د. علي مهدي
اثار تكليف رئيس الجمهورية للسيد عدنان الزرفي بمهمة تشكيل مجلس وزراء جديد عقب استقالة السيد عادل عبد المهدي وفشل السيد محمد توفيق علاوي بتشكيل مجلس الوزراء، الكثير من ردود الافعال المتباينة من قبل الاحزاب السياسية الشيعية حتى وصل من بعضها تهديداً بتقويض السلم الاهلي، بحجة ان التكليف لم يتبع الاطر الدستورية، ومما عقد الموقف دخول السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى في هذا النزاع السياسي والذي يراد منه ان يتحول صراع قانوني لتفسير نص دستوري، ومن اجل توضيح آلية تشكيل الوزارة وفق الدستور العراقي النافذ، اليكم هذه المادة الاكاديمية والتي كتبتها عند اعداد رسالتي للدكتوراه، لعلها قد تزيل بعض من الغموض، مع ايراد مقترحات لتلافي الاخطاء التي رافقت تطبيق المادة الدستورية المعنية بتشكيل الوزارة.
تشكيل الوزارة في النظام البرلماني
النظام البرلماني يقتضي وجود أحزاب سياسية ممثلة لأغلبية السكان تخوض الانتخابات بشكل منفرد أو من خلال ائتلافات، وعلى أساس المقاعد التي حصلت عليها يتم تكليف مرشح الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية المقاعد في مجلس النواب لتأليف الحكومة، والذي يقوم بدوره باختيار وزرائه من الحزب أو الائتلاف الذي جاء منه أو البحث عن قاعدة تمثيلية أوسع بالتحالف مع أحزاب أو ائتلافات أخرى من أجل ضمان الحصول على ثقة البرلمان، وهذا يتم في الدول التي قطعت شوطاً من التطور والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والتي يكون منشأ أحزابها على أساس طبقي وثقافي ومتواجدة بكل مناطق الدولة.
والعراق من الدول التي من الصعب أن تتشكل فيها الحكومة على أساس الحزب أو الائتلاف الحائز على الأكثرية في الانتخابات بمفرده، أن ذلك سوف يؤدي الى تهميش وإقصاء المكونات الأخرى بسبب عدم قدرة تلك المكونات من حجب الثقة عن الحكومة التي تتشكل من مرشح المكون الأكبر تعدادا، والذي باستطاعته أن يحوز على الثقة إذا ما أراد أن ينفرد بها.
ألزم الدستور العراقي رئيس الدولة الذي يُنتخب من نفس الدورة الانتخابية أن يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية( )، ويقوم المكلف بتسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف( )، ويكلف رئيس الجمهورية مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً، عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال مدة اقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف( ).
الدستور العراقي وتشكيل الوزارة
يعرض المرشح المكلف أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزارية على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة( )، وعند عدم نيل الوزارة الثقة يتولى رئيس الجمهورية بتكليف مرشح أخر بتشكيل الوزارة، خلال خمسة عشر يوماً( ).
من هذه النصوص الدستورية هناك ثلاثة احتمالات لرئيس الجمهورية الاول إلزامي والباقيان يخضعان للتقدير الشخصي لرئيس الجمهورية.
فقد ألزم المشرع رئيس الجمهورية أن يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً وهذا الاحتمال الأول، أما الاحتمال الثاني يتمتع رئيس الجمهورية بحرية أكبر في اختيار مرشح آخر لتشكيل الوزارة عند الإخفاق بتشكيلها أو عدم نيل الثقة من قبل مجلس النواب( ).
التزم المشرع العراقي ومن النص الخاص بتشكيل الوزارة، بخصائص النظام البرلماني عندما أعطى مجلس النواب الحق بقبول أو رفض الوزارة باعتباره صاحب السلطة التشريعية وممثل السيادة الشعبية، وأن دور رئيس الجمهورية يكاد يكون محدوداً في الاطر الشكلية؛ لأنه ملزم من خلال الفقرة الأولى من المادة 76 باختيار مرشح الكتلة البرلمانية لتفسير النص على غير هذا النحو، أو بما يمنح الرئيس صلاحية تقديرية بتكليف هذا المرشح أو غيره( ).
إن رئيس الجمهورية في اختياره لرئيس الوزراء مقيد بواقع الحياة الحزبية واختيار من له الاغلبية في البرلمان أو من ترضي عنه تلك الأغلبية، فقام الدستور العراقي لسنة 2005 بتقنين هذا الواقع وقيد رئيس الدولة دستورياً بأن يقوم بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً وليس شرطاً أن يكون حائزاً على الأغلبية من البرلمان ( ).
أما الاحتمال الثاني، فهو: مرشح جديد بالإرادة المنفردة لرئيس الجمهورية لاختيار المكلف لتشكيل الوزارة وإذا أخفق هذا أيضاً، يتم اللجوء إلى الاحتمال الثالث: الذي لا يختلف عن الاحتمال الثاني حيث يخضع أيضاً للتقدير الشخصي لرئيس الجمهورية.
لم يشر الدستور إذا استمر مجلس النواب في رفضه لتكليفات رئيس الجمهورية للمرشحين لتولي تشكيل الوزراء ورفض مجلس النواب لهم، فكان على المشرع أن يضع جزاء تجاه مجلس النواب لاستعماله حق عدم منح الثقة لمرشحي رئيس الجمهورية، بحل المجلس، وبما أن مجلس النواب هو صاحب قرار حله، فعلى رئيس البرلمان ان يبادر بطلب حل المجلس لإجراء انتخابات جديد حتى لا تبقى مؤسسات الدولة معطلة بسبب الاستعمال التعسفي لمجلس النواب بعدم قبول منح الثقة للوزارة لثلاث مرات.
فالدستورالسويدي لسنة 1974 منح رئيس البرلمان بتعيين رئيس الوزراء الفائز في الانتخابات، فإذا لم يحصل على أغلبية الاصوات يعاد التصويت وتجري عملية الاقتراع أربع مرات فإذا لم يحصل المرشح على، الأغلبية فإن البرلمان يحل نفسه عن طريق رئيسه( ).
ومن الجدير بالذكر أن الدستور العراقي قد تبنى الحل الذاتي لمجلس النواب أي عدم قدرة السلطة التنفيذية حل مجلس النواب الا بقرار منه( )؛ فبالرغم من الأرث الكبير الذي يتمتع به النظام البرلماني في السويد، فالدستور لم يتيح الفرصة لأكثر من مرشح واحد أن يؤلف الوزارة، لكنه أتاح للمرشح الفرصة بأن يجري التصويت على الوزارة أربع مرات، وبعدها أجاز المشرع السويدي لرئيس البرلمان نفسه بطلب حل البرلمان أما الدستور العراقي الحالي أتاح الفرصة لثلاث مرشحين ولم يشير إلى حل هذا المجلس إذا ما رفض هذه المقترحات الثلاث.
وهذا ما تفعله الكنيست الإسرائيلي ( )؛ حيث تلجأ غالباً إلى استخدام حقها في الحل حالة استحالة تشكيل حكومة أغلبية، والأمر الذي يلقي على الكنيست واجباً للقيام بالحل أملاً في ان تسفر الانتخابات القادمة عن أغلبية برلمانية يمكن خلالها تشكيل حكومة( ).
ولو تم حساب المدد الزمنية التي منحها الدستور لرئيس الجمهورية لتكليف المرشحين الثلاث، وكذلك المدد الزمنية لكل مرشح عند تكليفه لتشكيل الوزارة، لاستغرق الوقت إلى ما يقارب 135 يوماً، وهذا يعتبر فترة طويلة تعطل مصالح الدولة فيها؛ لوجود وجود حكومة تصريف أعمال.
مصطلح الكتلة النيابية الاكثر عددا
خضع مصطلح مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً إلى وجهات نظر مختلفة وتفسير من قبل المحكمة الاتحادية، ومن خلال الممارسة العملية عند تطبيقه في ثلاث حالات كل واحدة مختلفة عن الأخرى، مما يؤكد أهمية إعادة صياغة هذا النص، وهذه الحالات هي:
1. الحالة الأولى: عندما رشَح الائتلاف العراقي الموحد الفائز في الانتخابات التي جرت 15 ديسمبر / قانون الأول 2005 السيد إبراهيم الجعفري لرئاسة مجلس الوزراء وتشكيل الوزارة الذي اصطدم برفض الكتلتين الأخرتين، وهما التحالف الكردستاني الحاصل على المرتبة الثانية وجبهة التوافق في المرتبة الثالثة، مما اضطر على ضوئها الائتلاف العراقي الموحد من استبداله بالسيد نوري المالكي، وبهذا أن الكتلة النيابية الأكبر عدداً لا تكون حرة في اختيار مرشحها لرئاسة مجلس الوزراء( ).
2. الحالة الثانية: عندما فازت القائمة العراقية بأكبر عدد من مقاعد مجلس النواب وحصلت على 91 مقعداً، فيما حصلت قائمة دولة القانون على المرتبة الثانية بـ 89 مقعداً، وقد أثير نقاش حول الكتلة النيابية الأكثر عدداً، والتي لمرشحها الحق في تشكيل الوزارة، وقد حسمت المحكمة الاتحادية العليا الموقف بالتفسير الآتي: الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، أو الكتلة التي تجمعت في قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة، ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر عدداً، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى بتشكيل مجلس الوزراء استناداً إلى احكام المادة 76 من الدستور( ).
وعلى أساس هذا التفسير كلف السيد نوري المالكى بتشكيل الحكومة بعد أن تم تشكيل التحالف الوطني داخل مجلس النواب، وبذلك خسر الدكتور إياد علاوي فرصته بتشكيل الوزارة.
وقد أثار تفسير المحكمة الاتحادية العليا لهذا النص الدستوري، الكثير من الملاحظات والتساؤلات بما فيهم المهتمين في الفقه الدستوري.
يبدو أن الاتجاه الأقرب إلى تفسير النص هي الكتلة الفائزة في الانتخابات بالعدد الأكبر؛ لأنها تنسجم مع المنطق، وإلا لماذا تحدد بأن هناك كتلة حصلت على أعلى الأصوات، وبذلك يستلزم أن يكون لها امتياز في تشكيل الحكومة( ).
يلجأ رئيس الدولة في النظم البرلمانية بتكليف زعيم الحزب الفائز بأعلى المقاعد لتشكيل الوزارة، وعلى ضوء هذا التكليف يجري اتصالاته، فإذا حصل حزبه على الأغلبية المطلقة فمن الممكن له أن يشكل الوزارة دون الاستعانة بالأحزاب الأخرى، وإذا لم يحصل على الأغلبية المطلقة فيضطر للاستعانة بالأحزاب القريبة ودعوتها للمشاركة في الوزارة لضمان الحصول على الأغلبية المطلقة المطلوبة.
إن ما حصل بعد انتخابات 2010 مَثل إجحافاً بحق الكتلة الفائزة في الانتخابات، وإهداراً لصوت الناخب والعملية السياسية( ).
3. الحالة الثالثة: عندما فازت قائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة السيد نوري المالكي بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التي جرت يوم 30 أبريل / نيسان 2014؛ حيث حصلت على 92 مقعداً، وقد تم تكليف الدكتور حيدر العبادي من قبل رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم باعتباره مرشح التحالف الوطني العراقي في المرسوم الموقع بتاريخ 11/8/2014، في حين عبر السيد نوري المالكي عن رفضه لهذا التكليف باعتبار أن التحالف الوطني العراقي هو كيان سياسي وليس كتلة برلمانية( ).
ومن خلال هذه الحالات الثلاث فإن النص الوارد من أولاً من المادة 76 (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء) قد أثار نقاشات وتأويلات، ورغم أن الرأي التفسيري للمحكمة الاتحادية لم تحسم هذه النقاشات.
إن الأمر بحاجة إلى إعادة صياغة عند إجراء أي تعديل مقبل للدستور، ونقترح أن يكون النص وفق الآتي: (يكلف رئيس الجمهورية، مرشح قائمة الحزب أو الائتلاف الحائز على اكثرية مقاعد مجلس النواب عند الاعلان عن نتائج الانتخابات، بتشكيل مجلس الوزراء).
من التجارب السابقة
إن سلطة رئيس الجمهورية قد قننها الدستور بخصوص تشكيل الوزارة بتكليف المرشح لرئيس مجلس الوزراء دون الوزراء، فتشكيل الوزارة هي اختصاص حصري لرئيس المجلس؛ لأنه هو المعني بالتعامل معهم ومن خلالهم تحصل الوزارة ثقة مجلس النواب؛ ففي النظام البرلماني حيث يتعين أن تحصل الحكومة على ثقة البرلمان، فإن التقليد يجري أن يختار رئيس الدولة رئيس الحكومة من بين كبار الزعماء البرلمانين الحائزين على ثقة المجلس ثم يختار رئيس الحكومة زملائه الوزراء بالاتفاق مع رئيس الدولة على أن تتقدم الوزارة بعد ذلك إلى البرلمان لمنح الثقة( ).
ومن خلال التجربة العملية فقد نالت وزارة السيد نوري المالكي على ثقة مجلس النواب في الجلسة رقم 6 في 20/5/2006 بدون وزراء الدفاع والداخلية ووزير الدولة لشؤون الأمن الوطني ولم يتم تقديم هؤلاء الوزراء إلا في جلسة رقم 10 في 8 يونيو/حزيران 2006 على مجلس النواب و الثقة بالتصويت عليهم منفردين وبعدها قام رئيس مجلس الوزراء بتعيينهم().
وتكرر الأمر في الدورة الثالثة لمجلس النواب عندما لم يقدم السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء أسماء وزيري الدفاع والداخلية وبقية الوزاريين تداران بالوكالة طيلة دورة كاملة، مما كلف الأمن الوطني أضراراً كبيرة( )
ولذلك نرى من الضروري إعادة النظر في طريقة منح الثقة للتشكيلة الوزارية، الواردة في رابعاً من المادة 76 لتكون على الشكل الاتي: يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، المنهاج الوزاري على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقته عند الموافقة عليه بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه.
لم يتطرق الدستور العراقي إلى الحد الأدنى أو الأقصى إلى عدد الوزارات، وترك ذلك لتقدير رئيس مجلس الوزراء، ومن الجدير بالذكر أن القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 قد حدد عدد الوزراء بالنص الآتي: (لا يقل عدد الوزراء عن السبعة بضمنهم رئيس الوزراء) ( ) .
عند صدور مرسوم تكليف المرشح لمنصب رئيس مجلس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية، يبدأ المكلف بالبحث عن طاقم الوزارة، ويستند في ذلك إلى مجموعة من الاعتبارات منها الشخصي والحزبي والفني والمناطقي والطائفي والقومي والديني.
مقترحات مستقبلية
لقد تشكلت اربع وزارات بعد نفاذ العمل بدستور 2005 وقد شابها بعض المصاعب والمعرقلات ومن اجل تفادي ذلك نرى التعامل الايجابي مع هذه المقترحات:
1- نرى من المناسب إعادة النظر في مصطلح مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً الوارد في نص المادة 76 وتعديل بمقترح النص الآتي: يكلف رئيس الجمهورية، مرشح قائمة الحزب أو الائتلاف الحائز على اكثرية مقاعد مجلس النواب عند الاعلان عن نتائج الانتخابات، بتشكيل مجلس الوزراء.
2- من الضروري ان ينص الدستور على حل مجلس النواب، إذا استمر المجلس في رفضه لتكليفات رئيس الجمهورية بتشكيل مجلس الوزراء المنصوص عليها في المادة 76 لمرتين متتاليتين الى إجراء انتخابات مبكرة؛ لكي لا تستمر مصالح الدولة في التعطيل.
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha