الاستاذ الدكتور ستار جبار علاي Sattargabaar@yahoo.com
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جامعة بغداد
المقدمة
برزت الصين كقوة عالمية كأكبر اقتصاد في العالم من ناحية القوة الشرائية, والثاني بعد الولايات المتحدة من حيث القيمة السوقية, ومن المتوقع ان تصبح الأكبر في نهاية العقد القادم.وارتفع نصيب الاقتصاد الصيني في الناتج المحلي الاجمالي العالمي من اقل من 2, 4% في عام 1995, الى اكثر من 15% من هذا الناتج مع نهاية عام 2015.وقد رافق هذا الصعود تنام في قدراتها العسكرية والاستراتيجية, ويؤكد استمرار نمو الصين كقوة عالمية, توسع مصالحها الجوهرية العابرة للحدود القومية وتزيد حدة التنافس مع الدول الاخرى وخصوصاً الولايات المتحدة.([1])
ويعد صعود الصين في نهاية القرن العشرين من اهم التطورات الاستراتيجية في العلاقات الدولية, وسجلت بداية القرن الحادي والعشرين تنامي الطموحات الصينية للعب ادوار اقليمية فاعلة وتتويجها بدور بارز ومؤثر على الساحة العالمية, ويرتكز الدور الصيني على مقومات مادية من عناصر القوة ذات الطبيعة المادية مثل المتغيرات الجغرافية والطبيعية والاقتصادية والعسكرية, والتي اعطت الصين عمقاً استراتيجياً كبيراً, وقوة عسكرية كبرى في آسيا, والصين أول قوة نووية في آسيا منذ 16 تشرين الاول(اكتوبر)1964 بأول تفجير نووي, ولديها قدرات نووية وباليستية مختلفة.([2])وسوف نتناول الموضوع كالآتي:
أولاً, السياسة الصينية تجاه المنطقة العربية
لم تحظ المنطقة العربية باهتمام سياسة الصين الخارجية منذ عقد الخمسينيات من القرن العشرين وحتى نهاية الحرب الباردة, فقد سعت الصين خلال هذه المرحلة الى تجنب مواجهة النفوذ العربي, والالتقاء بالمكاسب التي يحققها الاتحاد السوفيتي في المنطقة لإثبات الوجود الشيوعي فيها, فضلا عن البعد الجغرافي, وغياب الامكانيات الاقتصادية والسياسية التي تؤهلها للدخول الى المنطقة التي كانت ولا تزال مركزاً للتنافس الدولي, واكتفت الصين بالوسائل غير المباشرة لتوثيق علاقاتها مع الدول العربية, وقدمت المساعدات المالية بين مدة واخرى أو توثيق العلاقات من خلال صفقات بيع السلاح لبعض الدول وتحديداً مصر.([3]) وقد مرت السياسة الصينية تجاه المنطقة العربية بالعديد من المراحل والتي يمكن تحديد أبرزها بالآتي: ([4])
المرحلة الاولى وهي مرحلة عدم الفهم المتبادل وبدأت منذ عام 1949 وحتى عام 1955, وبدأت بانتصار الحركة الشيوعية في الصين لكن الدول العربية لم تعترف بالصين الشعبية إذ صوت مجلس جامعة الدول العربية في اب(اغسطس)1950 على الاعتراف بتايوان على انها الممثل الشرعي للشعب الصيني.وكان تعامل الصين مع المنطقة وفقاً لما أملته مقتضيات الرؤية للبيئة الدولية.وحرصت على الا تكون لدول المنطقة مكاناً تنفذ منه القوى العظمى المناوئة لها, بل ان تحظى بمزيد من الاعتراف بها بوصفها دولة جديدة, والنظر الى الدول العربية بأنها دول تشبهها في كفاحها من اجل الاستقلال والتحرر.
المرحلة الثانية وهي مرحلة التحول الجذري في العلاقات وبدأت منذ عام 1956 وحتى عام 1966, وبدأت بمساندة مصر في حرب 1956 ضد بريطانيا ومساندة الجزائر ضد فرنسا, وحصلت الصين على اعتراف مصر بها في ايار(مايو)1956 ثم اعتراف سوريا واليمن, واقامة العلاقات مع العراق بعد ثورة 1958, ولعل الاهم في هذه المرحلة هو مؤتمر باندونج عام 1955 وما تلاه من سحب الدول العربية لاعترافها بحكومة الصين الوطنية, وتأكيد ان حكومة الصين الشعبية هي الممثل الشرعي الوحيد للصين.
