أكرم الحكيم
لم تكن السلطات الإيرانية الجديدة تولي إهتماماً كبيرا آنذاك بالاتصال او التعاون مع الشخصيات والأحزاب العراقية المعارضة التي بدأت تتحرك في طهران وقم المقدسة وحتى على الحدود لأنشغالها بمشكلاتها الداخلية أولا وثانيا لأن الجناح المهيمن على رئاسة الجمهورية آنذاك لم يكونوا ممّن ’يسمّون بخط الإمام ( جماعة أبو الحسن بني صدر وعدد من جماعة بازركان )ولكن كان هناك عدد من المسؤولين الإيرانيين من الصف الثاني او الثالث ممن عاشوا سنوات طويلة مع قائد الثورة في النجف الأشرف في العراق وكذلك عدد من أعضاء وأنصار الحركة الإسلامية العراقية من الذين ولدوا هم وآباءهم في العراق ولكن لهم أمتدادات عائلية في أيران أو لهم أصول إيرانية...
هؤلاء لعبوا دورا في إيجاد قنوات اتصال وتعاون بين مؤسسات النظام السياسي الجديد في إيران وبين علماء الدين وقادة الأحزاب الإسلامية العراقية الذين اتخذوا من إيران دار إقامة ومنطلق عمل.
لكن الأمور تغيرت جذريا بعد شن النظام البعثي حربه العدوانية على إيران في أيلول 1980والتي كانت حرب نيابة عن المصالح الغربية والإسرائيلية ، أو كما وصفها (صدام في رسالته الى رفسنجاني عام1989 بأنها فتنة ورّطه فيها الشياطين الكبار).
تلك الحرب حوّلت العراقيين في إيران وخاصة قيادات الحركات الإسلامية والكردية العراقية وعلماء الدين العراقيين من ضيوف عاديين في إيران الى عملة نادرة وبضاعة ثمينة ومرغوبة جدا خاصة وان القائد الأعلى للثورة وللدولة (أي الأمام السيد الخميني رحمه الله) كانت له انطباعات ومشاعر جيدة ومحبّة تجاه العراقيين تكونت من خلال معايشته المباشرة لهم خلال فترة إقامته في النجف الأشرف التي امتدت من 1963 وحتى 1979 م ، والأهم من ذلك حاجة إيران وهي في حرب شاملة مع نظام صدام الى قوى وشخصيات لها خبرة وقدرة في مواجهة ذلك النظام .
وبدأ كبار المسؤولين الإيرانيين (من السياسيين والعسكريين والحرس الثوري وغيرهم) بالتردد على بيوت عدد من المعارضين العراقيين المقيمين في طهران وقم المقدسة وإبداء استعدادهم غير المحدود لدعم فعاليات أولئك المعارضين بالأموال والمعسكرات والسلاح والتسهيلات الأخرى، خاصة بعد أن سبقهم النظام البعثي في العراق و فتح أبواب العراق وخزائنه ومعسكراته ومدنه لعناصر منظمة المنافقين اي(مجاهدي الشعب) الخطيرة التي قتلت العشرات من المسؤولين والمئات من المواطنين الإيرانيين وأصبحت بمثابة الطابور الخامس للنظام البعثي داخل إيران, وكذلك قام بتقديم الدعم المادي واللوجستي والسياسي لتلك المنظمة الأرهابية ولعدد من أنصار الشاه وجماعة بختيار وغيرهم...
القوى والشخصيات العراقية المعارضة الخارجة لتوّها من حمامات الدم في العراق وبعد إعدام قيادتها العليا المتمثلّة بالمرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه، تلك القوى المعروفة بإمكاناتها المتواضعة والمُنهَكة جرّاء عقود من سياسات الملاحقة والقمع والحصار على يد النظام البعثي... كانت تبحث عن حلفاء وإمكانات وقواعد آمنة داخل وخارج العراق لكي تتمكن من لملمة صفوفها وإعادة تنظيم تشكيلاتها والتهيؤ لمرحلة جديدة من المواجهة مع النظام البعثي للدفاع عن استقلال العراق وحرية ومصالح شعبه وأسقاط النظام الشمولي القمعي والفاشي الذي أعتمد سياسة الأستئصال والأبادة تجاه كل القوى الوطنية العراقية ,وسياسة الأنتقام الجماعي من قواعدها الشعبية ...ومن كل من لاينفذ سياساته...
ومع ان تلك القوى والشخصيات العراقية المعارضة حاولت مدّ يدها وبناء العلاقات والجسور مع كل حكومات الدول المجاورة، إلا إن بعض الحكومات كانت متواطئة مع النظام البعثي وبعضها الآخركانت خائفة من ردود فعله، سوريا وحدها كانت وقبل نجاح الثورة في إيران تفتح أبوابها ومنذ أوائل السبعينات من القرن الماضي للمعارضين العراقيين ولبعض مكاتبهم السياسية... بينما كانت بعض دول الخليج مثل الكويت ودولة الأمارات العربية المتحدة تسمح بدخول وإقامة بعض الأوساط العراقية المعارضة إلا إنها تفضل أن لا تمارس تلك الأوساط أي نشاط معادٍ لنظام صدام (على الأقل في العلن) خوفاً من ردود فعله.
بعد سقوط الشاه وبعد شن الحرب العدوانية على إيران وبعد استحكام العداء مع النظام السوري بقيادة الرئيس السابق حافظ الأسد، خاصة بعد قيام مخابرات صدام بتفجير القنابل والسيارات المفخّخة في دمشق...بعد كل ذلك أصبحت الجمهورية الإيرانية الإسلامية والجمهورية العربية السورية الدولتين المجاورتين الوحيدتين اللتين يُمكن للقوى العراقية المعارضة لصدام التحالف معهما والانطلاق منهما في فعالياتها السياسية وغير السياسية.
وبما إن حديثنا عن (المجلس الأعلى) فسوف نحصر كلامنا عن إيران، حيث وكما قلنا مع بداية الحرب العراقية – الإيرانية بدأت الكثير من فرص الدعم والإسناد تتوفر في الساحة الإيرانية سواء من دوائر ومؤسسات حكومية أو من أوساط شعبية ودينية.
ابرز تلك الدوائر :حرس الثورة الإسلامية وهي التشكيلة الحديثة الولادة آنذاك والتي كان اغلب عناصرها من شباب المساجد المتدينين ذو الولاء المطلق لقائد الثورة وللمؤسسة الدينية هناك.)
وكان القسم المختص بتقديم الدعم والتسهيلات للقوى العراقية المعارضة،هو قسم حركات التحرر، إلاّ انه وللأسف الشديد كان على رأس إدارة هذا القسم رجل دين إيراني من إحدى قرى أصفهان ذو شخصية غامضة وتاريخ فيه الكثير من الشبهات والملابسات واهم من ذلك كان يكنّ عداءً كبيراْ لعلماء الدين العراقيين والأحزاب الإسلامية التي كانت تمثل امتداداً لمدرسة المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض) وكان يتميز رجل الدين الإيراني هذا ذو الشخصية القيادية القوية , بسياساته الملتوية لشق حركة المعارضة العراقية وتأجيج الصراعات فيما بينها (تم إعدامه فيما بعد/في أواسط الثمانينات/ بعد كشف أرتباطه بالنظام الليبي وجهازأمني غربي, وأكتشاف دور رئيسي له في إرسال المتفجرات إلى المملكة العربية السعودية في موسم الحج وإثارة القلاقل في البحرين والكويت,ضمن خطة مشبوهة كانت تهدف الى تخريب العلاقات بين النظام الإيراني الجديد وبين جيرانه الخليجيين).
هذه هي سمات الظرف السياسي السائد آنذاك في إيران، عشيّة انبثاق (مكتب الثورة الأسلامية في العراق ) وهو التشكيل الذي سبق تأسيس المجلس الأعلى وبعد تأسيس جماعة العلماء المجاهدين في العراق , وكلا التشكيلين كانا بمحورية السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه ,كانت سمات الظرف السياسي السائد في ايران :
- نظام سياسي إسلامي جديد في إيران بعيد عن التبعية للقوى الكبرى وخاصة القوى التي تدعم النظام البعثي, و يتعاطف اغلب قادته مع تطلّعات الشعب المسلم في العراق.
- حرب عدوانية شاملة مفروضة على إيران من قبل النظام البعثي في العراق.
- أحزاب وقوى عراقية معارضة لنظام صدام (في غالبيتها إسلامية وكردية) تبحث عن حلفاء وعن دول وحكومات مساندة وعن دعم بالإمكانات ودعم سياسي وأعلامي ...
- جالية عراقية تنمو إعدادها بسرعة كبيرة، وهي تمثل معيناً لا ينضب للطاقات البشرية...
في مثل هذا الظرف دخل الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه إلى إيران في الشهر الثاني من الحرب المفروضة بعد أن هاجر متخفـّيا من وطنه بعد أن أنكشفت نيّة النظام البعثي لقتله ,حيث سافر الى سوريا عن طريق الأردن، وبدأ تحركه بهدف تنفيذ خطته الخاصة (والتي اطّلعت عليها شخصيا في آب 1980 عندما قمت بزيارته في محل أقامته في دمشق وكانت بعنوان / تصور عام عن مستقبل العمل في العراق) تلك الخطة كانت تقوم على:
1. بناء كيان سياسي عراقي يضم كل القوى الوطنية الإسلامية المعارضة للنظام البعثي في بغداد .
2. أعداد الجماهير العراقية ثقافياً وعسكرياً وتنظيمياً ليكونوا قاعدة ذلك الكيان, و ذلك من خلال برنامج التعبئة الشعبية الذي أستقطب المئات من العراقيين في المهجر.
3. كسب واحدة او اكثر من الدول المجاورة للعراق لتكون الحليف وتكون بمثابة القاعدة الآمنة للأعــداد والأنطلاق.
4. ايجاد مناطق محررة داخل العراق على غرار كردستان العراق لتكون بمثابة القاعدة الآمنة للتواجد ولأدارة التحرك داخل الوطن .
5. اعتماد اسلوب الكفاح الشعبي المسلح في مواجهة النظام، لان نظام صدام الدموي والقمعي لا تنفع معه الوسائل السياسية فقط في المواجهة.
وناقش السيد الحكيم في دراسته الهامة تلك , وبأسلوب علمي ووعي عال وبتفاصيل دقيقة وفنـّد أسلوب الأنقلاب العسكري و أسلوب الثورة الشعبية على الطريقة الأيرانية كطرق للتغيير , وذلك بسبب دموية النظام وملابسات الحسّاسيات والصراعات العرقية والطائفية في المجتمع العراقي وتوظيفهما من قبل النظام البعثي لتمزيق الشعب العراقي وقواه الوطنية , والتركيبة غير المتوازنة للمؤسّسات العسكرية والأمنية العراقية (والنابعة من المعادلة السياسية الأجتماعية الظالمة التي زرعت بريطانيا بذورها في الدولة العراقية المعاصرة منذ الأستقلال بعد فشل ثورة العشرين) , وكذلك للدعم الهائل الذي حصل عليه النظام البعثي في العراق من دوائر سياسية وأمنية دولية واقليمية(بمافيها الكيان الصهيوني الذي وصف التغيير في ايران بالزلزال الذي ستصل آثاره اليه بعد حين) بعد سقوط شاه أيران ونجاح أول تجربة للأسلاميين في الوصول الى السلطة في العالم العربي والأسلامي ...وسعي الدوائر السياسية والأمنية الغربية الأستفادة من تجربتهم في أيران والسعي لعدم تكرار الأخطـاء في العراق...
ومن هنا رأينا الشهيد السيد الحكيم يتحرك بجد لبناء علاقات تعارف وتعاون وكسب الثقة مع بعض رجال الصف الاول من المسؤولين في الدولة ومن المقربين للامام الخميني رضوان الله عليه ونجح في ذلك، خاصة مع بعض علماء الدين من معتمدي الامام الراحل وفي مقدمتهم القائد والمرشد الحالي للجمهورية الاسلامية الايرانية.
كان السيد الحكيم (رض) يعتقد بان العمل والتحرك والمواجهة والقرار هو من مسؤولية العراقيين، واذا اراد البعض المساعدة فيمكنهم تقديم الدعم والاسناد ولايجوز له أتخاذ القرارات نيابة عن العراقيين حتى لو كانوا من اقرب الحلفاء والاصدقاء, وكان الكثير من قادة الاحزاب الاسلامية والكردية يوافقون السيد الحكيم في قناعته هذه ومنهم عدد من قادة حزب الدعوة الأسلامية وكان اعلان تأسيس (مكتب الثورة الأسلامية في العراق) اولى بشائر نجاح تحرك السيد الحكيم ونجاح خطته,حيث أخذ ( وبدعم قوي من السيد الخامنئي وكان ممثلا للإمام الخميني رض في الملف العراقي ) كل صلاحيات مهدي الهاشمي رئيس قسم حركات التحررالذي أشرنا اليه سابقا. (يشير الشيخ ريشهري الذي كان وزيرا للأمن لفترة سابقة في كتاب له أصدره عن قضية مهدي الهاشمي , بأنه وفي إحدى إجتماعات قيادة الحرس الثوري في بداية تأسيسه وبحضور السيد الخميني رض كان مهدي الهاشمي وكان عضوا في قيادة الحرس آنذاك , يتحدث بحماس ’مبالغ فيه عن ضرورة تصدير الثورة ونشرها في المنطقة ..الخ , يقول ريشهري إنه وبعد إنتهاء الإجتماع أنصرف المجتمعين , إلا أن السيد الخميني طلب من قائد الحرس ومسؤول الأمن فيه البقاء وعدم الخروج , وقال لهم بعد إنصراف الجميع وبضمنهم مهدي الهاشمي : قال لهم :أنتبهوا لهذا الرجل وراقبوه ..)
كان انبثاق (المكتب) بعد فشل اطروحة (الجيش الثوري الاسلامي) التي كان يتحكم بها مهدي الهاشمي و كان لقسم حركات التحرر في الحرس الثوري دوراً في الجيش الثوري هو اكثر من دورالدعم والاسناد المفترض ,كما تعثـّرت تجربة سابقة أخرى هي (مجلس علماء الدين لقيادة الثورة) ,وتراوحت أسباب الفشل من الدور المبالغ فيه للطرف الأيراني كما في تجربة الجيش الثوري ووجود أختراقات للنظام الليبي فيه(من خلال مهدي الهاشمي) الى غياب الرموز السياسية المعروفة للرأي العام العراقي وغياب رؤية سياسية وطنية عراقية ينطلق منها المشروع السياسي ...
كان المشرف العام على(المكتب)السيد محمد باقر الحكيم وضمت ادارة المكتب التي كان يدير اجتماعاتها السيد المشرف بنفسه شخصيات حركية اسلامية معروفة من ابرزهاالعلاّمة السيد عبد العزيز الحكيم رحمه الله و القيادي الأسلامي المهندس السيد ع. نجف (الدكتور علاء الجوادي) والقيادي الأسلامي الدكتورهمام حمودي والسيد أكرم الحكيم الذي أختاره السيد المشرف والأخوة في الأدارة مديرا مفوّضا للمكتب ,وضّم المكتب الذي بلغ عدد العاملين فيه حوالي سبعين شخصاً، عدة اقسام او وحدات من اهمها: القسم الاعلامي – قسم العلاقات العامة – قسم المعلومات والتحقيق – قسم التعبئة الشعبية – وقسم الدعم اللوجستي لحركات المعارضة فضلاً عن القسم المالي والاداري. وتراوحت خدمات (المكتب) للجالية وللحركات المعارضة من الخدمات ذات العلاقة بمساعدة العراقيين في الحصول على وثائق الاقامة القانونية وتعريفهم للدوائر الرسمية (كما تقوم بذلك الان السفارات العراقية في الخارج).. الى تسهيل الحصول على مستلزمات التحرك السياسي والجهادي ضد نظام صدام. وزاد في قوة وفاعلية (المكتب): اولاً: أن اغلب عناصر الادارة هم من القيادات الدينية و الحركية الاسلامية العراقية من ذوي التجربة والتاريخ الجهادي .
ثانياً: سماح الدولة المضيّـفة للمكتب بالنهوض ببعض المهام التي هي من اختصاص السفارة العراقية التي اصبح وجودها هامشياً بعد اعلان الحرب.
وثالثاً: السماح للمكتب بأستلام التبرعات والمساعدات المالية من الاوساط الشعبية ومن المرجعيات الدينية و بعض المؤسسات شبه الرسمية .
ورابعاً: اعطاء الدولة المضيّـفة (قوة قانونية) للكتب الصادرة عن (المكتب)، وحثّها اغلب دوائر الوزارات ذات العلاقة (مثل الخارجية والداخلية والتربية والتعليم وغيرها) والمؤسسات الثوريةعلى تلبية مطاليب (المكتب) ذات الصلة بحياة العراقيين في ايران وذات الصلة بفعاليات القوى العراقية المعارضة ضد نظام صدام.والحالة المشابهة لمكتب الثورة الأسلامية في العراق,هي (مكتب العراق) في دمشق الذي أسّسته القيادة القومية لحزب البعث الحاكم في سوريا وأدارته قيادة قطر العراق الموالية لسوريا,وأعطيت له صلاحيات تمشية المعاملات الضرورية للعراقيين في سوريا .
نجحت تجربة(مكتب الثورة الإسلامية في العراق) نجاحا باهرا,سواءا على مستوى أثبات قدرة القيادة العلمائية العراقية المتصدّية على بلورة جهاز تنظيمي عراقي كفوء ومنضبط قادرعلى النهوض بالمهام السياسية والتنظيمية والأدارية والعلاقاتية والأعلامية وكان هذا الأمر في غاية الأهمية في تلك المرحلة للحصول على دعم الحلفاء والأصدقاء...,أوعلى مستوى تقديم الخدمات للجالية العراقية المتنامية أعدادها بسرعة ,أو على مستوى أستقطاب ودعم أغلب المجموعات المعارضة الراغبة بالعمل ضد النظام البعثي في بغداد ,أو على مستوى بناء خط التعبئة الشعبية التي أصبحت في النهاية احدى الروافد المهمة لتشكيلات بدر المعروفة ,وساعد في هذا النجاح كما أشرنا التجربة الحركية الطويلة للكثير من قيادات المكتب وكوادره وموظـّفيه (أغلبهم تعود جذوره التنظيمية الى إحدى الحركات الأسلامية الرائدة التي تأسّست في أربعينيات القرن الماضي في النجف الأشرف في العراق),ومجموعة الكوادر الحركية هذه قامت وبعد أنتصار الثورة الأسلامية في أيران بتجميد نشاطها التنظيمي ودعم تحرك علماء الدين المجاهدين الذين كان في صدارتهم السيدمحمد باقر الحكيم (رض) , لكونه كان موضع ثقة ودعم السيد الخميني رض و هذا الأمر وفـّر للسيد الحكيم جهدا ووقتا كان يجب أن يصرفه لبناء وأعداد الطليعة التي تبدأ المسيرة معه..بينما وجدها جاهزة أمامه تنتظر التوجيه والتكليف وهذا من فضل الله عليه...كما عملت كوادر إسلامية مستقلة وأخرى من حركات اسلامية اخرى في بداية تصدي السيد الحكيم في مكتبه ، لم يستمر الدعاة فيما بعد بعد تفاقم الصراع بين الحزب والسيد...بينما استمر الآخرون ( كانت سكرتارية هيئة رئاسة المجلس الأعلى في غالبية العاملين فيها من الإسلاميين الحركيين ، الأمر الذي ضمن المحافظة التامة على الوثائق والخصوصيات في فترة كان النظام البعثي يسعى للإختراق من خلال عناصر مدربة ) .
أستغرقت فترة نشاط المكتب أكثر من سنة ,ثم حصل تطورين هامين دفعا المتصدّين الى الأسراع بأيجاد الأطار السياسي الموحّد هما:
ـ الهزائم الكبرى للنظام البعثي في جبهات الحرب ,وأبرزها الهزيمة في خرّمشهر,
وتصاعد أحتمالات أنهيار النظام في بغدادأوأنهيار جبهته الجنوبية على الأقل ,وحصول فراغ سياسي...
ـ تزايد مظاهر الأنشقاقات والصراعات الجانبية بين القوى الإسلامية العراقية ( وفي قناعتي الجميع يتحمّل مسؤولية إنبثاق وتأجيج ذلك الصراع ) وتداعيات أستمرار حالة الفراغ القيادي في الحركة الوطنية العراقية عامة والقوى الأسلامية خاصة, ودخول بعض الدوائرالأمنية الغربية والأقليمية على خط محاولات أختراق البنية القيادية للحركة الوطنية العراقية (كانت أبرزتلك المحاولات محاولة النظام الليبي وبالتعاون مع مهدي الهاشمي /المسؤول في الحرس الثوري آنذاك/ تسويق جماعة البعثي السابق أياد سعيدثابت المشبوهة بأرتباطها بدوائر أمنية غربية ,محاولة تسويقهابعنوان جبهة قوى ثورية عربية وكردية معارضة...ودخول مخابرات صدام وبقوة على خط محاولات أختراق التنظيمات الأسلامية والسعي لتأجيج الصراعات الجانبية بينها, وتم كشف الكثير من تلك المحاولات...
هذه التطورات الهامة ,وضغوط القواعد الشعبية والمجاهدين في الداخل التي كانت تطالب القيادات بالوحدة وتجنـّب الأختلاف والنزاع وتقديم المصلحة العامة على الطموحات الشخصية والمصالح الحزبية ,أضافة الى العامل المساعد المتمثـّل بألحاح ممثـّل القيادة الشرعية آنذاك على القوى العراقية لتوحيد مواقفها ورص صفوفها للأستفادة من التطوّرات المتلاحقة والخطيرة في الساحة العراقية...كل تلك العوامل هي التي دفعت الى عقد الأجتماع الأول للنخبة المؤسّسة للمجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراق وبحضور ومباركة ممثـّل القيادة الأسلامية الشرعية آنذاك في الملف العراقي .
https://telegram.me/buratha