رياض البغدادي ||
· «المهديّ في التجاذبات السياسيَّة:
لم تعد نظرية التمهيد لظهور الامام المهديّ (ع) نظرية علمية يتحاور بشأنها العلماء في اروقة البحث الفقهي والعقدي فحسب بل اصبحت هذه النظرية عاملًا من عوامل التجاذب السياسيّ بين التيارات والحركات في اعلى السلطة في الداخل الإيرانيّ أيضًا، لكسب أصوات الجماهير وتأييدهم، ولترجيح فريق على آخر في العمليَّة السياسيَّة، ذلك لان المسؤولية الشرعية جعلت من كل فرد من أفراد المجتمع هو بالحقيقة ممهد للظهور الشريف وعليه وجوباً شرعيًا في السعي لتعجيل الظهور بكل الوسائل الممكنة مما يتوجب على الناخب ان يختار من يجد فيه القدرة والإمكانية والكفاءة والنوايا المخلصة للإسراع في بناء دولة التمهيد لتعجيل ظهور الإمام (ع).
ففي الانتخابات الرئاسية الاخيرة نشرت صحف ايرانية عديدة مقالات مطولة تتحدث عن الامكانات الشخصية لكل مرشح فيما لو انه قادر على الاخذ بيد الدولة الى مزيد من القوة والمنعة لتكون ايران بحق الدولة الممهدة لظهور الامام المهدي ع (15). أما التفاعل الثقافي مع عقيدة التمهيد فأنتج العشرات من الافلام السينمائية والتلفزيونية والمسرحيات والاعمال الفنية الاخرى التي كان محور نتاجها قضية التمهيد للامام الغائب ، وهذا يعكس بكل وضوح أن التمهيد لم يعد مجرد فكرة بل انه عقيدة اسلامية يتميز على اساسها المؤمن الكامل من غيره، حتى أن الرئيس السابق السيد أحمدي نجاد لم يترك مناسبة الا وذكّر الشعب الايراني بأنه لا يرى نفسه الا خادماً في دولة التمهيد لظهور الامام المهدي (ع) وفي ايام ولايته عقد في طهران أول مؤتمر دوليّ بشأن «العقيدة المهدويَّة»، وجاء عقد المؤتمر بعد خطابه في الأمم المتحدة الذي عرض فيه عقيدة الدولة الايرانية وانها قائمة على فكرة التمهيد لظهور الامام المهديّ الذي ينتظره العالم ( ليملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا ). وفي تصريحات له عقب المؤتمر قال: «ليس لديّ شكّ في أنّ شعب الجمهوريَّة الإسلاميَّة يستعدّ لعودة الإمام الغائب، وبإرادة الله فإننا سنشهد ظهوره قريبًا»(16). ويقول في أحد خطاباته: «ومسؤوليتنا أن نقيم في إيران مجتمعًا نموذجيًّا يكون مقدّمة لذلك الحدث العظيم/ ظهور الإمام».
قطعاً لا يوجد اجماع 100٪ على اي فكرة او نظرية في العالم والمجتمع الايراني ليس بدعاً من المجتمعات الاخرى لذلك فالمتابع للشأن الايراني سيجد كتابات ونشرات معارضة لفكرة التمهيد بدرجات متفاوتة منها ماهو رافض الاعتراف بقضية الغيبة من الاساس فضلاً عن التمهيد والظهور وهناك آراء لاتزال تتشبث بالفهم القديم للقضية المهدوية واعني الانتظار السلبي هذا في الجو الفكري الاسلامي اما في الاجواء الفكرية المنفتحة على الثقافة الغربية العلمانية والالحادية فلها مشاكسات كثيرة للطبقة السياسية بكل تصنيفاتها في ايران تتهمهم بأنهم يفرطون بالمصالح القومية للشعب الايراني ويجعلون ثروات ايران في خدمة عقيدة دينية اقرب إلى الوهم والخيال ،وبين حين وآخر تنشر الصحف الايرانية كتابات لأقلام علمانية معروفة في الوسط الثقافي داخل ايران تطرح مالديها من افكار لمواجهة المد الشعبي الثوري العارم الثابت على عقيدة التمهيد ودائماً ما تواجه الجماهير هذه الكتابات بالسخرية او بالتجاهل المتعمد وقد تصل في بعض الاحيان الى مطالبات بتحديد الحرية التي يتمتع بها العلمانيون داخل ايران ووجوب التضييق عليهم في النشر الا ان تلك الدعوات تصطدم بقانون الحرية الفكرية المعمول به في ايران منذ الايام الاولى للثورة .
ان قضية الامام المهدي (ع) والتمهيد لظهوره الشريف هي قضية الدولة الايرانية بكامل مؤسساتها الرسمية والشعبية وتتعزز قوة حضور هذه القضية لدى الجماهير الايرانية في كل زيارة يقوم بها الولي الفقية اية الله العظمى السيد علي الخامنئي الى مسجد جمكران القريب من مدينة قم لما لهذا المسجد من رمزية عند الإيرانيين المرتبطة بقضية الامام المهدي الذي شوهد وهو يصلي في ذلك المسجد بشهادة بعض الخواص من علماء الدين، ويذكر السيد ممثل الوليّ الفقيه لإدارة شؤون مسجد «جمكران» في قم، والرئيس السابق لمنظمة الشهيد الإيرانيّ محمد حسن رحيميان، أنه كان شاهدًا على زيارات متعددة سرية وعلنية يقوم بها المرشد الاعلى السيد علي الخامنئي لمسجد جمكران، وقال بأنّ السيد الخامنئي يحرص على الحضور في هذا المسجد للصلاة والدعاء في كل نائبة يمر بها العالم الاسلامي وكان منها حضوره للدعاء أثناء حرب 2006م بين حزب الله وإسرائيل، وأنه طلب من الله تعالى بشفاعة الامام المهديّ أن ينصر حسن نصر الله في تلك الحرب (17).
وفي حديث للمرجع آية الله مكارم الشيرازي قال أنّ سرّ النجاحات المتتالية للمرشد الأعلى هو علاقته الوثيقة والمتواصلة بقضية التمهيد لظهور الإمام المهديّ (ع)(18)، ولا يوجد ادنى شك في ان الامام المهدي يفيض ببركاته على هذا البلد (19).
وفي خلال لقاء الشيخ علي سعيدي، ممثل المرشد لدى الحرس الثوريّ، بقيادات في هذه المؤسسة قال: «إنّ الثورة الإسلاميَّة تهيّئ الساحة الدوليّة لظهور الإمام المهديّ، واليوم نحن نقف على أعتاب هذه المرحلة التي سيظهر فيها»(20). وقال: «اليوم هناك معسكران يعملان بكلّ قوّة لمنع ظهور المهديّ، الأول: هو المعسكر الخارجيّ بقيادة أمريكا، والثاني: هو المعسكر الداخليّ الذي يتشكّل من الليبراليين والعلمانيين، إذ انّ هذا المعسكر من الصعب جدًّا معرفة مواقفه لأنه يتخفى بغطاء النفاق»(21).
ونلاحظ في مثل هذا الخطاب الجدية التي تتعامل بها قيادات هذا البلد بخصوص التمهيد لظهور الامام
ويمكن تلخيص واستقراء بعض مجالات التوظيف العام لقضية التمهيد لظهور الامام المهدي، على المستوى الشعبي والرسمي في النقاط التالية:
· ـ برامج التثقيف التي تستهدف فئة الشباب لبعث روح الثقافة الثورية في نفوسهم .
· ـ الخطابات الرسمية للحكومة قلما تخلو من الاشارة الى قضية التمهيد .
· ـ تعتبر قضية التمهيد للظهور من اكثر الامور التي يركز عليها المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في خطاباته.
· ـ تكثيف اعلامي كبير موجه الى كافة الشعوب وبلغات متعددة لترسيخ عقيدة التمهيد وجعلها بديلاً عن الانتظار السلبي وذلك من خلال القنوات الفضائية والنشر في برامج التواصل الاجتماعي وغيرها .
وذلك كله من اجل اشاعة ثقافة التمهيد وتنبيه الأمة افراد وجماعات الى وجوب اخذ دورهم وتحمل مسؤوليتهم الشرعية في هذا الحدث العالمي الكفيل بإنهاء كل ظلم وجور على هذه الارض .... يتبع
في القسم الرابع سوف نبدأ بالموضوع التالي ( خلاصة البحث)
ـــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha