رياض البغدادي ||
ثالثا ـ يظن الكثير خلو الساحة من التحديات الفكرية ، ونذكر ، مرة اخرى اننا نتحدث عن تجربة جبهة المقاومة في العراق ، فمنذ اوائل السبعينات ، وبعد ان استطاعت الاحزاب الاسلامية ان تقود المعارك الجماهيرية في اشد مراحلها ، وبشكل خاص ابان الانتفاضة الشعبانية المباركة العام ١٩٩١ أصبح واضحا أن الاسلاميين هم المرشحون ، بشكل قاطع ، لكي يقودوا سلطة التغيير في العراق ، وبشكل خاص ، حين استطاعوا بعد ذلك أن ينازلوا القلعة الديكتاتورية البعثية القاسية الا ان عامل التحدي الفكري والسياسي الذي كان يشترط قدرا عاليا من شحذ الثقافة الجهادية والايمانية لم يعد قائما كما يتصور المجاهدون اليوم للاسف.
رابعا ۔ ان حجم ما تأخذه و تتطلبه قيادة الدولة من وقت المجاهدين ، وبشكل خاص وقت المجاهدين في المواقع المتقدمة لجبهة المقاومة هذا الحجم وفي كثير من الحالات ان لم نقل في الحالات كلها ، يجيء على حساب حصة العمل الثقافي ، ومتابعة الاضافات الفكرية الجديدة ، والاتصال حيويا بنظرية العمل الجهادي والالتزام الديني .
خامسا ـ الشعور بالاطمئنان لسلامة العمل المقاوم بدءاً و مسارا وعلى أهمية هذا الاطمئنان الذي ينبغي أن يتوفر لدى المجاهدين ، انطلاقا من الثقة العالية بعملهم وقدراتهم التي تبلورت بشكل واضح في محاربة داعش الا أن ذلك لا يشكل ظاهرة صحية في جميع الحالات بل نستطيع القول أنه يشكل ظاهرة مرضية خطيرة اذا تحول الى صيغة الاتكال فهو بذلك يحقق الضرر من موقعين :
الاول الغاء دور جبهة المقاومة ودور المجاهد في المبادرة ولا نستطيع ان نفترض ان العقل المركزي لجبهة المقاومة من الممكن ان يتوزع فيوجد في كل لحظة وفي كل مكان لكي يقوم بالمبادرة المطلوبة .
اما الضرر الثاني وهو ضرر كبير جدا ، فهو اننا نلقي على قيادتنا الثورية وعلى العقل المركزي الثوري اعباء كثيرة ليس من مصلحة جبهة المقاومة ، وليس من مصلحة القيادة ، تخصيصا ، أن يلقى عليها عبءٌ من هذا القبيل .
ان هذا العبءَ لابد ان يقود الى تشعب اهتمامات القيادة وتفكيرها بتفصيلات لابد ان تبعدها وتؤثر على اهتمامها بمسائل جوهرية ومركزية ، لا نقول انها ستغيب عنها ، ولكننا نستطيع القول انها قد تضطر الى تأخير معالجتها ، او تضطر الى معالجتها بشكل سريع . والحالتان كلتاهما لابد ان تقودا الى ضرر بالتأكيد، وانصافا لتجربتنا الجهادية المستمرة وانسياقا مع الحقيقة التاريخية ، نقول ان المحصلة لا زالت ، حتى الان مسيرة ثورية جهادية رائعة ، ومواقف اصيلة ومنطلقة من نهج عقلاني ثوري تاريخي ، بشكل دائم و متصل من قبل القيادة ولكننا ، كمجاهدين ، نستطيع أن نقول : لو كانت الصورة سوية ، وكما نريد ، لكانت الحصيلة اكثر وفرا واكثر عمقا و شمولا ، وفي زمن اقصر ، بخسائر أقل .
هذه هي العوامل الأساسية والاجتماعية ، فما هي سبل المعالجة ؟
لكي نحدد سبل المعالجة ينبغي أن نقول :
اولا - ما هو المطلوب من المجاهدين ، في اطار التدين وقوة التمسك بالعوامل الفكرية التي ترسخ حالة الجهاد المستمر في تفكيره وعمله اليومي ؟ هل نريد منهم أن يكونوا متدينين بالمعنى العرفاني ؟ وهل يمكن - عمليا - أن يتحول هذا العدد الكبير الى متدينين بهذا المعنى ؟ الجواب ۔ لا ، لاننا وان كنا نطمح اليه لكن هذه قضية تعبّدية مرتبطة بعلاقة المجاهد بالله تعالى فلا يمكن ان نحققها .
ثانيا - ماذا نريد اذن ؟ .. المطلوب هو ان يستطيع المجاهد المقاوم أن يوظف منطلقاته الايمانية والفكرية الدينية ومواقفه التعبوية في جهاد يومي دائم . يستطيع ، من خلاله قيادة المجتمع من مواقع الاقناع وليس من مواقع اخرى ذلك اننا نستطيع ـ في هذه الحالة ـ ان نعجل حركة المقاومة كما نستطيع أن نعجل انضمام عدد غير قليل ـ ولو اننا لا نشكو من قلة العدد - ممن يفترض فيهم أن يكونوا في صف جبهة المقاومة ، فلكي نحقق هذا الهدف ، اذن ، لابد من جملة اساليب او مرتكزات اساسية :
اولا ـ لابد ان يشعر المجاهد انه في معركة دائمة ، وان معركته لن تنتهى واذا كانت قد بدأت فهي مستمرة .
ثانيا ـ أن يشعر المجاهدون وكل جبهة المقاومة أن معركتنا ليست في العراق وحده ، وحتى لو اقتصرت على العراق فانها ليست سهلة ، بل فيها من التعقيدات الشيء الكثير ، ويكفي الصهيونية سببا قويا لان تهاجمنا - حتى ولو افترضنا اننا مجاهدون عراقيون - يكفي لذلك اننا جادون في صنع نموذج جهادي متقدم ، لابد ان يلهب الساحة يوما ما ، ولا بد أن يزعزع مواقع الاستكبار فيها ، و بالتالي يفقدها قوتها الأساسية في استخداماتها العدوانية ، يفقدها البترول الذي نملك الوصول الى معظم اماكن انتاجه وتسويقه ولو اننا لا بد أن نشير إلى أن كوننا مجاهدون مقاومون سيدفع – ودفع بالفعل - التحالف الاستعماري الصهيوني السعودي الى ان يزج بكل طاقاته و امكاناته ويسخر عملاءه ، ويستخدم مختلف الأساليب ويبتكر كل جديد لكي يتخلص منا ، ولو كنا تجربة محلية فحسب ، لكان الأمر مختلفا تماما ، لا في المآل النهائي بالنسبة للمواقف الامبريالية ، وانما لطمع الإستكبار - على الاقل - بان يروضنا و يهادننا ، املا منهم في تحويلنا الى نظام لا يشكل عليهم خطرا كبيرا ، أو في التقليل من درجة المخاطر التي يشعرون بها على مصالحهم .
(يتبع)
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha