بشير الوندي
مدخل
------------
نعني بمعلومة الاشارة , المعلومة التي تشي بما بعدها والتي تدق جرس الانذار وتلفت انتباه الجهاز الاستخباري , والتي بها تمسك الاستخبارات رأس الخيط وتفتح لها ملفاً وتتابعها , فهي المعلومة الاولى لكل ملف جديد , اما المعلومات التي تتدفق نتيجة التركيز على المعلومة الاولى فانها لاتعتبر معلومة اشارة , لانها معلومة تكميلية للملف المفتوح بالاصل , فمعلومات الاشارة تصدق وتصح في التصنيف فقط اذا كانت الاستخبارات لا تمتلك عن الموضوع شيئاً.
-----------------------
انواع المعلومات
-----------------------
تصنف المعلومات بشكل عام استخباريا الى عشرة انواع (انظر مبحث ١٦جمع المعلومات )
تعتبر المعلومات المادة الاساس الخام للعمل الاستخباري والاستخبارات قائمة على اساس استطاعتها ومكنتها من جمع المعلومات:
1- معلومات اشارة .
2- معلومات استكمال .
3- معلومات معالجة.
4- معلومات مهمه ( استراتيجية ) .
5- معلومات وصفية .
6- معلومات كمية.
7- معلومات دورية .
8- معلومات نقطوية .
9- معلومات اعتراضية .
10- معلومات اعلامية.
وهذه الصنوف العشر من المعلومات تشكل اساس الجهد الاستخباري بكل اذرع الجمع والتحليل , فالجميع مكلف ان يجلب هذه المعلومات سرا وعلنا وبالتجسس او بشراءها , وكنا في مبحثنا المشار اليه قد تطرقنا الى تلك الانواع العشر بإيجاز , الا اننا سنتناول كل منها في مبحث مستقل بنوع من التفصيل .
-------------------------
تعريف وتطبيقات
-------------------------
تعرف معلومات الاشارة بأنها هي المبدأ او الخبر الذي يستوجب البحث وتشكيل ملف ويعتبر بداية فصل او باب استخباري جديد , فمعلومات الاشارة هي المعلومات التي تصدر او يعلن عنها لاول مرة وتشير الى شيء جديد في اي اتجاه (حدث , قرار , برنامج , نشاط , هدف , لقاء , انتاج , اعلان سفر , حركة , مشروع , تجربة , مناورات , مشارورات , وغير ذلك ) , وهي تشكل بداية لكل جهد استخباري جديد , فمعلومات الاشارة هي تسليط الضوء على مبهم يجب التجسس عليه وتركيز الجهد الاستخباري نحوه.
الامثلة على ذلك عديدة , والاستخبارات تراقب الدول المستهدفة والدول التي تهمها باستمرار دون اغفال صغيرة او كبيرة , فهي تراقب وسائل الاعلام بكل اشكالها وتراقب التصريحات والتلفاز والاخبار والاتصالات والبريد الالكتروني والمواقع الرسمية وصفحات التواصل الاجتماعي , عدا عن معلومات جواسيسها على الارض .
فأي خبر او تصريح او موتمر او تغريدة او جواب سوال تعده الاستخبارات جديداً ويشير الى شيء ما لاتعرفه وتتوقع اهميته فانها تفتح له ملفاً وتتابعه كمعلومة اشارة اولية , كما ان اي سبق صحفي فهو بمثابة معلومة اشارة وسبق استخباري , واي حوار تلفوني او داخل مكتب وزير او قائد ينقله لنا جاسوس او عن طريق الوسائل الفنية فيكون معلومة اشارة , وأي تصريح او مكالمة او تغريدة تحمل شيئاً جديداً او معلومة غير مألوفة فتعتبر مصدر اشارة للاستخبارات , وعندما يعلن المسؤول عن سفره قريبة او اجتماع قريب او قرار او أوامر او تجربة صاروخية , فهذه بداية لها مابعدها .
فعندما تعلن دولة ما عن تجربة صاروخية اوتعديل وزاري او عقد توريد سلاح , تهتم الاجهزة الاستخبارية الراصدة وتذهب لفتح ملف بالموضوع والبحث عن الاسباب والبحث عن الحقيقة .
بل وحتى ماهو اصغر من ذلك يصبح معلومة اشارة , فالامساك بشحنة في مطار دولة تحوي جهاز الكتروني يستخدم في صنع قنبلة نووية ومتوجهة الى ليبيا مثلاً , فهي اشارة استخبارية تتبعها الاستخبارات الدولية لتعرف هل ليبيا بصدد بناء قنبلة ام ان الجهاز كانت النية تهريبه الى تشاد ام الجزائر ام الى مصر ام الى مجموعة ارهابية في مكان ما .
فحين تصل تلك المعلومة الى الاستخبارات , تشرع بالبحث عنها واستكمال مفاصلها وتركز اوامرها لجواسيسها وللرصد حولها وتبني ملفها شيئاً فشيئاً كقطع المربعات حتى تتضح لها الصورة , فلولا التنبه للمعلومة الاولى والاشارة الاولى واللبنة الاولى لما تمكنت الاجهزة الاستخبارية من ذلك , وكانت ستتفاجأ بنتائج لم تنتبه لمقدماتها .
لذا , فإن معلومات الاشارة التي تشير الى شيء , هي مهمة جداً وتحتاج الى كوادر ذكية وواعية تقرأ مابين السطور وتتلقف اي متغير مريب سريعاً , لأن معلومة الاشارة لابد ان تجد لها من يستثار بها , فأي خبر في الصحف او تصريح من مسؤول قد يحمل في طياته اشارة عند الاجهزة الاستخبارية لكنه يحتاج الى من يكتشفه ويتلقفه.
كما ان الكلمات المفتاحية التي تُراقب فنياً من قبل الاستخبارات الفنية في كل دول العالم هي في اغلبها معلومات اشارة , ومثال الكلمات المفتاحية (الرئيس , ابو بكر البغدادي , تفجير, مفخخة ...الخ ) , ذلك ان لكل دولة كلمات مفتاحية تهمها , فمن يكتبها او ينطق بها يوضع تحت المراقبة في الاتصالات او شبكات التواصل , وكلها تندرج في تصنيف معلومات الاشارة التي تشير الى شيء ما .
فالاستخبار ما وراء الحدث وما بين السطور من خلال الاشارات الاعلامية والصحفية والحوارات وحتى الكلام الصادر من خلال اجهزة التنصت والمراقبة , وتوضع جميع الاشارات في مصفوفة.
قبل انهيار القطعات العراقيه في حزيران ٢٠١٤ , كانت الاشارات واضحة وكثيرة ومتنوعة , فداعش اعلن عن نفسه دولة العراق والشام وهو لايزال في سوريا وزعيمة يكنى البغدادي , وكذلك سقوط الفلوجة وقطع الخط السريع وتسرب القطعات وفرار الشرطة وتصريحات بعض المسوولين الذين هم ضمن النظام واخذوا ينفكوا عنه ,,كلها اشارات كانت تشي بسعي داعش لاقامة دولته باعتبارها معلومات اشارة واضحة جدا .
-------------------------------
محاذير ديموقراطية !!
-------------------------------
غالبا ما يكون النظام الديمقراطي اكثر افشاءاً لاسرار الدولة بحكم توسع الهيئة الحاكمه وحرية الراي والاطلاع وعدم الخوف من العواقب , بينما يكون النظام الدكتاتوري اكثر كتماناً للاسرار , وغالبا ما يتجنب المسؤول القيام بتصريح ليس خوفا من الافشاء بقدر ما هو خوف من العواقب عليه من السلطة.
وكثيرا ما تحرج الاستخبارات من خلال ادلاء المسؤولين الحكوميين بمعلومات او اشارات غير منضبطة تسبب في يقضة الاستخبارات المنافسة او استخبارات العدو , لان العدو يبحث هو الاخر عن معلومات الاشارة .
وخاصة ان بعض المسؤولين يتبجح بالمعلومات التي يتحصل عليها بحكم منصبه , ويكثر من افشاء المعلومات ليظهر بمظهر العارف بكل بواطن الامور , كما ان بعض المسؤولين يرغبون بالفرقعات الاعلامية و المفاجات في وسائل التواصل فتراهم يصرحون باستمرار بكل ماهو ملفت واحياناً بالاسرار .
وينطبق الامر على بعض الصحف ووسائل الاعلام التي لاتلتفت احياناً الى العواقب الاستخبارية لما تنشره , فقد يتداول صحفي خبراً سري كخبطة صحفية , لكنه في الحقيقة يؤدي الى دق جرس الانذار في جهاز استخباري بدولة ما فيجري فتح ملف له في بلد العدو ويتم البحث عنه .
والواقع العراقي خير شاهد على فوضى الاسرار , فالانفلات الاعلامي الذي يحكم البلد جعل بعض القنوات تخوض في كل شيء دون مراعاة للسرية وحتى الحرمات وادت الفوضى الاعلامية الى كوارث امنية قد لا نلمسها ولا نعرف اضرارها لانها خلف الكواليس.
وصار بعض القادة يصرح ...غداً سوف تنطلق العمليات او سيجري تفتيش المنطقة سين !!! ويصرح عضو برلمان ... خصصنا كذا للجهد الاستخباري!! , ولو كان هنالك ضبط لأمكن احتساب مثل تلك الاشارة تحذيراً للعدو يدخل في باب الخيانة العظمى .
وصار من المعتاد ان يتم تداول المخاطبات والقرارات السرية واستبدال المسوولين واوامر الحركات وكل شيء على الفسيبوك , حتى وصل الحال بضباط كبار يتمردون على الاوامر امام الاعلام , وفي احدى السنوات وصل الامر الى ان ينزع احد الضباط الكبار رتبته وهو سكران اعتراضاً على الحكومة في فوضى لاحد لها بمفاهيم العسكر , وكل تلك التصرفات كانت تحمل معلومات اشارة خطيرة للعدو.
----------------
سد الثغرات
---------------
ان الاستخبارات الذكية لاتكتفي بمعلومات عن العدو وانما تبحث عن معلومات بلدها لدى العدو , فبعض التصريحات الاجنبية قد تنبه استخباراتنا الى وجود خرق في سرية المعلومات وتعمد الى معالجته وكشف من سربه .
فلو صرح رئيس دولة ما عن اجتماع سري جرى في بلادنا , فان الاستخبارات تعتبر المعلومة معلومة اشارة وتفتح لها ملفاً في باب مكافحة التجسس وتسعى لكشف الجهة التي سربت للدولة الاجنبية عن الاجتماع , وهو امر مفيد في الرقابة والتعتيم وسد الثغرات على استخبارات العدو .
كما ان معلومات الاشارة قد تكون ضمن حرب الخداع الاستراتيجي , فخبر في صحيفة الاهرام في مطلع اكتوبر 1973 , يشير الى فتح باب الحج لضباط ومراتب الجيش المصري كان معلومة اشارة تم بثها ضمن خطة خداع ليتلقفها العدو الصهيوني ويحللها على ان المصريون لن يحاربوا الا بعد الحج, وكانت من نتيجة تحليل معلومة الاشارة تلك مفاجئة العدو وعبور قناة السويس وانهيار خط بارليف في حرب 1973 .
-----------
خلاصة
-----------
معلومة الاشارة معلومة ابتدائية مثيرة تدق جرس الانذار في الجهاز الاستخباري اليقظ والذي يراقب كل مايصدر من العدو وفي بلده , ولعل التظاهرات المطلبية الجماهيرية الاخيرة قد كشفت الضعف الاستخباري الشديد في التقاط اشارات الانذار , فقبل التظاهرات باسابيع كانت الدعوة للتظاهر في 1-10 , فكان على الاجهزة الاستخبارية ان تكون يقضة لان مهمتها ان تعرف كافة المعلومات عن التظاهرات قبل بدئها سواء مايخص المطالب ومايخص مايجب فعله في تأمين الميادين والمتظاهرين والمؤسسات الحكومية , وفي تنبيه الحكومة حول درجة الغضب المتصاعد , وان تشير عليها ان حدة الغضب تتطلب منها ان تتهيأ بافعال تهديء الشارع وان تبتعد تهييجه من قبيل تأجيل ازالة التجاوزات على الاراضي وعلى الارصفة ومن قبيل التعامل الامني الحضاري مع مطالبات الخريجين بدلاً من رشهم بالماء الساخن , والاهم من ذلك , لو ان الاجهزة الاستخبارية قد اهتمت بالاشارات لأشّرت بأهمية مراقبة اسطح المباني المحيطة بساحات التظاهر كي لاندخل في نفق القناصين المجهولين!!!! , اما مايصدر الان بعد قيام التظاهرات وسقوط الضحايا والحديث عن الايادي التخريبية الخفية , فهذا هو قمة الفشل الاستخباري لان العمل الاستخباري يكون قبل وقوع الاحداث وليس بعدها , وماحصل على ارض الواقع من تصريحات استخبارية عن مندسين وقناصين ومجهولين يؤشر الى فشل في تلقي الاشارات وفي اليقضة وفي الاستقراء وفي التحليل وهو امر ادى الى الاحداث المأساوية التي صاحبت التظاهرات , والله الموفق.
https://telegram.me/buratha