وهكذا ضاعت فرص عديدة، ولكن بالمعيار الجهادي نقول أن الحقيقة التي لا يجوز أن تهدر، هي الفرص التي تتزاوج فيها الظروف الموضوعية بالعوامل الذاتية، وتكون فيها أية لحظة قابلة لتفجير حدث تاريخي لا ينحصر عند حدود زمان تفجيره او مكان هذا التفجير... ومن هنا كانت الحاجة الى الفكرة الجهادية الجديدة على هذا العالم، الفكرة التي لا يستطيع أن يدنسها زيف المدعين، ولم يتطاول عليها الادعياء، ولم يمسخها الرواج الكاذب، الرواج المتداول بين ايدي محترفي السياسة، والذين استفادوا من مآسي الأمة وكوارثها اكثر مما قدموا لها.. كانت هذه الفكرة المطلوبة فكرة ينبغي أن تسمو الى مستوى تعديل مسار الامة، المستوى الذي يجعل الانسجام بين الأمة في حاضرها، وبين قيمها وجوهرها الأصيل في ماضيها انسجاما منطقيا وطبيعيا، وبدون ذلك لا يمكن الا ان تبقى الأمة محكومة بكل الأوضاع السيئة التي تنشد اليها، منذ فترة غير قصيرة، وهكذا ولد الخط الجهادي المقاوم، المرتبط بالاسلام المحمدي الاصيل، الذي يربط الامة بإمامها المعصوم الغائب، من خلال جهادها لبناء دولة التمهيد له سلام الله عليه، وفي خضم هذه المعاناة يعلن الشهيد محمد باقر الصدر (رض) وثلة من المعممين الشباب في العراق عن ولادة الحركة الاسلامية الثورية، وبعدها بوقت قصير ينفجر الشارع الايراني ليعلن الامام الخميني (رض) فكرته الثورية، ليعيدا اتصال الامة في العراق وايران اتصالا وثيقا بجوهرها وماضيها، ويحددا المسارات الموضوعية لبناء مستقبلها، وانطلاقا من تقديرهما للامكانات الهائلة التي تزخر بها الامة، فيكون هذا التفجير السياسي في ايران والعراق كأنه اليوم الذي ولد التزاوج الحقيقي بين الامة وجوهرها المتمثل بأهل البيت عليهم السلام . وقد مثّل هذا الموقف الجديد هزة عنيفة في حياة الأمة، قد لا تكون اخذت کامل ابعادها في المراحل الأولى، بمعنى انها لم تلفت الانتباه، وبالمستوى المطلوب في بادىء شأنها، فما جدوى ان يقوم رجل عجوز، يجلس في احدى زوايا المدينة القديمة في قم المقدسة، يلتف حوله بعض الشباب المتدين، على انهاء حكم الشاه الجبروت الذي يملك مفاتيح واسرار منطقة الشرق الاوسط برمتها ؟ وما جدوى أن يقوم محمد باقر الصدر ورفاقه بتأسيس حركة جديدة، تلقي على نفسها مسؤولية هذه الأمة واعادة ربطها بنهج وفكر أهل البيت وطريقتهم المثلى ؟ التساؤل الذي ربما سيطر على الكثيرين ممن عاصروا نشوء حركة الامام الخميني في ايران وحركة الشهيد الصدرفي العراق، وفي احسن حالات حسن النية ... أما الذين كانوا لا يثقون بمستقبل هذه الأمة، والذين يجدون في ضعفها وتدهورها وانحسارها تناميا لمصالحهم، و تعزيراً لما كان تحت ايديهم من امتيازات، فاننا لا نعتقد انهم اخذوا الأمر أخذ الجد في بداية الحال .. مجموعة من الشباب يقودهم رجل دين تريد أن تدلي بدلوها مع الاخرين، وفي أحسن الحالات ستلهب المشاعر، لكي تطفئها بعد أن تفرغ كل حماسها في بيان، أو ربما الاشتراك في تظاهرة في أي موقف من المواقف .. الا أن الحركة الاسلامية الثورية الجديدة لم تكن كذلك، لانها تميزت اساسا ، بنظرتها الشمولية في إنقاذ الامة من تبعيتها لقوى الاستكبار، ومعالجة مشاكلها الروحية والتفكير الجدي في سبل معالجتها .. فلم تجيء الحركة الاسلامية في العراق وايران ردا سلبيا على موقف بعينه، ولا ازاء سياسات بذاتها، ولا بدافع منافسة هذه الحركة او تلك، ومنذ البدء لم يكن الاستكبار وحده هو الدافع لهذه الحركة، كما لم يكن الفقر ولا الفساد وحدهما، وانما كان ضياع الأمة في زحمة الثقافات المستوردة، وابتعادها عن الاسلام المحمدي الاصيل، الذي سبّب كل هذه الاوضاع السيئة التي عانتها الامة، هي التي دفعت الى نشوء وانطلاق نهضة الامام الخميني في ايران والشهيد الصدر في العراق، وبالتالي كان في مقدمة المعالجات التي طرحوها هي ضرورة الرجوع الى منهج اهل البيت عليهم السلام، واعلان الولاء التام لهم، والاعتراف بعدم جدوى كل ما جربته البشرية من نظريات سياسية، ما كانت تزيد الامم، الا بعداً عن الحلول الحقيقية لمشاكلهم فكان لزاماً ان توضع الصيغ والمستلزمات القادرة علی الانتقال بالامة، من وضع التردي الى وضع النهوض، ووضع المساهمة الانسانية الفاعلة ... ويوم اصبح لهذه الحركة الاسلامية الثورية، و بمعنى أدق لهذه الفكرة الثورية الجديدة، شأنها المهم، بدأت تلفت انتباه الآخرين .. بدأوا ينظرون اليها من مواقف اكثر جدية، بدأوا لا ينظرون اليها کمجرد أفراز لاوضاع معينة في ايران او في العراق، او مجرد تعبير عن حماس شباب ارتبطوا بإمام يلهب مشاعرهم .. كما انهم لم يعودوا ينظرون اليها على انها سحابة صيف لابد ان تمر، واذا أمطرت فلن يكون لها أي تأثير ذي شأن على حياتهم .. وكان هذا الموقف من قبل القوى المعادية، او الغير معادية، من القوى التقليدية التي لاترى في الميدان عادة غير نفسها واساليبها واتباعها، فكان طبيعي التفاعل الجماهيري الذي أفصح عن نفسه يوما بعد آخر.. وحين لمست هذه الجماهير صدق حركتها الجديدة، وبمعنى أدق قدرة هذه الحركة الجديدة على التعبير عن امانیها، وبالتالي تشخیص اساليب العمل ذات الصلة بحيوية الامة، وذات القدرة على مخاطبة ضميرها، ودفعها في المعارك عن طوعية، وتسجيل الانتصارات ... يتبع
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha