دراسات

مستقبل مجلس التعاون الخليجي في ضوء المتغيرات الدولية والاقليمية المعاصرة


أ.م.د. احمد عدنان الميالي  ahmed_adnan39@yahoo.com

 نشر في العدد 46 من مجلة حوار الفكر الفصلية الفكرية الصادرة عن المعهد العراقي لحوار الفكر

تولد ١٩٨٣ النجف الاشرف ، استاذ الفكر السياسي جامعة بغداد ، ٤٠ بحث في مجال العلوم السياسية ، اكثر من ١٠٠مقال سياسي منشور في صحف ومجلات ومواقع محلية ودولية ، كتاب منشور مشترك واثنان تحت الطبع ، عضو هيئة تحرير مجلة حوار الفكر

مقدمة :

   توجد العديد من مقومات اقامة وحدة خليجية في ضوء بنائية كونفدرالية كما هو الحال في بنائية الاتحاد الاوربي، ووجود محاولات لتطوير المنهج البنائي المؤسسي لمجلس التعاون الخليجي تدور حول توسيع التنسيق في كل المجالات مع الاحتفاظ بالاستقلال والسيادة مع قيام كل دولة بتحقيق التنمية القُطرية مع ايجاد درجة معينة من التنسيق في السياسات الاقتصادية كخطوة لتحقيق التكامل الاقليمي لدول الخليج والانتقال الى فكرة الوحدة الشاملة. فالمقصود بفكرة التنظيم الاقليمي الفرعي هو بدء التكامل للمجتمعات ذات الاوضاع المتشابهة او المتجانسة جغرافيا وتاريخيا وثقافيا كخطوة نحو الدخول في تجمعات اوسع نطاقا ، الا ان قضية السيادة وسعت الصدع مع فكرة الوحدة ولم تفلح كل المفاهيم والمقومات الاجتماعية والجغرافية والامنية والاقتصادية على رأب الصدع ازاء قضية السيادة المانعة لمسالة الوحدة والاندماج ([1]).

    اذ ثمة معوقات عديدة شابت النظام الاساسي لمجلس التعاون الخليجي لم تفلح كل المحاولات الفوقية من معالجة تلك النواقص والثغرات التي تدفع الى التكامل الاقليمي الخليجي، ولازالت مقومات الانقسام والانشقاق والاختلاف حاضرة ضد جدوى الوحدة الخليجية .

    اهمية الموضوع : من هذه المقدمة تتضح اهمية الدراسة : من ان الامن القومي العربي يرتبط نسبياً بمحددات ومتغيرات العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي من حيث الوحدة والانقسام، انطلاقا من الاهمية الاستراتيجية والاقتصادية التي تتمتع بها منطقة الخليج، اضافة الى التنافس الجيوسياسي الذي يتصاعد حولها لاستخدامها منصة لادارة الصراعات والسيطرة في المنطقة.

   مشكلة الدراسة : فيما لو ارادات دول مجلس التعاون الخليجي التحول الى البناء الكونفدرالي او على الاقل التقارب والتفاهم وحل المشكلات وادارة الازمات، والتنسيق على لعب دور ايجابي يضمن الامن القومي العربي، فأن اشكالية لازمة تواجه تطوير المنهج البنائي والمؤسسي لدول مجلس التعاون الخليجي، وهي اشكالية السيادة والاستقلال، لإنهما يتصادمان مع العمل الوطني الداخلي وتتقاطعان مع فكرة التنظيم الاقليمي الفرعي الذي يفترض تنازلا جزئيا عن بعض مقومات السيادة وركائز الاستقلال، اضافة الى اعتماد دول الخليج على الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا في ضمان  أمنها منذ حرب الخليج الثانية.

 فرضية الدراسة : تنطلق فرضية الدراسة من محاولة الاجابة عن السؤال التالي: هل ان مجلس التعاون الخليجي بتحدياته الراهنة قادر على الحفاظ على الامن القومي العربي مستقبلا في ظل عدم وجود صيغ جديدة محددة للترتيبات الامنية في المنطقة بعد الازمة الخليجية الاخيرة مع قطر؟

    ولاثبات فرضية البحث المرتبطة بالاجابة على هذا التساؤل المركزي في البحث سنوضح  ان امن المنطقة مرتبط بالارادة السياسية للدول الاعضاء في المجلس اضافة الى فاعلية هياكله، فضلا عن الارادة الدولية المتمثلة بالولايات المتحدة وبريطانيا.

    ولهذا سنبحث في هذه الورقة اولوية المعوقات والانقسامات على عوامل الوحدة وانعكاس ذلك على امن المنطقة، مع وجود العديد من مظاهر التجانس الخليجية التي بحثت سابقا، واسهمت في دعم الاستقرار السياسي لدول مجلس التعاون الخليجي وهي معروفة كالنخب السياسية الحاكمة والثقافة السياسية القبلية للبنى الاجتماعية والعامل الديني والريع النفطي، لكن هذه العوامل التي ادت ادواراً في الاستقرار والتجانس ادت ادواراً اضعفت واقلقت هذا الاستقرار والتجانس، ان المعوقات والنواقص والاختلافات السياسية تدفع باتجاه تفكيك او تعطيل دور مجلس التعاون الخليجي الذي كان افضل تجربة تكامل اقليمي في المنطقة العربية ، ضمن المحاور الاتية مستخدمين المدخل التاريخي والمنهج التحليلي والوظيفي .

 المحور الاول : المعوقات النظرية  

     ونقصد بها هنا وجود اختلافات وصراعات نخبوية برزت على شكل قضايا نظرية متعارضة تهم موضوعة الوحدة الخليجية على مستوى البناء والتأسيس الهيكلي لمجلس التعاون الخليجي جعلته يأن من تصارع وجهات النظر المعبأة ايدولوجيا وسياسيا . اذ فشلت النخب السياسية الخليجية من الاتفاق على تطوير نظري حديث يهيكل مقومات الوحدة ومن هذه الاختلافات النظرية:

 ١- الاختلاف على تحديد الاسماء والمفاهيم والمصطلحات : فقد دب الخلاف حتى على الاسم الذي يطلق على التجمع الخليجي الوحدوي عند انطلاقة مجلس التعاون الاولى وكانت محركات الانقسام قبلية وعوائلية واريد وضع الاسم بناءً على صلات الدم والعصبية والعادات والتقاليد ذات الجذر الواحد بدل الاتفاق على اسم يحاكي الاتحادات الكونفيدرالية المتماسكة من حيث البناء التنظيمي والعمل والمهام التي تسعى اليه اهدافه ([2]).

 ٢- الاختلافات الهيكلية والتنظيمية: اذ لم تغادر النخب السياسية الخليجية الاطار التقليدي في العمل الموسسي ولم تستطع التجاوب مع المعطيات الحداثوية في العمل الاقليمي والدولي المتجاوز لعقد التاريخ والدين والقبيلة وظلت تراوح بطرح مقترحات لاتتجاوز كون مجلس التعاون الخليجي تكتلا اقليميا وليس نظاما فرعيا متجانسا وظل في سياق الاستقطابات في مسائل التمويل والانفاق والمواقف لها انعكاسات سياسية كمثال الموقف من ايران والعراق والصراع العربي الاسرائيلي اضافة الى التدخل الامريكي في شؤون دول المجلس وسلبيات ذلك على علاقاته مع تلك الدول قيدت الى حد كبير طرح اي بدائل للتحديث([3]) .

    اذ طغت الاختلافات النظرية والهيكلية على حساب الجوانب العملياتية والبراغماتية واذا كانت المقدمات تؤشر اختلافات على المسميات والهياكل فحتما ستبرز على السطح الاختلافات ذات العمق البنيوي كمشاكل الحدود والزعامة والمواقف وهذا ماحصل في عام ٢٠١٧، في الازمة القطرية مع السعودية والامارات والبحرين ومصر، اضافة الى المشاكل القديمة التي حصلت من عام ١٩٩٦ لغاية ٢٠١٤ بين قطر والسعودية.

الاختلافات الايدولوجية : كما ذكرنا اعلاه عكست الايدولوجية السياسية خلافات داخل دول مجلس التعاون الخليجي وضيقت على الخيارات المنهجية وادت الى اختلال التوافق الاستراتيجي المستقبلي للمجلس خاصه بعد استبعاد العراق منه في فترة البعث ولازال النفور مستمر في عهد حظوة الشيعة في الحكم مما كرس الاختلافات الايدولوجية داخل دول المجلس، والتنافر والتجاذب مع ايران في حالة قطر والموقف من حراك البحرين والحرب على اليمن، كلها عوامل محركاتها ايدولوجية اعاقت الوحدة الخليجية وغذى نعرة التعصب والتشدد وسادت نظرة على دول المجلس من الخارج ان دوله عاجزة عن ايجاد مشتركات ايدولوجية وسياسية فتكرست المماحكات الفكرية وانعكست على البنية التنظيمية ادى الى ضعف الارضية السياسية المشتركة للمجلس وتصارع الافكار والخلفيات منها اسلاموية ومنها قومية ومنها قبلية ومنها حداوثويه باتجاه الغرب فضلا عن توجهات الانظمة الفرعية والحركات الداخلية لدول المجلس ([4]).    

      الاختلافات الايدلوجية تبلورت في الازمة الخليجية مع قطر والتي بدأت مع أزمة سحب السفراء في آذار ٢٠١٤. وتكللت بالصراع الخليجي بعد زيارة ترامب للسعودية في عام 2017 وتفاعلاتها . هذا الصراع والتصعيد جاء تنفيذا لإجندات ترامب الرامية إلى محاولة حسم ملف النزاع مع الإخوان المسلمينَ وراعيتهم الخليجية قطر، على قاعدة الإيفاء بالوعود الإنتخابية لترامب في البيت الداخلي الأمريكي. ويعد ملف الإخوان المسلمين  في مقدمة الملفات التي يريد ترامب طي صفحتها ثم التفرغ للملفات الأخرى المتمثلة بمواجهة إيران في العراق وسوريا.مستوى الصراع الخليجي مع قطر ارتبط بإنفتاح من قبل ترامب على البوابة الخليجية، وعكس حالة النجاح التي وصلت اليها دبلوماسية الشيكات السعودية بتحويل الأنظار عنها كمتهمة لرعايتها الإرهاب إلى الوجهة القطرية مستغلة ظروف الإدارة الأمريكية ومعاداتها للإخوان وعزمها إدراج الحركة على لائحة سوداء للإرهاب.لم تهضم قطر ما حصل ولم تتقبل أن تكون السعودية أول زيارة خارجية لترامب. إذ حادثة من هذا النوع كانت تعني، بالنسبة لقطر، التسليم بأهلية السعودية لقيادة مشروع حلف أو ناتو أو محور: خليجي ــ عربي ــ إسلامي في المنطقة. في حين بذلت قطر أموالا وجهودا متزايدة  لتحجيم تلك القيادة، سواء في سوريا، حيث دعمت بقوة وثقل المسلحين والجماعات المحسوبة عليها لتضييق الخناق ومزاحمة وإضعاف الجماعات والمسلحين والفصائل المحسوبة على السعودية، أو في العراق حيث عملت جاهدة على رعاية مؤتمرات سنية تحاول إنتزاع مشروعية تمثيل السنّة وقيادتهم بدلا من السعودية أو في اليمن، حيث تعقيدات الوضع الجيوسياسي هناك، وتتصرف قطر وفق آليات هادئة ترتكز على قاعدة إنخراط سعودي كبير يؤدي إلى الإنهاك والخسارة. أو في ليبيا حيث لا يزال دعم قطر متواصل للأطراف الموالية لها في النزاعات الدائرة في البلاد، أو في مصر حيث تستمر الحرب على النظام وإنتزاع شرعية السيسي ووصفها له بالإنقلابي.

   هذه الاختلافات الايدلوجية بين دول مجلس التعاون الخليجي جعلتها تستند الى الحماية الخارجية كملاذ لها للدفاع عن استقرارها وبقائها في الحكم،  وزيادة التسلح ومن ثمَ الاحتقان في المنطقة بما ينعكس سلباً على الامن القومي  العربي برمته، وهذا  يجعل دول الخليج تتعرض الى ضغوطات داخلية وخارجية ناتجة عن مجريات الاحداث الدولية والاقليمية هددت بشكل او بآخر استقرارها السياسي، الامر الذي  سيضفي مزيدا من التشكيك في شرعيتها السياسية كدول قادرة على ادار دور وازن في انجاز الامن القومي العربي نتيجة التموضعات الايدلوجية تجاه ايران وحلفاءها.

المحور الثاني : المعوقات العملية

    ونقصد بها وجود اختلافات على مستوى الممارسة السياسية والسلوك النخبوي الاستراتيجي انعكست على مقومات التقارب والوحدة الخليجية وتجاوزت مفهوم الوحدة الاقليمية وحدودها اذ لم تستطع الدول الخليجية بناء فضاء ابستمولوجي يتيح فرص واليات للتعامل السياسي الموحد مع القضايا والمعضلات التي تواجههم. ومن بين هذه الاختلافات العملية :

١- اشتداد النزاعات الحدودية والسيادية بين دول الخليج بسبب الاستتباع التاريخي والاستراتيجي وتضارب المصالح اذ افرزت هذه القضايا الاحتقان السعودي القطري اشتباكا حدوديا بينهما في موقع الخفوس عام ١٩٩٢ وذهاب قطر في نزاعها مع البحرين الى محكمة العدل الدولية رافضة الوصاية الدولية السعودية بعد ان رفعت البحرين سقف مطالبها بتبعية قطر للبحرين، ورفض الامارات للتسويات الحدودية للتاريخية مع السعودية بموجب اتفاق ١٩٧٤ مرورا بالانقلاب السلطوي في قطر عام ١٩٩٥ وامتناع دول الخليج عن تاييده واتهام قطر لاطراف المجلس بتدبير الموامرات ضدها ما دفعها الى بناء تحالفات استراتيجية مع الولايات المتحدة وفتح قاعدتي العديد والسلية، كل ذلك لم يخدم فكرة الوحدة والاندماج على صعيد دول مجلس التعاون بالعكس ابرزت التناقضات الاقليمية بينهم مما افقدهم المنهجية التي تفترض تمتع تلك الدول بالخواص نفسها مع البقية ([5]).

2- السياسات الاقتصادية المتضاربة مع اليات السوق الحر العابرة للحدود : اذ ابقت دول الخليج على خاصية الدول الريعية القائمة على اساس دولة الرفاهية مقابل الولاء السياسي ومع الاعتماد على النفط وتارجح امكانات الانفتاح على اقتصاد راسمالي لايعرف مفهوم دولة الرعاية اصبحت حالة من التقاطع في توحيد او تكييف السياسات الاقتصادية مع المتطلبات المجتمعية نظرا لوجود تيارات دينية وقبلية رافضة للتقارب والتماثل معها ، مما ادى الى عدم قدرة تلك الدول على توليد نمو معزز دائم في ظل عدم تنوع القاعدة الانتاجية وضعف القطاع الخاص وغياب الموسسات التي تدعم البيئة التجارية التنافسية وتواجه التحديات المالية وتطورات اسواق النفط ومواكبة المشكلات المتعلقة باسواق العمل والتحول الديمغرافي وضغوطات نظام الضمان الاجتماعي المعمول به خليجيا وعدم اتباع سياسات التقشف الحكومية في مواجهة التضخم في الدخل كل هذا ولد عدم واحدية في اتباع السياسات الاقتصادية الحديثة التي تمكن من بناء سياسي متماسك يستطيع ان يواكب متطلبات الحداثة وسوق العمل والراسمالية المهيمنة ([6]).

3- التباينات تجاه الاصلاح السياسي والدمقرطة: تعد قضية الاصلاح السياسي للانظمة السياسية الخليجية على مستوى المشاركة السياسية والتعددية الحزبية ودمقرطة الدساتير اهم معضلات الوحدة الخليجية المعيقة حتى لعمل مجلس التعاون الخليجي فلم يستطع المجلس من اصدار بيان او موقف او يتبنى نظاما اساسيا يرغم اعضاءه تبني الخيارات الديمقراطية.

   وتمارس النخب الحاكمة في دول الخليج كلٍ على حدة طريقتها الخاصة بادارة السلطة (الدولة) وفق توجهاتها المستقلة والخاصة، وقبل كل ذلك هذه النخب الحاكمة باشرت في اقامة حكوماتها وإدارتها قبل ان تنتقل الى ترسيخ متطلبات الدولة وشروطها المؤسسية الضرورية، اي انها بدأت بتكوين الحكومة( السلطة) قبل الدولة، مما ألقى بظلاله على تكوين مجلس التعاون الخليجي التي مازالت تمثل مشروع دولة ولن تصل الى مرحلة الدولة المكتملة التكوين والنضوج والمؤسسات والعقلانية النظامية ([7]، وتكاد تجمع تلك الدول على عدم قدرتها على مواجهة القيم الديمقراطية وتحولات العولمة السياسية وتتصلب تلك الدول بالابقاء على الاطر التقليدية في تداول السلطة وعدم فتح صناديق الانتخابات في بعض منها وعدم السماح لأي حزب سياسي ان يعمل في معظمها وفي ظل رقابة صارمة على الحريات العامة والاعلام وكبت الراي العام ، يجعل من الصعب الحديث عن اندماج هيكلي وموسسي للدول الخليجية التي لم تفلح في بلورة مشاريع للاصلاح السياسي بشكل متناسق ووجود تفاوت في التعاطي السياسي مع شعوب تلك الدول سياسيا اذ لكل دولة ظروفها وتناقضاتها الذاتية، كما ان شعوب تلك الدول شعرت بانه لا اصلاح حقيقي وباتت ضحية لمقايضات سياسية وحسابات اقليمية ودولية عبرنا عنها بمعادلة الرفاه الاجتماعي مقابل الولاء السياسي دون ان تمارس تلك الشعوب اي دور حقيقي في المجال السياسي لربما نضع للكويت حالة مختلفة في نسبية هذه المشاركة مقارنة بمثيلاتها اضافة الى عمان فهي افضل من الاخريات والبحرين فيها تعددية سياسية محددوة وشكلية في حين تنعدم في السعودية والامارات وقطر. ويقف العامل القبلي وحكم العوائل والتراث الديني عقبة امام اي اصلاح سياسي حقيقي يفكك البنى التقلدية لفضاءات ارحب واوسع في الممارسة الديمقراطية ([8]) .

     كلما فارقت دول الخليج الاصلاح السياسي والدمقرطة كلما ابتعدت فرص الوحدة والتقارب والاندماج لانها ستتجه صوب التسلطية وستركز الدول على خصوصياتها الذاتية في العرق والقبلية والذاتية وهذه اهم معوقات التجانس.

     هذا التباين والتراجع في دول مجلس التعاون الخليجي في عملية الاصلاح السياسي ناتج عن سيطرة الاسر الحاكمة على القوة السياسية بدساتير تضمن لها الاستمرار بالحكم وهذا مخالف لابسط تعريفات الديمقراطية مما جعل شعوبها تابعه للانظمة وتعول على المدخولات العالية التي تؤمنها لها حكومات تلك الدول منا يجعلها بعيدا عن الاصلاح السياسي لغياب الاسس والقواعد لبناء عملية تنمية سياسية حقيقية وهذا مدخل مهم لعدم الدخول في نطاق الوحدة الخليجية حتى لا تواجه هذه الانظمة سوال الديمقراطية والاصلاحات الذي يعد اهم اهداف الاتحادات الكونفدرالية.

المحور الثالث : المعوقات الاجرائية والمؤسسية

    عانى مجلس التعاون الخليجي من تزاحم الطروحات النظرية على موسساته وهياكله وهيمنت لغة الشعارات عن التنسيق والتعاون والتشاور والتكامل على الاليات الاجرائية المحققة لتلك الجرعات التنظيرية فلم تستطع دول المجلس من الاتفاق على سوق خليجية مشتركة ولم يتم الاتفاق على عملة خليجية موحدة ولم يتم التوصل الى توحيد العلاقات الخارجية ، اضافة الى عدم وجود وحدات فرعية اخرى تؤطر المشتركات او التعهدات والاتفاقات بين دول المجلس اضافة الى مسالة الادارة الدفاعية والامنية وكيفية تحقيق توازن وفاعلية في درع الجزيرة وفق تبويب وعقيدة دفاعية اقليمية حقيقية لاترتبط بالاجندات السياسية وتجاذبات المواقف الدولية. ويمكن بيان اهمية تلك بالاجراءات بالنقاط الاتية:

1-عدم وجود سوق خليجية مشتركة مع عملة موحدة : اذ لايمكن الحديث عن اتحاد اقليمي حقيقي الا ظل سياسات اقتصادية مرتبطة بقواعد المنافسة الدولية وحرية راس المال ووجود اتفاقات تجارية حرة ، لانها تتيح لدول السوق المشتركة الحصول على شروط تبادلية تنافسية بعد التخلص من الرسوم الكمركية والاستهلاكية والضريبية مما يجعلها تمتلك مجالا واسعا لمنافسة الشركات العابرة للحدود، كذلك تلعب مسالة العملة النقدية الموحدة وقيمتها في ظل انشاء اتحاد نقدي مسالة هامة في التقارب والوحدة الخليجية لما لهذا الامر من ايجابيات في اجراء الحسابات والتحويلات وامكانية اداء المدفوعات في مختلف دول المجلس وازالة مخاطر اسعار الصرف وازالة كل المشكلات النقدية لميزان المدفوعات من خلال حركة روؤس الاموال المتزايدة بين دول المجلس كما ينعكس على حركة الاشخاص والمشاريع والاستثمارات بكفاءة، وهذا من شانه تقوية الاسواق والروابط الاقتصادية المؤدية الى تقوية الروابط السياسية، الا ان دول الخليج تتنازعها مسالة السيادة القطرية وعدم الثقة وتتوجس من الالتزام بسياسات مقيدة لاستقلالها الذاتي من حيث تبادل المعلومات والكشف عنها وهي مسالة غاية في السرية لتلك الدول التي ترفض التنازل عن الاستقلال والسيادة حتى على الصعيد الاقتصادي مما يفكك الروابط ويشجع على الانقسام الخليجي ([9]).

2- عدم وجود تقنينات موحدة للعمل والتوظيف والخدمة: اذ رغم وجود انفتاح الحدود بين مواطني الخليج دون تاشيرة دخول الا ان هذا الاتفاق عرضة لعدم التطبيق وحصل في مرحلة ازمة السفراء بين قطر والسعودية عام ٢٠١٤ وحصل عام ٢٠١٧ بين الدولتين وانعكس على كل دول الخليج تجاه قطر، فطردت العمالة وتم التفريق حتى بين الزيجات من جنستين مختلفتين، وهذا مدعاة للانقسام على حساب الاندماج ، فلو كان هنالك مجلس للعمل والخدمة ضمن اطر مجلس التعاون الخليجي وفق التزامات متبادلة في تسهيل حركة الايدي العاملة والخبرات لما حصلت مشاكل سياسية بين دول المجلس بسهولة ولتم اعتماد عمالة خليجية متبادلة بدل العمالة الاجنبية.

٣-عدم وجود عقيدة دفاعية صلبة: اذ رغم وجود درع الجزيرة الا انه لاتحكمه عقيدة دفاعية صلبة موحدة اذ تتحكم بصناع القرار العسكري والسياسي في دول الخليج نزعات سياسية متضاربة تجاه الامن القومي الخليجي والامن القومي العربي وهناك فصل بينهما، اضافة الى عدم وجود جيوش خليجية حقيقية انما اغلبها مجندين من دول اجنبية من الهند وباكستان والسودان ، ايضا لاتوجد روية موحدة لتحديد مصادر التهديد هل هي اسرائيل ام ايران بالنسبة لدول الخليج فالخطاب شيء والواقع شيء اخر، كما ان صناعة القرار الدفاعي خاضع للاسر الحاكمة وهي لا تخبر من الممارسة العسكرية شيئاً دونما ان تكون هنالك شفافية ومراقبة للسياسات الدفاعية الخليجية على المستوى المحلي مما انعكس على مستوى الثقة والتعاون العسكري بين دول الخليج في ظل المجلس ، كما ان قضية التسليح والتدريب لها مدارس ومناشىء مختلفة لكل دولة ادت الى تفاوت بالقدرات التسليحية الهائلة لبعض الدول على حساب الاخرى التي تمثل مداخل استنزاف مالي لها في ظل غياب تلك العقيدة .

