دراسات

الإمام علي''ع'' وإختيار الكوفة  


محمد البدر ||

 

تناول المؤرخون منذ القِدم سبب إختيار الأمام علي ''ع'' للكوفة بدل المدينة و بدل أي مدينة أخرى لتكون عاصمة دولته ومقر حكمه .

 فقد كانت المدينة المنورة لأكثر من ٣٥ سنة هي عاصمة الدولة الإسلامية ولها مكانتها الدينية والسياسية .

في يوم ١٢ رجب ٣٦ هجري الموافق ٦٥٧/١/٣ ميلادي دخل الإمام علي''ع'' إلى الكوفة قادماً من البصرة بعد انتهاء معركة الجمل وأصبحت عاصمة الدولة الإسلامية ومقر حكومته بدل المدينة

هناك العديد من الأسباب التي يمكن أن نستنتجها من الأحداث جعلت الإمام يختار الكوفة بالذات دون غيرها وجعلته ينتقل لها ومنها .

 إن المدينة وبعد حكم الأسر القريشية الثلاث (بنو عدي وبنو تيم وبنو أمية) إضمحل دور الأنصار فيها وهم سكانها الأصليون وأصبحت الغلبة فيها للقريشيين الذي كانوا يعادون الإمام ويبغضون الإنصار فالإنصار أقرب في المواقف إلى الإمام علي"ع'' من قريش فقريش كانت تنظر للإمام كعدو لا كقريب . وقد انتقلت الأسر القريشية الى المدينة وهجرت مكة فالمدينة لم تكن تدين بالولاء للإمام بعد غلبة القريشيين عليها وتهميش واضطهاد سكانها الأصليون (الأنصار) وإبعادهم عن مراكز القرار وقيادة الجيوش وحكم الولايات .

وبعد إستلام الإمام للحكم لم تكن المدينة تشكل بيئة مناسبة ومتعاطفة مع حكمه أو طريقته فقد تعودت الأسر القريشية على الإمتيازات والأفضلية والتفضيل في المواقف والعطاء وهو ما لم يفعله الإمام . لذا ظهرت أول حركات التمرد ضد حكمه من المدينة ومن الأسر القريشية وتمثل هذا التمرد بمعركة الجمل وقاد هذا التحرك العسكري (السيدة عائشة و طلحة و الزبير) .

لذا كان لا بد من إختيار مدينة تختلف طبيعة افكار سكانها ومواقفهم وميولهم لتكون حاضنة للدولة الجديدة ومساندة للحاكم الجديد .

سعي الإمام لبناء دولة حضارية مدنية تعيش فيها كل الطوائف والميول فكان ذهابه للكوفة هو الإقتراب من الحضارة والتمدن بوجود الزراعة والمدن العريقة وابتعاده عن حياة الصحراء والبداوة وجمود الأفكار والمتبنيات لسكان المدن الصحراوية .

فيما مثلت الكوفة القرب من الإنهار والزراعة وهي ما يعني التمدن والإستقرار وتوفر شروط بناء دولة حضارية او عاصمة مدنية حضارية لدولته .

وهو ما لم يكن متوفر في المدينة المنورة حيث الحياة البدوية وإن تظاهرت بالمدينية فالأطباع تبقى بدوية صحراوية ترفض الإختلاف ولا تساعد على نضوج حضارة أو تقدم فكري فطول تاريخها لم تقدم بلاد نجد والحجاز اي نضوج حضاري او إزدهار حضارة .

بينما كانت الكوفة وريثة مدينة الحيرة وهي مدينة حضارية كان فيها الصناعة والزراعة والفنون الحضارية مثل البناء والزخرفة والرسم وتنوع المهن والحرف ومحطة للشعراء والمفكرين قبل الإسلام وانتشار الصوامع والكنائس وهو ما يؤشر لوجود تواصل فكري مع حضارات الماضي وامكانية استثمار ذلك .

وكانت الحيرة والكوفة يتعايش فيها اليهود والمسيح والصابئة والزرادشتية فهي مدن تتقبل الإختلاف والتعايش

كذلك قربها من بابل وهي مركز حضاري غني عن التعريف بقى اشعاعه الفكري والحضاري كامن في نفوس سكان المناطق المحيطة بل كان منهم من لازال يتكلم و يكتب بالسريانية وقد كان لهم الدور الأبرز في نقل علوم الحضارات الماضية إلى اللغة العربية

الموقع الجغرافي للكوفة حيث تتوسط اقاليم الدول وقريبة على مصدر الخطر الأكبر على الدولة وهو معاوية في الشام 

وتوفر مقومات بناء الدولة فيها وهما (الرجال والمال) وهذا ما ذكره الإمام نصاً حيث يقول في جوابه لأبي أيوب الأنصاري

(ولكنّ الرجال والأموال بالعراق)

وقال حينما أشار عليه ابن عباس بأن يولّي طلحة والزبير الكوفة والبصرة (ويحك إن العراقَيّن الكوفة والبصرة بهما الرجال والأموال)

فالكوفة تستطيع مد الجيوش بالمؤن والمقاتلين

فهي تحتوي على بساتين وأراضي زراعية وكثافة سكانية عالية من قبائل عربية تدين بالولاء للإمام ''ع'' وتعادي قريش بسبب عنصرية الولاة ممن نصبهم الحكم القرشي على الكوفة والبصرة و وجود سكان عراقيين قدماء من النبط والسريان والفرس رفع عنهم التمييز والعنصرية بعد مجيء الإمام .

بينما المدينة المنورة مدينة صحراوية لا تكفي زراعتها لسكانها وبعيدة عن الشام وهي بيد التوجه القرشي المعادي .

قبائل الكوفة واغلبها قبائل يمنية تدين بالولاء للإمام علي ''ع'' وحتى السكان من غير العرب او من غير القبائل اليمنية فهم من مريدي الإمام ومحبيه وهو نتاج تربية وجهود (حذيفة بن اليمان و سليمان الفارسي و عمار بن ياسر) الذين استلموا ولاية الكوفة والمدائن واحد بعد آخر فنشروا التشيع فيها وفي أطرافها وبلغوا الناس بفضائل ومناقب أمير المؤمنين ''ع''

وهو ما أكده الإمام بقوله لأهل الكوفة

(إني قد اخترتكم وآثرت النزول بين أظهركم لما أعرف من مودتكم وحبكم لله ورسوله، فمن جاءني ونصرني فقد أجاب الحق)

وهو ما تجلى في سرعة التحاقهم بمعسكر الإمام قبل معركة الجمل .

كذلك شدة ونجدة قبائل بكر وهمدان وطيء ومذحج والأشعريين وتغلب حيث شكلواالعمود الفقري لجيش الإمام في حروبه الثلاث .

فالكوفة كانت تدين بالولاء للإمام بشكل كبير يفوق ما موجود في باقي الأمصار . ولها بذلك شرف مئات الأحاديث في فضلها وقوة تشيعها وذكرها بالمناقب

إن الكوفة تتوفر فيها مميزات سياسية وفكرية وإقتصادية وعسكرية وجغرافية وحضارية جعلتها محل إختيار الأمام ليشرفها بحضوره وسكنه فيها وإتخاذها مقر لدولته .

ولولا حقد قريش و إثارة الفتن والحروب والمؤامرات ضد حكومة الإمام علي ''ع'' لأتجه الإمام نحو بناء البشر والحجر ولقدم دولة حضارية بكل معنى الكلمة

لكن الحقد القريشي وتغير نفوس وطبيعة بعض العرب بعد إستلام عديمي الأهلية للحكم وتمكن النفاق والغدر والخداع منهم وتآمر و وعصيان معاوية مع من تضرروا من عدالة الإمام كل هذا عمل على عدم تفرغ الإمام ومنحه الوقت للبناء.

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك