جواد العطار
ورقة مقدمة للمعهد العراقي لحوار الفكر
تمهيد
الاحتلال وتأسيس الجيش العراقي
المسار السياسي والاداء الامني
تفكك الجيش العراقي على ابواب الموصل
تداعيات تراجع الاداء الامني
الخاتمة
التوصيات
الهوامش
تمهيد:
لا يخطئ الباحث او المتتبع ان سقوط مدينة الموصل في العاشر من حزيران عام 2014 وانهيار القطعات العسكرية في ثلاث محافظات لم يكن وليد لحظته او انه نتيجة طبيعية لمعركة بين طرفين، ودليلنا في ذلك بقاء قوات البيشمركة الكردية في مواقعها، بل ان هذا التراجع الكبير للقطعات العراقية والانسحاب غير المنظم كان نتيجة تراكمات سلبية عميقة في المسارات السياسية بعد عام 2003 رافقها انتكاسة كبيرة في الاداء الامني نتيجة اسباب متعددة سنحاول ان نسلط الضوء عليها في الوريقات القادمة ونختص بالجانب الامني منها.
والسؤال المهم في هذا الجانب هو : لماذا تفكك الجيش العراقي في الموصل بالعاشر من حزيران ٢٠١٤؟، رغم انه كان في تصنيف اذار ٢٠١٤ أي قبل سقوط الموصل بأكثر من شهرين: "يحتل المرتبة الثامنة ضمن تصنيف اقوى عشرة جيوش عربية في عام 2014 والمرتبة 68 عالميا، وفقا للترتيب الذي اعده موقع (Global fire power) المهتم بالشؤون العسكرية" (1).
فما الذي جرى للأداء الامني والخطط العسكرية؟ وكيف جرى هذا التراجع؟ ولماذا حدث بهذه السرعة؟ وما السبل لمنع تكراره مجددا؟.
الاحتلال وتأسيس الجيش العراقي:
نقلت جريدة المدى في نسخة مترجمة عن موقع افكار عن العراق دراسة بعنوان: تجربة تشكيل الجيش العراقي الجديد.. إعادة بناء جيش فـي منطقة حرب، واهم ما جاء فيها:
"بعد الاجتياح الأميركي عام 2003 مباشرة لم تكن سلطة الائتلاف المؤقتة تعتقد بضرورة تأسيس جيش عراقي جديد، حيث كان الكثير من المسؤولين الأمريكان في العراق يعتقدون أن الجيش القوي سيعيد ذكريات صدام حسين الى أذهان السكان من الكرد والشيعة. حتى عندما رأت سلطة الائتلاف أخيرا خطأ أساليبها، فقد كانت لا تزال تريد قوة عسكرية صغيرة وخفيفة. بدأ الوضع الأمني بالتدهور بسرعة في البلاد فاضطرت الولايات المتحدة للاعتراف بحاجة البلد إلى جيش جديد يتولى أمر "المتمردين والمليشيات"، إلا أن هذا الجهد كان يجري بطريقة عشوائية." (2).
ومن الفقرة الاخيرة " إلا أن هذا الجهد كان يجري بطريقة عشوائية"، بدأت مشكلة تأسيس الجيش العراقي لعدة اسباب:
اولا – تدخل قوات الاحتلال الامريكي في تأسيس الجيش العراقي.
ثانيا – الطريقة العشوائية في التأسيس.
ثالثا – المحسوبية والمنسوبية على حساب الكفاءة والمهنية.
رابعا – تحويل الخدمة العسكرية من التقليدية (التجنيد الالزامي) الى الاحترافية دون تمهيد او وجود اسس لنجاح هذه الخطوة الجديدة.
خامسا – غياب العقيدة العسكرية.
سادسا – تشتت الولاء الوطني تحت حراب المحتل.
