محمد البدر ||
يوم ظهرت المسيحية كانت الإمبراطورية الرومانية في ذروة قوتها وتتقاسم القوة والنفوذ في العالم القديم مع الإمبراطورية الفارسية الساسانية.
كانت الإمبراطورية الرومانية التي ولد تحت ظلها السيد المسيح تعتنق الديانة الوثنية كدين رسمي وبعد انتشار المسيحية قام اليهود الذين كانوا يسكنون بلاد الشام بتحريض الرومان ضد المسيحيين وبدأت حملات اضطهاد ممنهج ضد المسيحيين شملت قتلهم ونفيهم ومصادرة املاكهم وسجنهم واستمر الحال كذلك إلى وقت ظهور الإمبراطور قسطنطين الأعظم (272ـ337 م) الذي رفع الاضطهاد الديني عن المسيحيين وسمح لهم بممارسة عقيدتهم بحرية تامة واعتبر الدين المسيحي أحد الأديان المعترف بها وبنى مدينة (القسطنطينية) وهي أول مدينة مسيحية خالصة ثم اعتنق هو المسيحية في أواخر حياته كل هذا بسبب رؤيا رآها قبل أحد معاركه تخبره برفع الصليب لينتصر على اعداءه وهذا ما حصل فعلاً.
في زمن الإمبراطور ثيوديوس الأول (347ـ395 م) أصبح الدين المسيحي هو الدين الرسمي والأوحد للدولة وانتهى الدين الروماني الوثني القديم. وبذلك بدأ ظهور العامل الديني في صنع الأفكار والقرار السياسي.
v فترة الضعف والبداية..
كانت الكنيسة في بدايتها وفي عهد الآباء الأوائل للكنيسة(أشخاص تجمع على تقديسهم مختلف الطوائف المسيحية) تقر بسلطة الدولة وتعترف بالتمايز بين الدين والدولة وتعتبر إن مجال الكنيسة هو الجانب الروحي والمعنوي بينما الحكم والإدارة وكل أمور الدنيا هي من اختصاص الدولة. وهي بذلك تؤمن بما يُعرف (نظرية السيفين) والسيف هنا إشارة للسلطة والقوة والمقصود السلطة الروحية والدنيوية.
v فترة التغول والقوة..
بمرور الوقت ونتيجة ضعف وسقوط الامبراطورية الرومانية القديمة تغولت الكنيسة وتمددت واستحوذت على السلطة الدنيوية(الحكم) ليبدأ عهد (الإمبراطورية الرومانية المقدسة) وبقية الإمبراطوريات الأوروبية المسيحية الكاثوليكية التي تستمد شرعيتها من تأييد البابا. أو من المنطلق الديني مثل الإمبراطورية المسيحية الشرقية (البيزنطية) والتي كانت تعتنق المذهب الأرثوذكسي.
أصبحت الكنيسة تُنصب وتَعزل الملوك وبلغت سطوتها لدرجة إن الإمبراطور شارلمان الأعظم(742ـ814 م) أحد أعظم أباطرة أوروبا في يوم تتويجه زحف على ركبتيه متسلقاً ومُقبِلاً كل درجة من مُدرج كان في نهايته البابا ليون الثالث(750ـ816 م) ليضع التاج على رأسه.
v فترة الضعف والتراجع..
ظهرت حركات التصحيح الديني (البروتستانتية) وظهرت الحروب الأهلية الدينية في أوروبا مثل (حرب الثلاثون عام) وبروز مفكري وفلاسفة التنوير و عصر النهضة ثم الثورة المجيدة في إنكلترا والثورة الفرنسية التي شكلت بداية النهاية لتدخلات الكنيسة في السياسة التي استمرت لأكثر من ألف عام لتنتهي بالرجوع إلى(نظرية السيفين).
إن ظهور العلمانية في أوروبا كان ردة فعل على تغول وتدخل الكنيسة وليس لمحاربتها وكان مطلبها هو رجوع الكنيسة إلى بداياتها وسابق عهدها حيث تختص بالأمور الدينية والروحية وتعترف بالتمايز بين الدين والدولة.
نجحت العلمانية في المجتمعات الأوروبية في تحجيم نفوذ الكنيسة لكنها لم تقضيعليه أبداً بل تكيفت الكنيسة مع الوضع وتكيفت العلمانية لتَقبل بنفوذ الكنيسة حيث لازالت بعض البلدان الأوروبية تعتبر المسيحية الدين الرسمي للدولة ولازالت هناك أحزاب دينية مسيحية (حزب انجيلا ميركل حزب ديني مسيحي) ولا زالت الأفكار الدينية تؤثر في صنع القرار مثل دور الكنيسة الانجيلية في أمريكا.
سنتكلم لاحقاً عن المراحل الثلاث للكنيسة
(الضعف والقوة والتراجع) وسنشرح أفكار مجموعة من رجال الدين الكَنسيين.
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha