحديد السياسة الاجتماعية :-
• تعاون المسؤولين عن وضع الخطط والبرامج والمشروعات التي يجب الاعتمام والالتزام بها من اجل تحقيق الاهداف.
• تحقيق الاهداف التي يحتاجها المجتمع واهمها الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي .
النزوح جرح الوطن النازف وهذا الامر يستدعي وضع معالجات خاصة وغير تقليدية لاعادة العوائل النازحة الى مجتمع امن وتحقيق السلم الاجتماعي تاخذ بعين الاعتبار خصوصية المناطق والمجتمعات التي تعرضت للنزوح واستغلال جميع الامكانيات التي تحقق تلك النتيجة اضافة الى دور الاشخاص الفاعلين في المجتمع من رجال دين وشيوخ عشائر لقناعتنا بعدم امكانية تحقيق السلم المجتمعي الا من خلال الحوار والتفاهم بروح التسامح والمحبة والرغبة في العيش المشترك ومشاركة الجميع دون استثناء ونبذ كل العناوين التي تؤدي الى تكريس العداء وفتح الجراحات والبدء باصلاحات قادرة على محاربة الفقر والجهل والتخلف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
مهدي عباس قادر ،السياسة الاجتماعية في اقليم كوردستان
نينا بيركلاند.النزوح الداخلي.
معن خليل عمر.الموضوعية في البحث الاجتماعي
https://telegram.me/buratha