المرحلة الثالثة وهي مرحلة الارتباط الصيني الداخلي وبدأت منذ عام 1966 وحتى عام 1976, وبدأت بالثورة الثقافية الصينية التي عطلت النشاط الدبلوماسي واستدعت سفراءها من معظم دول العالم لتزويدهم بالتوجهات الثقافية الجديدة.واقيمت علاقات دبلوماسية مع لبنان عام 1971 ثم مع تركيا وايران, وبوفاة الزعيم ماوتسي تونج عام 1976 دب الخلاف بين ورثته السياسيين.
المرحلة الرابعة وهي مرحلة التحديثات الاربع في السياسة الصينية وبدأت منذ عام 1978 وحتى عام 1991, فقد تبنى المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني عام 1978 للتحديثات الاربعة وهي تحديث الزراعة, وتحديث الصناعة, وتحديث العلوم والتقنيات, وتحديث القوات المسلحة, وما احدثته من تحول جذري في السياسة الصينية, بالتحلل من الالتزامات الايديولوجية بشكل تدريجي.وتبني استراتيجية اكثر تماسكاً ووضوحاً في الهدف بالتعامل مع المنطقة العربية على اساس رؤية استراتيجية صينية ذاتية لا نتيجة لردات الفعل على سياسات دول اخرى, فهي مصدر للطاقة وسوق تجاري واستثماري للاقتصاد الصيني وهذا هو الهدف الاعلى والاغلى للدولة الصينية.
وهناك من يرى ان المراحل الاربعة السالفة والتي غطت حقبة 1949- 1971 شهدت استثناء الصين من تفاعلات المجتمع الدولي, وعدت الصين تهديداً, ودولة مشاكسة, وهدفاً للعقوبات والاحتواء والحوكمة من قبل المعسكر الغربي, وبعده الاتحاد السوفيتي, وقد اشتكت الصين من ممارسات الحوكمة العالمية بكونها حجة تتذرع بها القوى العظمى للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الضعيفة, والتحكم بمصير العالم النامي.([5])
المرحلة الخامسة وهي مرحلة الصعود الصيني وتبدأ منذ عام 1991, عندما ظهرت سياسة القطب الواحد الذي فرضت فيه الولايات المتحدة الامريكية ما اطلق عليه(النظام الدولي الجديد), فقد بدأ صعود الصين الاقتصادي في التسعينيات من القرن العشرين, واصبحت الشريك الاقتصادي الاول, والخصم الأكثر اهمية للولايات المتحدة الامريكية, لكنها لم تقد على تحدي الولايات المتحدة علناً في شأن القضايا العالمية والاقليمية أو حتى الثنائية, إذ اتبعت الصين مبدأ العمل من دون لفت الانظار, وتابعت الصين طفرتها الاقتصادية, وشهد عهد الرئيس جيانغ زيمين(1993- 2003) قفزة كبيرة في معدلات النمو الاقتصادي, وتحسن العلاقات مع معظم دول العالم, وعودة هونغ كونغ في عام 1997, ومكاو من البرتغال في عام 1999.([6])وتستمد الصين وزنها وثقلها الرئيسيين على المسرح الدولي من كونها قوة عالمية عظمى صاعدة, فاقتصادياً بلغ معدل النمو السنوي الصيني 9%, وسوف تصبح القوة الاقتصادية الاولى في العالم عام 2030, لتحتل بذلك المكانة الاولى التي تتمتع بها الولايات المتحدة الامريكية حالياً, فضلاً عن وزنها الجيوسياسي العالمي, ومساحتها البالغة 9, 5 مليون كم2, الامر الذي يوفر لها قدرات بشرية كبيرة من جهة اقتصادية وجغرافية غير محدودة من جهة اخرى, كما ان الصين هي البلد الاكثر سكاناً في العالم بما يتجاوز المليار وربع المليار شخص.([7])
المرحلة السادسة وهي المرحلة التي شهدت طرح مفهوم المصالح الجوهرية في عام 2003, والتذكير بمبدأ الصين الواحدة, وطرحه وزير الخارجية الصيني في 19 كانون الثاني(يناير)2003, في مواجهة تسارع خطوات تايوان نحو الاستقلال, وان التعامل مع هذه القضية على نحو صحيح هو المفتاح لضمان علاقات مستقرة مع الولايات المتحدة, وتوسع مفهوم المصالح الجوهرية في عام 2006 ليضم اقليمي التبت وشينجيانغ.وبصدور الكتاب الابيض (التنمية السلمية للصين في عام 2011) , تحددت المصالح الجوهرية للبلاد بسيادة الدولة, والامن القومي, وسلامة اراضيها وإعادة الوحدة الوطنية, والاستقرار السياسي والاجتماعي الشامل, والضمانات الاساسية لضمان التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة, وبدت سياسة الصين الخارجية اكثر حزماً, وخصوصا في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ.
والواقع ان هذه السياسة ارتبطت بصعود الزعيم شي جين بينغ الى قيادة الحزب الشيوعي في تشرين الثاني(نوفمبر)2012 والى رئاسة الصين في اذار(مارس)2013, وطرح مفاهيم مثل الحلم الصيني والتجديد الوطني التي تسعى الى تعزيز مكانة الصين كقوة عالمية.وأكدت الاستراتيجية العسكرية الصينية التي صدرت في ايار(مايو)2015, تلا ذلك صدور قانون الامن القومي في حزيران(يونيو)2015, التي اعادت التشديد على المصالح الجوهرية للصين, وأعادت الصين التأكيد في عام 2017 بكتاب ابيض عنوانه سياسات الصين حول التعاون الأمني في آسيا والمحيط الهادئ, والتركيز على السلام والاستقرار في المنطقة من خلال الحوار والتعاون.([8]) ويمكن ان يتحقق الجزء الاهم لكل ذلك في طرح القيادة الصينية فكرة إنشاء طريق الحرير الجديد لتعميق الاصلاح والانفتاح وتلبية متطلبات التنمية في الصين, وتعزيز التعاون مع الخارج, وبدأت الفكرة بمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته الى كازاخستان في ايلول(سبتمبر)2013 بإنشاء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير, ومبادرته لإنشاء طريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين خلال زيارته الى اندونيسيا في تشرين الاول(اكتوبر) من العام نفسه.فالهدف من المشروع هو التعاون الاقتصادي, والتواصل الانساني والثقافي كدعامة رئيسة, وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة, وعدم السعي لانتزاع الدور القيادي في الشؤون الاقليمية, أو تحديد نطاق النفوذ في المنطقة, ويستعين المشروع بأطر التعاون القائمة والفاعلة, وفي الاطار الجغرافي سيكون الطريق مفتوحاً, وستلعب الدول الواقعة فيه دوراً مهماً برياً وبحرياً, ويمكن للدول الاخرى المشاركة فيه.([9])وكان هناك تجاوب عربي مع مبادرة الحزام والطريق, ووقعت العديد من البلدان العربية مثل الكويت والسعودية ومصر في هذا الاطار.وفي منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الذي عقد في ايار(مايو)2017 في بكين, وقعت عدة دول عربية اتفاقيات مختلفة للاقتصاد والتجارة والبنية التحتية والطاقة والقدرة الانتاجية والزراعة والتمويل والاعلام والثقافة.([10])
وتزايدت حاجة الصين الى موارد الطاقة اللازمة لتدوير عجلة الاقتصاد منذ بداية الاصلاحات الاقتصادية في نهاية عقد السبعينيات من القرن العشرين, ومنذ عام 1993 خرجت الصين من حالة الاكتفاء الذاتي من النفط لتدخل في نادي الدول المستوردة, ووضعت استراتيجية لتأمين احتياجاتها من الطاقة وعرفت باسم استراتيجية التوجه نحو الخارج وتعتمد على توفير موارد الطاقة من النفط والغاز من خلال الاستثمار في مناطق انتاج الطاقة الرئيسة في العالم, وتنويع مصادر الامداد وعدم الاعتماد على منطقة الشرق الاوسط فقط, لتجنب الوقوع في مأزق طاقة في حال حدوث اضطرابات في تلك المنطقة المعروفة بعدم استقرارها.([11])
يمثل الاقتصاد ابرز مقومات القوة الصينية ومحور مكانتها الحالية, واولوية لها في سلم اهتماماتها الدولية, وبسبب كونها المجهز الاساسي للطاقة في العالم حظيت منطقة الشرق الاوسط باهتمام الصين الكبير لضمان مصالحها اولا, واكتساباً للتأثير الاستراتيجي ثانياً, وان كان عبر دبلوماسيتها الاقتصادية, فالصين أكبر مستهلك للطاقة ومستورد لها في العالم, حيث تستورد حوالي 60% من احتياجاتها النفطية, وأكثر من ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي سنوياً, وهذه جوهر المخاوف الاستراتيجية الصينية في ظل تلمسها لاستراتيجية خنق (طاقوية- وإحاطة بحرية) امريكية لها بدت ملامحها واضحة ميدانياً, ومن هنا تتصاعد اهمية الشرق الاوسط بالنسبة اليها.([12])
وتطرح الصين خطاباً سياسياً تؤسسه على تراثها الحضاري وخبراتها التاريخية.وتبني مشروعها في اطار تعاوني سلمي يعزز التواصل الحضاري مع الدول الاخرى, وترفض الصين تعزيز حضورها في الاقليم من خلال الحروب والازمات.والسعي لتنشيط العلاقات الاخرى السياسية والعسكرية وغيرها.([13])كما تبنت الصين سياسة خارجية حذرة ومرنة وتحدد موقفها وسياستها الدولية انطلاقا من المصالح الاساسية للشعب الصيني, وتحكم المصالح علاقاتها مع معظم دول العالم لتتمكن من توسيع علاقاتها ومصالحها الاقتصادية بغية تلبية متطلبات نموها المتصاعد بالاضافة الى الاستثمارات وتبادل الحصول على التكنولوجيا المتقدمة من خلال اعتماد سياسة القوة الناعمة تمهيداً لبروزها كقوة كبرى في النظام الدولي, ولذلك لا ترغب الصين بالتدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية للدول وليس لها نية في التدخل المباشر, فالصين تسعى للتركيز على الشؤون الاقتصادية لمنطقة الشرق الاوسط ودعم الدول المتضررة بالمعونات المدنية كما تسميها لأسباب مرتبطة بمنطلقات تؤثر على هذا الادراك بشكل سلبي أو ايجابي على نظامها وأمنها القومي.([14])
وترى الصين في الدول النامية ميدانا حيويا لتحقيق الطموح الاستراتيجي لها في طرح(مفهوم جديد للامن), الذي يؤمن الصعود السلمي للصين كقوة عالمية, ويمنحها (الشرعية)من المجتمع الدولي, فضلا عن تحقيق هدفها طويل المدى بإقامة نظام دولي ديمقراطي متعدد الاقطاب, ويحقق العدالة والمساواة بين اطرافه.لذا, فان هناك مصالح قومية واحتياجات استراتيجية ملحة تقف وراء الاهتمام الصيني بالدول النامية, تتعلق بقدرتها على الحفاظ على استدامة تنميتها الاقتصادية, ومن ثم استقرارها السياسي .فالصين تحتاج الى هذه الدول لإمدادها بالموارد الضرورية لأهداف التنمية الصينية, كما ان الاسواق الهائلة لهذه الدول تلعب دورا مهما في استدامة نمو اقتصادها. وتروج الصين لنموذجها الاقتصادي بين الدول النامية على انه اقل ايلاما في تكلفته السياسية والاقتصادية مقارنة بالنموذج الغربي, وتحرص على تقديم المساعدات والمعونات الفنية والتكنولوجية والاقتصادية لعدد كبير من هذه الدول, دون اشتراطات او مطالب سياسية, مع التأكيد على الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في الدول المتلقية لهذه المساعدات.([15])
الا ان الصين لا يمكن لها ان تتجاوز قدراتها الحقيقية, فهي قلقة أو تخشى من التورط بأي مشكلة, وهذه من خصائص ثقافة الشعب الصيني ذاته, فضلا عن عدم الاستعجال أو السرعة باتخاذ القرارات وخصوصا الخارجية منها, فالاستراتيجية الصينية في كل العالم تهدف الى التوازن مع الولايات المتحدة الامريكية من حيث مديات النفوذ, لكن الصين ليس لديها استراتيجية متكاملة تجاه هذه المنطقة المعقدة المهمة, مما يجعل قراءة الموقف الصيني ضعيف جداً في منطقة الشرق الاوسط من الناحية الاستراتيجية ولذلك تسعى الصين لعدم الانغماس بشؤون الشرق الاوسط من الناحية السياسية واذا ما تحرك عليها يتحرك من باب اقتصادي بحت كونها منطقة ذات اهمية استراتيجية اقتصادياً.([16]) وقد اتبعت الصين في تحركها مرحلتين إمتدت المرحلة الاولى منذ قيام الثورة الصينية وحتى منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين وفيها مدت الصين يد العون الى حركات التحرر الوطني في القارة لمساعدتها على مجابهة الاستعمار والحكومات الموالية لها, وتغطي المرحلة الثانية منذ بداية منتصف عقد السبعينيات إذ سعت الصين الى بناء علاقات مع الانظمة القائمة بغض النظر عن ميولها واتجاهاتها, وقطع المعونات عن الحركة الثورية في قارة آسيا, وتوجت هذه المرحلة بزيارة هواكوفينج الى ايران في ايلول(سبتمبر)1978 تتويجاً للانفتاح الصيني على الانظمة الآسيوية القائمة والتخلي عن مبدأ الثورة الدائمة.([17])وقد اتبعت الصين العديد من السياسات ابرزها: ([18])
1. التوغل في دوائر النفوذ والأمن التقليدية الامريكية, من خلال الاتفاقات المختلفة مع دول منطقة الشرق الاوسط, وابرام اتفاقيات التعاون العسكري, والبترولي حفاظاً على مصالحها النفطية.
2. توثيق التعاون والتقارب مع القوى المستهدفة من قبل الولايات المتحدة وخصوصاً ايران وسورية وكوريا الشمالية والعديد منها وضعتها واشنطن على قائمة محور الشر ومنبع التسلط والعنف في العالم, وعمق ذلك الادراك السلبي الامريكي لتلك العلاقات اهمية الصين ودورها في تطوير القدرات النووية العسكرية لتلك الدول سواء من خلال تزويدها بالمواد والتقنيات النووية أو تكنولوجيا الصواريخ.
3. تأسيس تحالفات أو تجمعات استراتيجية مناهضة للهيمنة الامريكية في القارة الآسيوية والشرق الاوسط والعالم, وتوثيق العلاقات مع ايران وروسيا والهند, فتأسيس منظمة شنغهاي للتعاون كان محاولة لإقامة توازن مع مشروع الهيمنة الامريكية في المنطقة, والمطالبة بضرورة تغيير توازن القوى الدولية, وتجاوز عدم المساواة في الاقتصاد والسياسة الدوليين, والمطالبة بسحب القوات الامريكية من منطقة آسيا الوسطى, وإذا كان هدف المنظمة حل المشكلات الحدودية والاقليمية للصين وروسيا وكازاخستان, وقرغيزستان, وطاجيكستان, واوزبكستان, ولكنها مع انضمام قوى كبرى مثل ايران والهند وباكستان جعل من المنظمة قوة موازية للناتو على حد تعبير البعض.
4. محاولة الصين الاشتراك في عملية السلام وتعزيزها في الشرق الاوسط, ومحاولة ان يتم ذلك عبر البوابة الاسرائيلية, والمشاركة في الاحداث الدولية كراعً للسلم والأمن الدوليين.
5. تعزيز العلاقات مع اسرائيل واحداث توازن أكبر بين اسرائيل والعرب من خلال الاعتراف بإسرائيل وتسوية القضية الفلسطينية بالطرق السلمية وفق قرارات الامم المتحدة, لغرض الاستمرار في الاستفادة من الخبرات الاقتصادية والتقنية والعسكرية الاسرائيلية.([19])
ثانياً, تحول السياسة الصينية تجاه المنطقة
كان تزايد نمو الصين اقتصاديا وحاجتها المتزايدة للاسواق الخارجية والاستثمارات والمواد الاولية, دافعاً لتغييرت في ملامح سياستها الخارجية تجاه الكثير من مناطق العالم المختلفة.فقد كانت الصين حتى اوائل الثمانينيات من القرن العشرين مجرد اكبر اقتصاد زراعي مكتف ذاتيا", وبحلول عقد التسعينيات تزايدت واردات الصين من النفط الايراني من 5% مليون برميل عام 1992 الى 16, 87 مليون برميل عام 1994, لتصبح في عام 2004 ثاني أكبر مستورد للنفط بحوالي 14% من مجمل وارداتها, الى جانب ذلك استيراد الغاز الطبيعي المسال, فقد حصلت احدى الشركات الصينية على عقد استيراد ما قيمته 20 مليار دولار من الغاز الايراني, وعقود اخرى تمتد لخمسة وعشرين عاما مقبلاً بقيمة مئة مليار دولار, ([20])واصبحت في العام2005, سادس اكبر اقتصاد في العالم, وبلغ انتاجها المحلي الاجمالي 1, 2تريليون دولار امريكي, ويتجاوز نموها الاقتصادي السنوي9% وتعد وفقا لبيانات العام2006, رابع قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان والمانيا.وبحلول عام 2008 وصلت نسبة الواردات الصينية لايران الى حوالي 47% وتقدر نسبة السلع المصنعة مجتمعة الى ثلاث ارباع صادرات الصين الى ايران. وتمتلك الصين نحو 100 مليار دولار من احتياطيات النقد وهي بذلك من كبريات الدول التي تملك احتياطيات من النقد الاجنبي وتعد صاحبة أعلى نمو في العالم خلال 30 عاماً, وبحلول منتصف عام 2010 اصبحت ثاني اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية.والصين اكبر دولة مصدرة وثاني اكبر مستوردة في العالم.وهي الاولى في العالم في تحقيق فائض تجاري, وفي تحقيق اكبر احتياطي نقدي, حيث نما من 167 مليون دولار عام 1978 الى اكثر من 2 ترليون دولار نهاية عام 2009.([21])وحافظت الصين على قوة الدفع والنمو الاقتصادي, وتحقيق معدل للنمو بلغ 7, 7% عام 2013, وهو المعدل نفسه الذي تحقق في عام 2012, وزاد عن المستهدف من جانب الدولة, والذي لم يكن يتجاوز 7, 5%.ولعبت قرارات الرئيس الصيني تشي جينبينغ في تشرين الثاني(نوفمبر)2013, والتي اقرت من قبل المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في اذار(مارس)2013, ونصت على تحرير اسعار الفائدة, وتخفيف القيود المفروضة على الاقامة في الصين, وتشديد الرقابة على البيئة, وترك اسعار الصرف بعيداً عن التدخل الاداري.([22])
اصبحت منطقة الشرق الاوسط احدى اكثر مناطق العالم تأثيرا في عملية التنمية الصينية, ويمكن تحديد اهمية المنطقة للسياسة الصينية في كونها المصدر الرئيس للنفط العالمي من جهة , ولوردات الصين النفطية المتزايدة من جهة اخرى , ناهيك عن الاسواق الكبيرة التي تلتهم المنتجات الصينية من الانواع كافة, فضلا عن صادرات السلاح الصينية المتنوعة التي تذهب الى العديد من بلدان هذه المنطقة.ويدرك القادة الصينيون الاهمية الكبرى للشرق الاوسط وارتباطه باستمرار حالة النمو الاقتصادي الداخلي بوجه خاص, وبالصعود الصيني في السياسة الدولية بوجه عام.كما يدركون الحاجة الى اشاعة نوع من الاستقرار النسبي في المنطقة ككل, بما يحول دون تعطل المصالح الصينية المتنامية فيه, ويدركون ايضا ان هذه المهمة ليست يسيرة, نظرا لما في الاقليم من صراعات ممتدة وعمليات تنمية متعثرة , فضلا عن نفوذ امريكي يصعب تجاوزه وسياسات دولية تقودها واشنطن تميل نحو عسكرة الازمات , ويؤكد هذه الرؤية الرئيس الصيني هوجنتاو في خطاب له في نيسان(ابريل)2007, ان وجود شرق اوسط متناغم هو في مصلحة شعوب المنطقة والعالم باسره على المدى الطويل, كما ان السلام والاستقرار في المنطقة يعد رغبة مشتركة للعالم بأكمله.([23]) وتقوم استراتيجية أمن الطاقة الصينية([24]) على المرتكزات الآتية: ([25])
1. (تنويع مصادر الطاقة, خاصة المتجددة والنظيفة منها.
2. تنويع الامداد من مصادر الطاقة على المستوى العالمي.
3. تنويع مسارات الاستيراد بتخفيض الاعتماد على نفط الشرق الاوسط.
4. تطوير عمليات ترشيد الطاقة.
5. تعزيز عمليات التنقيب والانتاج من حقول النفط الصينية.
6. تشجيع التعاون الدولي في عمليات البحث والانتاج الخارجية.).
وقد وفرت منطقة الشرق الاوسط حوالي 52% في عام 2013 من واردات الصين النفطية والتي مثلت حوالي 2, 9 مليون برميل يومياً, وشكلت منطقة الخليج المصدر الاساسي لتزويد الصين بالنفط, في ظل ما تمتلكه المنطقة من احتياطات نفطية ضخمة.ويمثل التعاون الصيني- الخليجي المحور الاهم في هذا المجال, ومن خلال محورين مهمين اولهما يقوم على استيراد الصين للنفط من دول الخليج, وثانيهما دخول شركات النفط الصينية في بعض دول المنطقة للتعاون في مجالي الاستكشاف والانتاج, سعياً من القادة الصينيين لتطوير سياسة خارجية تخدم متطلبات التنمية.([26])ولهذا تبرز اهمية الشرق الاوسط في سياسة الصين بالآتي: ([27])
1. ان الشرق الاوسط ساحة منافسة بين القوى العظمى, فالصين هي القوة الصاعدة, والمنافس المباشر للنفوذ الامريكي, وبدرجة اقل للنفوذ الروسي في المنطقة.
2. دور المنطقة في امدادات الطاقة وتأثيرها في التجارة والاستثمار الصيني.ففي عام 2007 كان لدى الصين 4800 مليار دولار من مدخرات الشركات والعائلات, أي ما يعادل 160% من مجمل ناتجها المحلي.وسيكون لدى الصين في عام 2020 حوالي 17700 مليار دولار من المدخرات, وبمغادرة نسبة 5% فقط من هذه المدخرات البلاد في عام 2020, فان هذا يعني 885 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية وإذا وصلت نسبة التدفقات الى الخارج نسبة 10% من المدخرات فإنه يعني خروج 1700 مليار دولار للاستثمار في الخارج.([28])
3. طبيعة الروابط التي تربط الصين بالمنطقة وتحديداً العرقية والدينية وغيرها.
4. اهمية المنطقة التي تعد مفترق طرق جغرافي استراتيجي عالمي, وتزايد اهميتها بالنسبة للصين.
5. دور الصين في تزويد دول المنطقة, بالاسلحة والتقانة التي ترفض الدول الغربية أو حتى روسيا بيعها, مثل الصواريخ بعيدة المدى, وطائرات من دون طيار, والاقمار الصناعية, وحتى التقانة النووية السلمية.([29])
ان حاجة الصين الى النفط الايراني وضعها في موقع مهم في الاستراتيجية الصينية, إذ اصبحت الصين الغطاء الدولي لها في مجلس الامن مع احتدام الازمة النووية, فالقلق على امن الطاقة الذي يؤثر على خططها التنموية, يزيد من قوة التحالف الايراني الصيني الذي يمكن ان يؤدي الى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة العربية.([30]) ولذلك سعت الصين الى تحقيق أمن الطاقة عن طريق العلاقات مع ايران كمنتج رئيسي وشريك اقتصادي, وهي أفضل الطرق للوصول الى غاز وبترول وسط آسيا, والسعي الى تنويع مصادرها عبر العالم حتى لا تتعرض لخطر المقاطعة, وبذلك ظهرت الصين كلاعب دولي كبير في مجال السياسات البترولية العالمية, خاصة مع تنويع علاقات وأنماط ومستويات المشاركة قدر الامكان, ومحاولة انجاز مشروع لنقل البترول عبر خط انابيب من حقل أوزون الذي تمتلكه الصين داخل كازاخستان عبر تركمانستان وايران في طريقه الى الخليج حاملاً النفط الى الموانئ الصينية.([31])
https://telegram.me/buratha