4-كل هذه العوامل والنواقص والاختلافات تعزز من الابتعاد من تبني وتطوير سياسة خارجية موحدة تكون لها قدرة تكاملية اعمق واوسع لدراسة وتحديد مجالات الصراع واحلال افق التعاون محلها خاصة مع غياب الاجراءات اللازمة لذلك فمثلا لا يوجد برلمان خليجي تكون قراراته ملزمة وله دور رقابي وله قدرة للمساءلة وصلاحيات فعلية لا استشارية وتداولية، ويحتاج الى تشكيل كابينة حكومية للمجلس قادرة على توحيد العلاقات الخارجية المشتركة لها صفة الالزام للجميع ([10]).

   ان وجود جملة من التفاعلات السياسية والاقتصادية والامنية بين دول مجلس التعاون الخليجي، بدأ ينعكس ويرتبط  بتطور الاحداث والمواقف في المنطقة خاصة التحفظات تجاه ايران وحتى العراق، وقضايا دولية واقليمية اخرى.. مما ادى الى تراجع تلك التفاعلات وشكل خطرا على امن الخليج والمنطقة العربية من النواحي كافة.

الخاتمة والاستنتاجات

    هنالك عدة نتائج تتضح من خلال ما مر بنا ، ومما مرت به العلاقات الخليجية الخليجية وكالاتي :

 1-على الرغم من اهمية مجلس التعاون الخليجي كوحدة سياسية واقتصادية يمكن ان يكون لها دور فاعل في الامن القومي العربي ، الا ان هذه الوحدة تعاني الكثير من الاختلالات والمعوقات على مستوى بناء الثقة وعدم بلورة صيغة جماعية لمفهوم الامن في الخليج واهمها اختلاف الرؤية الخليجية لمفهوم الامن مع الرؤية الغربية والعربية والايرانية، ويدخل الموقف من اسرائيل احد اسس هذا الاختلاف.

2-هنالك تراجع واقعي في موضوعة الوحدة الخليجية في ظل المعطيات الانية واستسلام دول الخليج لحواجز الحدود والسيادة وعدم الثقة وتمركز السلطات الذاتية.

3- اثبتت دول الخليج ان صيغة عمل مجلس التعاون الخليجي لم تحقق الاهداف المطلوبة بل العكس عمل على توسيع الفجوة والهوة بين دوله وتفاقمت التحديات الاقليمية فضلا عن عدم قدرته على التعاطي مع الظروف والمشاكل السياسية والاقليمية .

4- لايمكن لاي اتحاد اقليمي حقيقي ينجز الاهداف والمبادئ المعمول بها دوليا مالم تتبنى دول هذا الاتحاد الصيغة الديمقراطية ومشاركة المواطنين بهذا التحول والقرار فالدخول في اي اتحاد كونفيدرالي وظيفي يحتاج الى عملية تدرجية ومرحلية ومؤسسية يكون فيها رأي سكان تلك الدول الراغبة بالاتحاد حاضر ومؤثر وفاعل كما يحتاج الى فصل بين السلطات وتوازن بينها ورقابة متبادلة وشفافية.

5-الاصلاح السياسي يعد احد اهم مداخل الاتجاه صوب اي اتحاد حقيقي وهذا يتطلب تقارب مخرجات الانظمة السياسية لتلك الدول من حيث تبني متطلبات الاصلاح الشامل وركن القبلية والعوائلية وادخال اصلاحات دستورية وقانونية لانظمتها رغم ان عملية الاصلاح السياسي لاتعني بناء وقيام الديمقراطية، لكنها قد تكون مفتاح لها.

 6-هنالك استنتاج سياسي لم نتاوله في مضمون البحث لانه يعد وجهة نظر شخصية ، لكن من المهم ان نذكره هنا ويعد احد معوقات الوحدة الخليجية :وهو موضوع الفيتو الخارجي الدولي المانع للوحدة الخليجية، اذ تعتقد الدول الغربية المتقدمة ان منطقة الخليج منطقة قبلية صحراوية تفتقد الى البنائية الوظيفية اللازمة ولهذا دأب الغرب على النظر الى الخليج على انها مناطق للوصايا الدولية ومحميات خاضعة لها وهي لاتتعدى ان تكون خزان نفطي للغرب وفضاء لين لتحقيق الامن الاقليمي للغرب في الشرق الاوسط.

                                           المصادر

باقر النجار ، الطائفة والمواطنة والاسلام السياسي في البحرين ، مجلة حوار العرب، موسسة الفكر العربي، العدد، ١٤، ٢٠٠٦ .

جميل مطر وعلي الدين هلال ، النظام الاقليمي العربي: دراسة في العلاقات السياسية العربية ، ط٤، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ١٩٨٣.

جيمس بيكاتوري، الحركات الاصولية الاسلامية وازمة الخليج،  ترجمة:  احمد مبارك ،الكويت ، موسسة الشراع العربي، ١٩٩٢.

عاصم محمد عمران، التحديث والاستقرار السياسي في دول مجلس التهعاون الخليجي في ظل الحقبة النفطية، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، 2000.

عبد الرزاق الفارس ، العولمة ودولة الرعايا في اقطار مجلس التعاون، مجلة المستقبل العربي، السنة، ٢٦ ،العدد ٣٠٢ ، ٢٠٠٤ .

عبد الخالق عبد الله ، النظام الاقليمي الخليجي، مجلة السياسة الدولية ،السنه ٢٩ ، العدد، ١١٤، ١٩٩٣ .

عبد الكريم حمد قسام، التنسيق الاقتصادي بين اقطار الخليج العربي في اطار التكامل الاقتصادي العربي،  اطروحة دكتوراه ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم الاقتصاد، ١٩٨٠.

فتحي العفيفي، الاستقطاب الاقليمي والتحولات الجيواستراتجية: الخليج العربي في العام ٢٠٠٦ ، مجلة المستقبل العربي السنة ٢٩ العدد ٣٣٣.

فتحي العفيفي، امريكا في الخليج سقوط الاقليمية والمستقبليات البديلة ، القاهرة مركز الاهرام ، ٢٠٠٥.

نايف علي عبيد، مجلس التعاون لدول الخليج العربية : من التعاون الى التكامل بيروت مركز دراسات الوحدة العربية ١٩٩٦.


[1] - نايف علي عبيدر: مجلس التعاون لدول الخليج العربية من التعاون الى التكامل، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية، ١٩٩٦، ص١٧ ومابعدها.

[2] - عبد الخالق عبد الله، النظام الاقليمي الخليجي، مجلة السياسة الدولية ، السنه ٢٩ ، العدد (١١٤)، ١٩٩٣ ص 66.

[3] - فتحي العفيفي: الاستقطاب الاقليمي والتحولات الجيوستراتجية: الخليج العربي في العام  ٢٠٠٦ ، مجلة المستقبل العربي، السنة ٢٩ ، العدد(٣٣٣) ، ص٩٧.

[4] - فتحي العفيفي ، امريكا في الخليج سقوط الاقليمية والمستقبليات البديلة،  القاهرة ، مركز الاهرام، ، ٢٠٠٥ ، ص ٣٧٣.

[5] - جميل مطر وعلي الدين هلال،  النظام الاقليمي العربي: دراسة في العلاقات السياسية العربية، ط٤ ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية، ١٩٨٣ ، ص ص ١٢٠-١٢٤.

[6] - عبد الرزاق الفارس ، العولمة ودولة الرعايا في اقطار مجلس التعاون ، مجلة المستقبل العربي ،السنة ٢٦ العدد (٣٠٢ )، ٢٠٠٤ ، ص ٦٨.

[7] - عاصم محمد عمران، التحديث والاستقرار السياسي في دول مجلس التهعاون الخليجي في ظل الحقبة النفطية، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، 2000، ص 55.

[8] - باقر النجار ، الطائفة والمواطنة والاسلام السياسي في البحرين، مجلة حوار العرب،  موسسة الفكر العربي العدد (١٤)،  ٢٠٠٦،  ص ٨.

[9] - عبد الكريم حمد قسام ،التنسيق الاقتصادي بين اقطار الخليج العربي في اطار التكامل الاقتصادي العربي، اطروحة دكتوراه غير منشورة ،جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قسم الاقتصاد، ١٩٨٠، ص ٢٥٦.

[10] - جيمس بيكاتوري : الحركات الاصولية الاسلامية وازمة الخليج، ترجمة : احمد مبارك،  الكويت ،موسسة الشراع العربي، ١٩٩٢ ،ص ٩٧.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك