دراسات

الامة وجبهة المقاومة (2)  


‎رياض البغدادي ||

الذين آمنوا منذ بدء الدعوة ادرکوا أن الانتقال بحياة مجتمعهم الى الصورة المثلى، التي بشر بها الدين الجديد، يقتضي جهودا كبيرة وتضحيات عالية، وقدرات لم تكن موجودة بين ايديهم، ولكنهم كانوا يؤمنون انها ستتوفر عبر الثبات على العقيدة، وعبر مواصلة الجهاد والالتفاف حول النبي الاكرم ص واله...

أن هذه المقارنة التي جعلت التوتر يشتد بين الطرفين النقيضين في المجتمع المكي، المسلمين بقيادة النبي محمد (ص واله) والمشركين بقيادة ابو سفيان، وكان التنافر الحاد يزداد لكي يصل في كثير من الحالات، إلى مواجهات قاسية وحادة، وكانت كل المواجهات، في باديء الأمر ، تبدو ۔ ظاهريا ۔ لصالح العدد الاكبر، وكان العدد الاكبر آنذاك عدد المشركين، ولان اية فكرة ثورية ذات ابعاد تاريخية لابد ان تنتصر، اذا وضعت ضمن شرطين اساسيين لاغنى عنهما : الأول - التحرك ضمن اطاري الزمان والمكان، والثاني - التحرك ضمن الأداة القادرة على تحقيقها لذلك انتصرت الدعوة الجديدة، واستطاعت أن تحقق تغييرا على كل الأصعدة التي تتصل بالحياة الانسانية على هذه الأرض، عدا الاعتبارات والقيم ذات الصلة بالسماء، ولكننا بعد ذلك، نلحظ ظاهرة اساسية، فالدعوة التي بدأت سرية، وبدأت مقصورة على أقرب الناس صلة بالرسول (ص واله) واكثرهم حظوة بثقته، ذاع صيتها الى الحد الذي حول مجتمع مكة، إلى مجتمعين متصارعين، لاسياسيا وعسكريا فحسب، وانما كانا مجتمعين متصارعين قیما وافكارا، هذه الدعوة تحولت - يوما بعد آخر لكي تشمل كل مجتمع مكة، ولكي تستقبل كل مجتمع الجزيرة العربية بعد ذلك، ولم يكن ذلك دائما بصيغة الانتصار العسكري، كما لم يكن ذلك بصيغة التطابق الكامل بين الأفكار التي عبرت عنها الدعوة، وبين افكار الذين انضموا اليها أفواجا كما عبر القرآن الكريم ..

ولكن في كل الحالات، كان هناك تطابق في المحصلة بين الفكرة التي جاءت بها الدعوة، وبين ما تهيأت له النفوس من الفهم والانسجام والرجوع الى الذات، قبل أن تتراكم عليها قيم الزيف والنفاق، وهنا تحولت الفكرة لكي تحل في كل المجتمع، وتحول المجتمع كله لحمل الفكرة ولو ظاهرياً .

‎وبعيدا عن الغوص في التفاصيل، فاننا نستطيع ان نستنبط مایمکن أن نصطلح عليه بقانون، قد حكم القبائل التي لم تكن تعرف اسلوب الدولة والحكم والقانون، وكانت الأمة تتقدم وكانت تنتصر، تماما على نفس القدر الذي تتصل به بدينها، وبجوهر هذا الدين، بشكل محدد، وكانت تضعف وتتراجع وتخضع كذلك، تماما على نفس القدر الذي تنفصل فيه عن هذا الجوهر، وتنسلخ فيه عن هذه القيم . ‎

واذا كانت في بعض مراحل الضعف تبدو قوية في ظاهرها، كما تمثل ذلك في بعض الانتصارات الموضوعية والمؤقتة، فلأنها كانت تمثل حالة الجريح الذي ينتفض في أوج قوته، ولكنه لا يلبث أن يسقط مثخناً بالجراح، ولئن كان يجبر على الاستسلام لقوى اعدائه، فانما ليتربص الفرصة المناسبة لكي ينقض على هؤلاء الأعداء، ولكنه لا يستطيع ان يحسم الامر لمصلحته الا اذا اصبح حيا معافی قادرا على اداء مهماته، بالمستوى الذي تشترطه طبيعة المواجهة، ولقد ظل النهج يمثل خطا متميزا في حياة الأمة منذ بوادر تداعیها، بعد أن سيطرت عليها قوى النفاق وتأكلها من داخلها، واستطاعت أن تجهز عليها، بعد ان حولتها الى هيكل اجوف، خاو من كل القيم التي ابتدعتها في أوج عطائها وفي أوج رسالتها.

بدأت أمتنا تستجيب لدواعي الجهاد والتحرر في هذا العصر وتنسجم شيئاً ما مع حقيقتها، كأمة منتظرة وممهدة لدولة العدل التي سيقيمها الامام الغائب (ع)، وكلما زاد ارتباط الامة بالامام الغائب، كلما اصبحت اكثر استعداداً للعطاء والتضحية، ولو دون الصيغ والمستويات الأصيلة التي كانت ايام النبيّ (ص واله) حيث كانت في أوج قدرتها على التعبير عن رسالتها الانسانية الرائعة.

ظل هناك سؤال کبیر، لماذا ظلت الامة على مر تأريخها تقارع مختلف قوى الاعداء، ويبدو في كثير من الأحيان انها منتصرة عليهم، ولكنها في النهاية كانت تدفع الثمن كبيرا، وتكون محصلة الحساب لصالح القوى المعادية، الا باستثناءات محدودة ؟ ... يتبع.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك