رياض البغدادي ||
أن الجماهير في حالة ضعفها، وفي حالاتها الاستثنائية، تفقد كثيرا من رهافة حسها، وتحتاج الى اكثر الادلة مادية، لكي تستطيع أن تميز بين الصدق والكذب، ولا ينبغي في كل الحالات، أن نلقي باللائمة عليها .
واذا كانت الأمة قد فقدت ثقتها بالانظمة وبالحركات، فان تلك الأنظمة هي التي دفعت الجماهير الى ان تفقد ثقتها بها، وسواء كانت الحركات قد ضللت الجماهير عن قصد، وحاولت استخدامها لتحقيق مآربها في مرحلة معينة، والتخلي عنها في مراحل اخرى، أو أن الظروف هي التي اوجدت هذه الأرضية القلقة وغير المستقرة من الثقة، فإن ذلك كله سيصعب عملية نقل الامة الى المرحلة الحاسمة التي يؤكد عليها نهج أهل البيت (ع) وهي المرحلة التي يتحول فيها كل المسلمين إلى مجاهدين، ولاجل تحقيق هذا الهدف السامي كان لابد اذن من استحضار حالة الأمة في أوج ذاتها، حينما اصبح كل المسلمين منتظرين لظهور الامام المعصوم ليكونوا جنودا في حركة الجهاد التي سيقوها، وان ما فعله قائد جبهة المقاومة ومؤسسها الامام الخميني (رض) هو أن فتح لهم آفاق الجهاد، واوصل الامة الى قناعة راسخة بأن المجاهد الممهد لظهور الامام هو بالحقيقة مجاهد بين يديه سلام الله عليه، لان الهدف الذي يجاهد من اجله هو ذات الهدف ..
ونحن في هذا المجال لا نريد المبالغة، ولا ننطلق من مواقف تجريدية، او نظرية، لسنا الان، ولم نکن اصلا في يوم ما مشغوفين بالمظاهر البراقة او مدفوعين باستجداء التزكيات، أن الذين يثقون بانفسهم وأمتهم، ويستطيعون تحقيق الانتصارات مهما بدت مستعصية، امثال هؤلاء لا يمكن أن يندفعوا وراء المظاهر الزائفة والبراقة والآنية، مهما لعبت بعقول وقلوب الآخرين، ومن هنا يمكن أن ننظر إلى حياة القادة الثوريين في جبهة المقاومة، لنلمس قربهم من الامة والمستضعفين بشكل خاص، ولنتبين مدى ايمانهم الراسخ، بأنهم جزء من فقراء ومستضعفي هذه الامة، وانما نذروا انفسهم لخدمتها.
ان الافتراق عن الجماهير من قبل بعض الأنظمة او المنظمات او القادة، هو محکوم اساسا بخوف تلك الأنظمة والقيادات من الجماهير، ومهما حاولت الادعاء بالايمان بالجماهير وقدراتها، فانها لا تستطيع أن تعبر عن ذلك، لانها لاتمثلها اصلا، فهي اذن لابد أن تبتعد عنها، حتی ولو ظهرت باشكال من الصلات التقليدية غير الحيوية.
اننا اذن ازاء : مرحلة جديدة لمهام جبهة المقاومة في العراق، هو أن تعيد بناء الثقة الراسخة مع الشعب، على اساس تراکم واسع من العمل المثابر في سبيل اهدافها الحقيقية، كما فعلت ونجحت في تحشيد طاقات الامة، استجابة لفتوى الجهاد الكفائي، لمواجهة الاستكبار العالمي المتمثل بالحركات الارهابية، المدعومة منهم، كداعش والنصرة والقاعدة وغيرها من الحركات اللقيطة، والمنتسبة زورا الى الاسلام .
لابد من الانتقال إلى المرحلة الحاسمة، حين تتحول كل جماهير الامة الى مجاهدين، كما هم المسلمون في زمن النبي (ص واله)، نعم، ليس هذا الأمر سهلا سهولة الألفاظ، انه أمر شاق، ويقتضي العمل والمثابرة، كما اننا لا نبالغ اذا قلنا انه سيكون امرا مضرا، اضرارا بليغا اذا فهمناه خاطأ ومجتزأ ... .ولا بد أن نشير الى مسائل اساسية في هذا المجال :
( 1 ) أن المهمة التي نندب جبهة المقاومة من اجلها، وبالرغم من أهمية نجاح التجربة الايرانية وتعمقها وقدرتها علی اجتذاب الجماهير الى هضم مفهوم الجهاد وكذلك التجربة الرائعة في المجتمع الفلسطيني فأن ذلك وحده لا يكفي، ولا يمكن له أن يصوغ الموازنة التي نريدها، فتلتحم حياة المجتمع الاسلامي بحياة جبهة المقاومة، وبشكل كامل يعبر عنه مصیریا فالتجربة الايرانية وكذلك الفلسطينية لها ظروفها الخاصة المختلفة .
( ۲ ) ان التطابق بين جبهة المقاومة والجماهير لا يمكن أن ينحصر في مجرد الايمان بالجهاد ایمانا عاما، أو الإجماع على اهداف عامة، مهما بدت قيمة ذلك في أي عمل ثوري .
( 3 ) اذا افترضنا أن هذا الأمر يمكن أن يتحقق فعلا، فهو لا يمكن أن يتحقق بشكل كامل، وبنفس المستوى من التفاعل؟ لاننا بذلك نغفل طبيعة المجتمعات، والتفاوت في مستويات وعيها ودوافعها .
( 4 ) الأهمية الحقيقية في اقتحام الجدار الذي حاولت القوى المعادية ان تضربه بين المجتمعات الاسلامية وقياداتها المجاهدة، لا يمكن ان ينجح، من خلال الاكتفاء بما قدمته او ما ستقدمه جبهة المقاومة، منطلقة من الموقف النسبي الذي يفاضل بين الأداء على اساس الافتراق الجزئي بينها، وليس على اساس تمثيلها للمطامح الجماهيرية، وتعبيرها عن جوهر مشاكلها والنهوض بمهماتها.... يتبع
https://telegram.me/buratha