محمد البدر ||
عام 480ق.م كان الإمبراطور الفارسي زركسيس الأول متجهاً بأضخم جيش في العالم حينها نحو بلاد الإغريق مجتازاً تركيا الحالية هادفاً إلى اجتياح الدويلات اليونانية وبعد وصوله إلى مضيق ترموبيل الصخري تأخر لمدة يومين بسبب مقاومة الملك الإسبرطي ليونيداس مع محاربيه الذين جسدهم فيلم (300).
نجح زركسيس في اجتياح الدويلات اليونانية وأحرق أثينا أعظم المدن اليونانية.
بعدها بسنوات استعاد اليونانيون السيادة على أراضيهم.
ومع جلاء القوات الفارسية ظهرت تغيرات في المجتمع اليوناني ولم تعد السلطة وشؤون الحكم حكراً على الأقلية النبيلة بل أصبح للمواطنين العادين دور في السياسة والشؤون العامة.
في هذه الأثناء ظهر مجموعة من الأشخاص كانوا يسافرون بين المدن اليونانية لتعليم أبناء الأثرياء فن الجدل والنقاش والخطابة مقابل أجر مادي وكانوا يسمون أنفسهم (الحكماء) وهم (السُفسطائيون) وكان للنقاش والخطابة دور بارز في حياة اليونان القدماء.
لم يكن السفسطائيون يجمعهم مذهب فلسفي أو مدرسة فلسفية واحدة بل كانوا كل شخص يمثل توجه خاص به لكن بينهم نقاط مشتركة مثل التعليم بمقابل مادي واجادة فن النقاش والجدل والتلاعب بالكلمات والألفاظ و القول بنسبية الأخلاق والأفكار وكل شيء وعدم وجود الحق والباطل وكانوا بذلك يجعلون مصلحة الشخص هي المعيار بمعنى إذا كان الكذب فيه مصلحة للشخص فلا بأس به وهكذا بمعنى إن الشخص هو من قيمة الأشياء.
وبالمختصر كان توجههم قائم على إمكانية ومحاولة تحويل الحق إلى باطل وتحويل الباطل إلى حق، وهم أول من أبدع ونشر بعض المغالطات المنطقية في الجدال.
عمل السفسطائيون على تشجيع المواطنين الراغبين للإهتمام بالسياسة والشؤون العامة عبر تعليمهم فنون النقاش والحوار.
ومن أشهر السفسطائيون
- بروتاكوراس (490-411 ق.م) هو الأب الروحي للسفسطائيون وأول فيلسوف حول اهتمامات الفلسفة اليونانية من الطبيعة إلى الإنسان، تلقى التعليم والمعرفة من أحد الفرس الذين رافقوا الإمبراطور زيركسيس في حملته، اشتهر بروتاكوراس بمقولته الشهيرة (الإنسان مقياس الأشياء جميعها) وهو ما يعني إن قناعة ومصلحة الفرد هي من تحدد قيمة الأشياء والمفاهيم و كان متضلعاً في الخطابة والنحو والتشريع وطلب منه الحاكم اليوناني الشهير (بريكليس)وضع دستور لمدينة (ثورياي). ومن أشهر آراءه هو رأيه حول الآلهة حيث يقول (وفيما يخص الآلهة فلست على يقين من وجودهم أو عدم وجودهم أو شكلهم وذلك لغموض الموضوع وقصر الحياة البشرية) وبذلك فهو من أقدم أتباع التوجه اللأدري
- أنطيفون (479-411 ق.م) ولد في أثينا وهو السفسطائي الوحيد الذي أصله منها ويعتبر اعمقهم فكراً واشتهر بنظريته حول العدالة والمساواة بين الناس حيث يقول (إن العدالة هي عدم إعتداء المواطنين على قوانين المدينة التي يعيشون فيها) وإن أفضل طريق يسلكه الفرد هو خضوعه للقوانين، وكذلك قوله (إن المواطنينسواسية لا فرق بين النبلاء وعامة الناس ولا فرق بين الإغريق وبقية البشر).
وكان اديباً بارعاً لدرجة معالجة الناس بالكلام والخطب المؤثرة.
والسفسطائيون جيلين ويعتبر الجيل الأول أكثر رصانة وتأثير واحترام من قبل العامة عكس الجيل الثاني والذين يعود اهم سبب تشويه صورة الفلسفة السفسطائية.
كان للسفسطائيون بصورة عامة تأثير قوي على العوام من الناس وذلك بسبب قدرتهم على التحايل و المغالطات والخطابة. وكان سقراط عدوهم اللدود الذي يرفض الكثير من أفكارهم مثل قولهم بنسبية كل شيء وإن الفرد هو من يحدد المفاهيم وتشجيعهم العوام للتدخل بشؤون الحكم والسياسة.
لذلك عملوا على التحريض ضد سقراط.
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha