د . جواد الهنداوي*
على رئيس الوزراء القادم أنْ يعتبر موضوع احترام و ترسيخ سيادة العراق أساساً جوهرياً لنجاح مهمته ، و أنْ يوليه الأولوية .
و حين نتحدث او نكتب عن سيادة العراق ،
تتجهُ افكار المُستمع او انظار القارئ ، و لللوهلة الأولى ، الى أيران او امريكا او التدخل الخارجي ، ولكن السيادة تنمو و تترعرع وتكبر وتثمِرْ من الداخل ،من العراق .
لا سيادة خارجية للعراق إن هو خاوي من سيادة داخلية . السيادة الداخلية تُفرضْ و لا تأتي بالطلب والرجاء، تُفرض على المواطن وعلى المجتمع وعلى الدولة . السيادة الداخلية هي " عباءة الدولة "، هي رداء الدولة ، وعندما تتسخ وتتهرأ عباءة الدولة ، لن يحترمها الغريب ( سيادة خارجية) .
وسائل فرض السيادة الداخلية هي القانون و قوى الامن ،شريطة ان يضمن تطبيقهما او استخدامهما العدالة بين أفراد المجتمع والعدالة بين المواطن والدولة . سيادة العراق الداخلية عليلة ، و مِنْ اسباب دائها هو عدم او سوء تطبيق القانون ، والأسباب الاخرى تكمنُ في سلوك المواطن ،حاكماً كان او محكوماً . سوء سلوك الفرد حاكماً كان او رعية هو الذي انتج الفساد ، وساهم في تدوير وانتشار الفساد . مواجهة الفساد و سوء السلوك واجبٌ على المواطن والمسؤول و الواعظ ، وتبدا مواجهة الفساد من العائلة و المدرسة و الشارع و الجامع والحسينيّة و من مرافق الدولة .
مواجهة الفساد تقتضي ولاء و حُبٌ المواطن للدولة ،و الولاء لا يكون الاّ اذا شعرَ المواطن بواجبات الدولة تجاهه . ادركُ تماماً بأنَّ رئيس الوزراء القادم ، و مهما أوتيَّ من قوة ، لايستطيع إنجاز المطلوب وهو التخلص والقضاء على الفساد ، ولكن يستطيع أن يبدأ ، ويضع العراق على طريق هذا الإصلاح .
لا ينحسرُ اثر الفساد ، الذي يستشري في جسد الدولة والمجتمع ، على السيادة الداخلية ، وانماّ أيضاً وبشكل كبير على سمعة ومكانة وهيبة الدولة وسيادتها الخارجية . لاتثقُ الشركات الأجنبية و الدول في العمل في العراق ، مما يحرمُ الدولة من استثمارات وتعامل اقتصادي تجاري و مصرفي مقبول و مُنتجْ .
ليس الفساد وحدهُ المسؤول عن تهرأ السيادة الداخلية في العراق ، وانما الاستخدام السئ للانتماءات الطائفية والعشائرية والقومية و توظيفها من اجل استخدام الدولة ،من اجل إضعاف الدولة . بالتأكيد، لا يمكن إلغاء او محو هذه الانتماءات ، ولكن ينبغي توظيفها لتعزيز كيان الدولة وسيادتها الداخلية ، ينبغي تقنينها لما فيه مصلحة الدولة . ما هو سبيلنا لذلك ؟
السبيل الى ذلك يمّرُ عبر نخبة سياسية وطنية و ناضجة ، قادرة على انتاج مجلس نيابي وطني و ليس فئوي او طائفي او قومي ، نوّابه يؤمنون ، وهم تحت قبّة البرلمان او المجلس ، بانهم يمثلون ليس طائفتهم او دينهم او قوميتهم و إنما يمثّلون العراق ! يصّوتون لصالح هذا او ذاك القرار على اساس مصلحة العراق وليس مصلحة حزبهم او مصلحة قوميتهم او طائفتهم .
مهمة الحزب الوطني هو العمل لبناء الدولة عندما يتزعم الحزب السلطة او يشارك فيها . بينما ديدن الحزب الفئوي او الطائفي هو العمل على بناء الحزب او الفئة او الطائفة عندما يتولى الحزب السلطة او يشارك في ممارستها .
لاسيادة داخلية لدولة لا تحتكرُ امتلاك و استخدام السلاح ، و ينبغي على الدولة السعي لتحقيق هدف احتكارها السلاح ، ويتوقف نجاحها على قدرتها في احتواء الفصائل المسلحة ، بالتواصل وتبادل الأفكار السياسية و أشعارها بأنَّ الدولة تقف سداً منيعاً لمنع أية انتهاكات خارجية لسيادة العراق ،ينبغي أستمالة الفصائل للعمل من اجل سيادة العراق والدفاع عن العراق . على الفصائل ادراك المعادلة التالية : " لا سيادة خارجية للعراق مالمْ تكْ له سيادة داخلية " .
عندما يتحصّنْ العراق بقيادة تنفيذية قوية ، قادرة على منع الفساد و منع التجاوزات و منع الاعتداءات و الاغتيالات الخارجية ، سيكون قادراً على احتواء الفصائل و أقناعها و دمجها جميعها في كيان الدولة .
السيادة الداخلية للدولة أذاً هي الأساس لسيادته الخارجية .لم يَعُدْ امراً صعباً على انتهاك السيادة الخارجية لدولة ما ؛ العولمة و حقوق الانسان و التجارة الدولية و القروض الدولية والإرهاب ،جميعها اسباب و مُبررات للدول الكبرى والإقليمية والقوية على التدخل في شؤون الدول الاخرى وانتهاك سيادتها . فوضى اليوم و سيادة شريعة الأقوى جعلتنا نتعايش ليس فقط مع مفهوم " انتهاك السيادة الخارجية " او التدخل الخارجي ، و إنما حتى مع احتلال لجزء من أراضي الدولة ،او الاعتداء عسكرياً على مرافق الدولة .ما حدثَ في العراق في ٢٠١٠/١/٣ مِنْ قبلَ الطائرات الامريكية هو ابعد من انتهاك للسيادة ، هو اعتداء على العراق ، ما يحدث في سوريا ، و من قبل تركيا و امريكا هو حرب على سوريا واحتلال لجزء من أراضيها ، هو ليس فقط انتهاك للسيادة الخارجية لدولة .
اصدقاءنا الامريكان ، ينصحوننا و يطالبوننا بجهود من اجل حصر السلاح بيد الدولة و مواجهة " الميليشيات " الخارجة عن القانون و جمع سلاحها ،لكنهم ،للاسف الشديد ، بانتهاكاتهم لسيادة العراق و اعتداءاتهم في العراق وفي المنطقة ، يُبرّرون للفصائل تمسكها بالسلاح بحجة دفاعها عن سيادة العراق والدفاع عن أراضيه .
الدولة ، و خاصة بعد وباء كورونا ، بحاجة الى أصدقاء يعينونها على ادارة التحديات و المخاطر التي تُحيط بها او تعيش بداخلها ، وليست بحاجة الى صديق
يكرر الاعتداءات عليها و اعتاد على انتهاك سيادتها .
تكتسبُ الدولة مناعتها في الحفاظ على سيادتها الخارجية مِنْ قوة وتمّكن داخلها . هذه رسالة الى الدولة والى المواطن والى الأحزاب و الى الفصائل المسلحة وغيرها : لا سيادة خارجية لدولة لا تمتلك سيادتها الداخلية .
*سفير سابق لجمهورية العراق رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات
https://telegram.me/buratha