يضاف الى ذلك فقد عانت تجربة التأسيس ايضا من الافتقار للتخطيط وقلة الموارد ونقص الاموال وقلة عدد المدربين قابلها العنف المتصاعد من الجماعات المسلحة اولا؛ والمنظمات الارهابية ثانيا.
يكمل تقرير المدى تأريخ انشاء القوات المسلحة العراقية:
"بعد نقل السيادة للعراقيين في حزيران 2004، خضع تدريب العراقيين الى التعديل مرة أخرى، حيث تنسب الجنرال جورج كيسي كقائد للقوات متعددة الجنسيات في العراق، كما كان على الولايات المتحدة تجميع وزارة الدفاع العراقية. ومن أواخر 2004 حتى 2005 ازداد عدد فرق الجيش العراقي من ثلاثة إلى عشرة، وكان على الجيش إعادة بناء وحداته بعد تشتتها في 2004. وأسست الوزارة أيضا قوة التدخل العراقية وقوات العمليات الخاصة التي كانت خارج سلسلة القيادة النظامية للجيش. كانت هذه القوات تواجه متاعب في دفع رواتب المنتسبين ومشاكل التجنيد واستبدال الجنود المتوفين او الذين يتركون العمل، كما كانت تفتقر الى كادر تدريبي، ومليئة بالفساد حيث الترقيات حسب المحسوبية والارتباطات السياسية. أخيرا لم تكن تستطيع تقديم الخدمات اللوجستية لقواتها وكان عليها الاعتماد على الامريكان، وكانت تفتقر الى القدرة على التعامل مع التوسع الحاصل في صفوفها" (3).
ومن هنا يتضح ان تأسيس الجيش لم يكن ناجحا او على اسس مهنية ومدروسة لا في فترة تولي الامريكان لهذه العملية بشكل مباشر او في فترة تسلم العراقيين السيادة التي كانت شكلية الى حد كبير وبالذات في الجانب الامني الذي اراده المحتل تحت قبضته.
المسار السياسي والاداء الامني:
بعد سقوط الموصل قدمت لجنة برلمانية تقريرا استمرت في اعداده ثمانية اشهر تضمن ١٨٢ صفحة وكانت اللجنة قريبة من الاحداث والافراد المعاصرين للحدث حيث قابلت منهم ١٠٠ شخصية .
بعد قراءة متأنية للتقرير يثبت ان الموصل سقطت من الداخل قبل ان تسقط من الخارج... وهذه مشكلتنا اننا نؤجل البت في تقارير اللجان وبالتالي سقطت الرمادي بنفس الطريقة بعد عام تقريبا.
والمتمعن في الاحداث يجد ان المسار السياسي والخلافات والازمات التي عانى منها البلد وبعض التدخلات الخارجية خلال السنوات من 2003 الى 2014 كانت سببا ومؤثرا سلبيا على الاداء الامني ناهيك عن ضياع استقلالية القوات المسلحة التي اصبح بعضها مقاطعات لبعض الاحزاب ومصدرا مهما من مصادر تمويلها ونفوذها، يضاف الى ذلك ظهور الارهاب واستفحاله وما رافقه من عدم الاستقرار والمفخخات والعبوات الناسفة والاغتيالات وانتشار الاسلحة بشكل كبير اثر ايضا على المسار الاقتصادي والعمراني وزاد من البطالة وادى الى انتشار الفساد حتى اصبح ثقافة لا خجل منها حتى ان كان ثمنها دماء الابرياء.
كل ما تقدم اثر بشكل مباشر على الاداء الامني وسار به الى منحدرات خطيرة دون وجود علاج ناجح سواء في وجود الاحتلال الامريكي او حتى بعد انسحابه عام 2011.
تفكك الجيش العراقي على ابواب الموصل:
ما يلفت الانتباه في اسباب تفكك الجيش العراقي دراسة للباحثة «فلورنس غاوب» التي استمرت لمدة عام في بحثها لتقدم دراسة من خمسة الاف كلمة كانت بعنوان: اسباب تفكك الجيش العراقي، ونشرها معهد «كارنيغي» للسلام حاولت من خلالها استعراض اهم اسباب ذلك التفكك الذي حدث في العاشر من حزيران عام ٢٠١٤ ، وبالشكل التالي:
(1) الغزو الأمريكي للعراق وحل الجيش ومصاعب التجنيد.
(2) غياب الإشراف والرقابة على عمل الجيش.
تقول الباحثة ان جهود إعادة بناء وزارة الدفاع قد جرت من الصفر، واعتمدت في أغلبها على طواقم من المدنيين من غير ذوي الخبرة، اضافة الى البناء السريع للمؤسسات، وقد تسبب في نشوء علاقة مشوهة بين القادة المدنيين والعسكريين ألقت بظلالها على أداء وفاعلية الجيش العراقي وطريقة إدارة الأمور في داخله.
(3) الهياكل البديلة للسيطرة على الجيش
تقول فلورنس غلوب بان: حصر المناصب الأمنية بشخص رئيس الوزراء وإنشاء هياكل بديلة مثل مكتب القائد العام ومراكز قيادات إقليمية وتقصد بذلك قيادات العمليات.. باعتبارها هياكل غير دستورية، كانت سببا في ضياع الاستراتيجية الامنية وتشتتها.
(4) جيش من طبقات
تشير الدراسة غلوب: الى أن الخلل في إعادة بناء الجيش العراقي قد تسبب في تمايز الجيش إلى طبقات. تركز الضباط الذي تم استدعاؤهم من الجيش العراقي المنحل في رتبة عقيد فما فوق، أما المجندون الجدد فقد شغلوا المناصب الدنيا والمتوسطة. كان
نتيجة ذلك، وفق الدراسة، أن كبار الضباط كانوا قد تدربوا وفق التقاليد البعثية السوفييتية، بينما تدرب الضباط الأصغر سنا على يد الأمريكيين.
وهنا تحدثت الباحثة عن صراع خفي بين الطبقتين العليا من الجيش المنحل، والأدنى من الضباط الجدد بعد عام ٢٠٠٣، لم يحسم الا بعد سقوط الموصل من وجهة نظر الباحث لصالح الطبقة الأدنى.
(5) تطييف الجيش
اي ادخال النمط الطائفي في عملية اختيار المنتسبين والضباط وفقا للباحثة.
---------
لكن رغم هذه الدراسة فان هناك اسبابا اخرى لم تتطرق لها دراسة فلورنس غاوب، منها:
· تراجع الولاء الوطني في الجيش لحساب ولاءات فرعية حزبية وفئوية وشخصية، ولا ننكر وجود الولاء الوطني لكن الولاءات الاخرى قد تغلبت عليه او اجلت تقدمه الى حين.
· القيادة: سبب رئيسي في الانتصار وسبب رئيسي في الانكسار، وقد كانت القيادة احد اسباب اغلب الانتكاسات الامنية قبل 2014.
· تصدع المعنويات.
· غياب العقيدة العسكرية اللازمة لبناء اي جيش واللازمة لاستمراره في اداء مهامه الوظيفية.
· امر سلطة الائتلاف رقم ٩١ لعام ٢٠٠٤ والخاص بدمج القوى العسكرية التي ناضلت ضد الديكتاتورية، حيث وصل الى مراكز قيادية عناصر ليس لها علاقة بالحرب والنضال والجهاد ضد الديكتاتورية بل لعبت المحسوبية والمنسوبية اثرها في وصول غير المعنيين والدخلاء الذين أساؤوا لصورة الجيش العراقي ولنضال المعارضة العراقية ضد الديكتاتورية وكانوا معاول هدم لا بناء في جسد القوات الامنية الغض الوليد.
· غياب مبدأ الثواب والعقاب، فلو تم تقديم المسؤولين عن مناطق التفجيرات الاجرامية منذ البداية للقضاء او المحاسبة لما سقطت الموصل ولفكر أي قائد الميداني مئة مرة بالعقاب والعار الذي سيلحق به وبعائلته قبل التفكير بإصدار امر الانسحاب.
· تسييس الجيش وإعلان ضباط وقادة كبار عن ميولهم السياسية علنا دون رادع، بما يخالف استقلالية القوات الامنية ومهنيتها.
· الجيش والمدن: لأسباب عديدة تم إقحام وانهاك الجيش في المدن ولسنوات؛ وفقد على اثرها اهم ميزاته وهو انه سور الوطن، وبينما هو مسترخٍ داخل المدن ويفصل بين أحيائها بالكتل الكونكريتية تسلل الارهاب عبر الحدود.
· الفساد والفضائيون (الوهميون) والروتين واشياء ثانوية اخرى لا مجال لذكرها هنا.
· التدخلات السياسية لسنوات اثر سلبا على اداء القوى الامنية ومهنيتها.
تداعيات تراجع الاداء الامني:
لا يمكن لمختص ان يقيم تداعيات تراجع الاداء الامني لكن ادناه لمحة سريعة عن بعض المستويات المهمة:
التداعيات البشرية: فقد العراق مئات الآلاف من المدنيين الابرياء بعمليات الخطف والاغتيال والتفجيرات والعبوات الناسفة يضاف اليها عشرات الآلاف الشهداء من ابطال القوات المسلحة بكافة صنوفها، ولو كان الاداء الامني مهنيا قبل 2014 لما حدث ما حدث ولما خسر العراق ابناءه بهذه الاعداد المهولة.
التداعيات الاقتصادية: شكل عدم الاستقرار الامني ضربة موجعة للاقتصاد العراقي من ناحية تدوير عجلة البناء والعمران والاستثمار وتدمير البنى التحتية في معظم مدن البلاد، واتضح تأثير العامل الاقتصادي بشكل جلي في فترة 2014 – 2016 بسبب تراجع اسعار النفط، حيث تم رهن البلد لقروض البنك الدولي.
التداعيات الاجتماعية: خلف تراجع الاداء الامني قبل 2014 اثارا سلبية جسيمة على المجتمع حيث خلف مليونين ارملة وخمسة ملايين يتيم وملايين النازحين.
التداعيات السياسية: قد يعتقد البعض ان الخلافات السياسية هي السبب الرئيسي في تراجع الاداء الامني وحالة عدم الاستقرار الامني، ولكن الحقيقة ان تأثير العامل الامني كان عميقا في تدهور الاداء السياسي ان لم يكن هو سببا في تشجيع المتصيدين بالماء العكر للتلاعب بالأمن مع كل ازمة سياسية.
الخاتمة:
لعل من يريد تقييم الأداء الامني في العراق بعد عام 2003 فانه سيجد مرحلتين تختلف إحداهما عن الاخرى، وبالشكل التالي:
المرحلة الاولى: وتبدأ من عام ٢٠٠٣ الى عام ٢٠١٤.
المرحلة الثانية: وتبدأ من منتصف عام ٢٠١٤ الى نهاية عام ٢٠١٨.
والفرق بين المرحلتين كان شاسعا جداً، ففي المرحلة الاولى كان الأداء الامني في تراجع مستمر حتى اقترب من مستوى التفكك والانهيار قبيل حزيران ٢٠١٤، بينما شهدت المرحلة الثانية تطورا كبيرا في الأداء الامني على مراحل بدأت باستيعاب صدمة سقوط المحافظات الثلاث اولا؛ وفتوى الجهاد الكفائي ثانيا؛ وإعادة هيكلة معظم القطاعات الأمنية ثالثا؛ وكشف ملفات الفضائيين (الوهميين). رابعا؛ والتقدم على الارض خامسا؛ ولم تنتهِ بالانتصار على داعش سادسا لان التقدم ما زال يسجل حلقات إيجابية في الأداء الامني وبحاجة الى مزيد من التقدم.
https://telegram.me/buratha