دراسات

الصوفية في الميزان  


ضحى الخالدي ||

 

يتهم المتشددون السنةُ الشيعةَ بأنهم اصل التصوف متذرعين بحالة (اللطم) في مراثي أهل بيت النبوة عليهم السلام.

و الحقيقة ان التصوف بعيد كل البعد عن عقائد الشيعة و فقههم، و هو سني حتى النخاع و من كبار الصوفية ابن  عربي وابن الجنيد والبسطامي وعبد القادر الگيلاني  وأحمد الرفاعي و الشاعر عمر بن الفارض كلهم سنة.

اما اللطم فهو (فن نَوْحي) سومري

نعم ليس اللطم جلداً للذات على طريقة الصوفية بتعذيب النفس للقرب من المحبوب و الاتحاد به كما يدّعي المتصوفة.

إنما العراقيون منذ زمن سومر حوّلوا النَوْح بحضارتهم و تحضّرهم الى فن متوارث منذ أساطير دموزي، و حتى هذا اليوم.

و كان أئمة اهل البيت عليهم السلام يحبون الطريقة العراقية في النوح.

اما اللطم فهو اشبه بضبط إيقاع المرثية، و يعطي حالةً من الانسجام الجمعي لجمهور النائحين كأنه لوحة او سيمفونية جماعية مؤثرة تجسد الإحساس بالحزن و المصيبة و العهد بالبقاء على خطى الائمة عليهم السلام، و لم يُختَرع للتسابق بتعذيب النفس أكثر على الطريقة الصوفية حينما شوهته العادات الدخيلة و لا تزال.

و البكتاشية على سبيل المثال: طريقة انتشرت لدى الأقوام التركية من  سلاجقة و عثمانيين تعود الى مؤسسها بكتاش ولي المولود في القرن السابع الهجري.

هي خليط من التصوف السني و الايمان بالإمامة الاثنى عشرية.

و لما أصبحت الدولة العثمانية امبراطورية كان لزاماً ان يغير السلاطين مذهبهم نحو الحنفية لأن المذهب الحنفي هو المذهب الاسلامي الوحيد الذي يجيز أن يكون الخليفة غير عربي، و كان هذا التغيير طريقة الاعلام آنذاك لاقناع الشعوب المقهورة بأحقيّة الخلافة العثمانية.

لكن ماذا عن الشعب؟!

ظلت التكايا البكتاشية منتشرة و كانت علاقتها بالسلاطين ما بين مد و جزر، حتى ان الجيش الانكشاري -الجيش الجديد- المؤلف من السبي الأوروبي حيث يؤخذ أطفال مناطق البلقان المحتلة من قبل العثمانيين و يتم تربيتهم ليكونوا جيشاً عثمانياً جديداً، جنود هذا الجيش  أشرفت التكايا البكتاشية على تربيتهم و عقائدهم حتى قيل انه جيش شيعي يقاتل لدولة سنية، و كان دعاء الجوشن الكبير دعاؤهم في الحروب، رغم انهم متصوفة و ليسوا شيعة بالمعنى المتعارف الآن.

ليس هذا فحسب بل ان البكتاشية ظلت موجودة حتى في بيوت بعض السلاطين أنفسهم.

قام السلطان محمود الثاني بالقضاء على الانكشاريين و البكتاشيين و مطاردتهم و نفيهم في ١٨٢٦م. فيما أعاد السلطان عبد المجيد هذه التكايا، حتى صدر مرسوم تركي عام ١٩٢٥ بإلغاء الطرق الصوفية جميعاً و بضمنها البكتاشية، و لا يزال أتباع هذه الطريقة موجودين في ألبانيا و مصر.

نلاحظ ان ظهور هذه الطريقة -البكتاشية- في القرون المتأخرة و ضمن شعوب دخلت الاسلام في وقت متأخر فالترك سكان وسط آسيا في الأصل حديثو عهد بالإسلام فأصبح لديهم خليط من التسنن و التصوف و التشيّع.

اما محي الدين بن عربي فهو هو رجل صوفي عاش في الأندلس في ظل دولة أموية تحكم في المنفى المحاصَر أوروبياً،  لذا كان المجتمع الأندلسي وجهة لبعض الشيعة الهاربين من ظلم الدولة العباسية في المشرق، فنشوء التصوف هناك يكون خليطاً غير متجانس من مذهبين متعارضين.

تنتشر مبادئ الصوفية اليوم و تتغلغل في ذهنية الشباب الشيعي بعبارات منمّقة عن الأدوار و الأكوار و هذا عين مبدأ تناسخ الأرواح و نظرية حلول الرب في الاجساد و هو قمة الصوفية اذ هدفها الاتحاد مع الله تعالى و هذا ايضاً هو ما عليه باطن عقيدة الدروز الذين هم طائفة تطورت و انشقّت عن الإسماعيلية.

شعر المتصوفة و أقوالهم تغري

لكنها في منتهى الخطورة

على سبيل المثال : الحلاج ادعى زوراً انه من سفراء الامام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف لكنه كان متصوفاً يؤمن بالحلول و الاتحاد و له أشعار رقيقة في الحب الإلهي.

قصة شمس التبريزي و جلال الدين الرومي و كيف أغراه بشرب الخمر بحجة الحب الإلهي.

بعد ان عجزت الماكنة الاعلامية المعادية عن تصدير الشاب المتهتك الملحد كأنموذج للشاب المتحضر، صدّرت بطريقة ذكية مبطنة لتصدير الشاب المتشيع المتقمص للدور الصوفي تحت شعار العشق الإلهي و بمعيّة الأشعار اللذيذة المنمقة كانموذج للمتدين المثقف الجديد، و حتماً فإن السلوك الصوفي هو غير الزهد و العرفان الشيعي الذي كان من ابرز رواده مولانا روح الله الخميني و شهيدنا الصدر الثاني و سيدنا عبد الأعلى السبزواري رضوان الله عليهم أجمعين.

روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)حين سأله رجل عن قوم ظهروا في ذلك الزمان، يقال لهم الصوفية؟ قال: إنهم أعداؤنا، فمن مال إليهم فهو منهم ويحشر معهم، وسيكون أقوام، يدعون حبنا ويميلون إليهم ويتشبهون بهم، ويلقبون أنفسهم بلقبهم، ويقولون أقوالهم، ألا فمن مال إليهم فليس منا، وأنا منه برآء، ومن أنكرهم ورد عليهم، كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله (ص).

المصدر : مستدرك الوسائل, النوري, ج12 ص323 ح15, إكليل المنهج, الكرباسي, الإثنا عشرية, الحر العاملي, ص32 , حديقة الشيعة, المقدس الأردبيلي, ص563..

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
حسن
2020-05-16
مع كامل احترامي للكاتب لهذا التوصيف المختصر. وان هذه حفرة جديدة لشباب الشيعة ظاهرها جميل وخفاياها تخرج من الدين بانتهاج البعض لعقيدة الحلول ووحدة الموجود لكن ذكر المثال بالتصوف، بعلمائنا يبدو انه غير موفق، فزهادة شخص وتعبده وتعلقه بالله امر، وتشبيه ذلك بالتصوف شيء اخر، وقد ذكرتم الرواية بذمها. وكان الافضل بالموضوع، ان يفرد له موضوع مستقل، ماهي مداليل هذا التوجه في سيرة بعض علمائنا. واخيرا. فعلا لقد سقط بعض الشيعة ومنهم علماء في مطب عقيدة وحدة الوجود للاسف وهذا اخطر بان تروج سيرتهم مع الغفلة للتدقيق في ان مصنفاتهم تزخر بالاعتراف بعقيدة مخالفة للشرع من الحلول ووحدة الموجود لكن الموضوع ممتاز والتفاتة جميلة
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك