كي تصبح الفرضية كتاب مقدس ودين كوني
جاسم الصافي
ان فرضية العقل الغربي التي اعتمدت على مفهوم الحرب والصراع الحضاري لم تأتي من فراغ او معطيات الاحداث او المنطق التاريخي (كما يدعي منظروها ) بل جاءت من قواعد اللعبة الصهيونية والفهم البرغماتية الذي احتل تلك فضاء الفكر من زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية وحركتها العلاقات الدولية عبر مؤسسات امريكيا ــ صهيونية.
ان تلك الافكار هي وريثة حروب طويلة رسمت تاريخا دمويا عبر مؤامرات تنكرت لكل ما لا يأتي بمنفعة مادية وعبر استراتيجية الأمر الواقع التي تفرضها سلطة المال والاعمال والتي توجه سياسات العالم الى مصير واحد اعد مسبقا عبر مفاهيم العولمة ومحاصرة بلدان العالم بملفات المصلحة واجبارهم على سلوك وتبني توجهات تلك السلطة التي تعتمد على كل السبل الكفيلة لتوظيف تلك الفرضيات وان كانت بقناعات متفاوتة .
واليوم وبفضل عولمة الثقافة السياسية والاخلاقية النفعية وهي حلقات وقناعات شكلة بازدواجية وخلط المعاير والقيم عند العقلية الشرقي مما دفع الفكر الى تأجيل او احتجاز الروح حسب متطلبات الظرف والضغوطات الناتجة من سلطة العقل الكنتتروني وإشاعة الثقافة الإعلامية الكونية أو ما تسمى ( بالعولمة ) والتي حقق للفرضيات عدة مستويات لتتمكن من النفاذ الى وجدان شعوب الارض .
وكان اول واهم توظيف غير العالم هي احداث سبتمبر بكل فظاعتها وغموضها وما لحقها من تفسيرات متضاربة الى يومنا هذا , لكنها في النهاية خدمة مخططات العقل التكنتروني او اصحاب التوجه الهنتينغتوني في البيت الابيض , اذ استطاع هؤلاء أن يثبتوا للعالم بان ثمة صراع حقيقي بين الحضارات وان الحضارة الغربية عليها أن تبادر الى حروب استباقية أو وقائية تدمر فيها كل من يهدد امنها او مخططاتها ولو بالشبهة عبرة تهمة مطاطية جاهزة في كل وقت ومكان الا وهي ( الارهاب ) ذلك المصطلح الهلامي الذي اخذ يتوسع في اتهام والتهام الاخرين مثل غول اسطوري , وهو في حقيقته لا يعني الا حماية مصالح وامن العالم الغربي طبعا .
فالعراق بعد أن اسقط نظامه بحجج واكاذيب عرف زيفها فيما بعد عانى شعبه الويلات من تلك الحرب التي جرت من فرضيات استقدمها العقل المتآمرك ليترك من اثره قتل ودمار ودون مبرر او مسوغ حقيقي , فهل كانت تلك الاحداث تعني امن الشرق او حتى امن العراق بقدر ما كانت تعني امن الاوربي والإسرائيليين وفرضيات العقل الغربي كما اثبتته الاحداث المتلاحقة على المنطقة ، حتى اصبحت تلك الفرضيات اقوال وافعال امريكا بل ودستورها الاممي بعد احداث سبتمبر .
واصبح القانون الدولي مخترق لا يحتاج الى شرعية قيم واخلاق ولا تصويت امم بل صراع مصالح ولعبة بإمكانها ان تعطي الحق وفق قواعد الافتراضات الاقتصادية ، بل اصبحت حتى القيم والفنون والادب والتعليم مراقبة ومقيمة من تلك السلطة بحجة الامن العالمي ومفاهيم الحرية والديمقراطية وهي في حقيقتها سيل من التظليل الفكري غايته ان يصل الى هدم الهوية واباحة الخصوصية بالتالي قتل التنوع والاختلاف الفكري لنكون مجرد توابع والات تنفذ الاوامر متعتها سد الرغبات الحيوانية وعلى الجميع أن ينسجم مع هذه المعايير , وكأنهم يقولون لمن لا يرتضي بحكمهم وقضائهم فليخرج من هذه الارض بل وحتى السماء وليكن ملعونا ومطارد الى يوم الدين بتهمة الارهاب ، بل يجب على جميع دول العالم أن تقدم التنازل لأمريكا لاسيما في مجال الاقتصاد والمال والعلاقات الدولية والمصالح الجيوستراتيجية وان تعطي خططها الصناعية والزراعية والتربوية مسبقا لتوافق عليها تلك القوى المتجبرة .
ان امريكا تضع في أذهان شعوب العالم اجمع تصوراتها وفرضياتها عبر التدرج السببي والتبريري للأحداث المفترضة على الواقع ومصير تلك الشعوب , واهم ادواتها التي تمكنها من تنفيذ هذا المخطط الكبير هي في اشاعة الفوضى في كل شيء كي لا يترك مجال ولو للحظات لتتم المراجعة او ترتيب فوضى الاوضاع الى ان تتحول هذه الفوضى مع الزمن الى أوامر مقر بها وواقع يتقبلونه مع انصاف الحلول المعدة في كتلوك المشاكل .
انه عمل متقن يشبه خرافة ما حصل من احداث سبتمبر الهوليودية من خرافات خيالية من تهديد العالم بالنيازك او احتماليات ظهور عدو فضائي او رعب الانفلونزا المتنوعة او الاستنساخ الاحيائي او بعبع الاحتباس الحراري للأرض وكل هذا يظهر فترة ثم يختفي دعايتها وكان لاوجود له .
بمعنى انها تميل الى الصورة الكوزمولوجية التي تهتم في استدعاء ما هو مقلق ومخيف ليبقى الجميع في مستعمرة الرعب ومثلا التصريحات عن الحرب الصليبي التي اطلقها بوش الابن في حرب الخليج وكذلك شبح بلادن والظواهري والزرقاوي والبغدادي .... والكثير من المخاوف القادمة والتي لا ولن تنتهي مخاوفها ، اذ ان هذه الصور تستميل الجانب الوجداني الموجود في ثقافات شعوب الشرق مما يمكنها من عملية الاختراق وتسلل الافتراضات.
لهذا شهد العقدين السابقين شراء او استئجار موجهات تلك الثقافة الشعبية وهي (الفضائيات ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات العالمية مع اقلامها الوصولية الجاهزة دائما للبيع والايجار) فكانت الممر الاسهل الذي يستهوي نشر هكذا خرافة وفرضيات في نفوس المجمع لتحقيق تلك الاهداف المدروسة.
كما شهد الاعلام الكاذب في العراق ابان نشر الطائفية او الحرب الاهلية السورية من قنوات الموت والدمار الجزيرة العربية والكثير أو الاعلام المتخاذل امام قضية اهل البحرين او ماسات الشعب اليمن من العدوان التحالف السعودي ولخمسة اعوام ، انها ثقافة الاختراق التي تنتزع من العقل الشعبي القدرة على الاعتراض لتحل محلها ثقافة مصنعة تهتم في تقزّم الذوق واستنزاف المعرفة وقتل العقول لتكون الرؤوس خاوية ورخوة ومهيأ إمام الاجتياح التكنترونية الغربية , وبذلك تأسس صورة مستقبلية عن مصير مقلقة وفرضيات أعدت لصالح العقل الغربي .
لهذا نحن نشعر من تعرضنا لثقافة العصر (افلام وتحقيقات وثائقية وانواع من النقد التفكيكي المتعمد في هدم القيم) بدفء غريزي يخدرنا بلذة الكسل والخمول والتخاذل ليصل الى هدم ارادة الشعور واذلال الروحي وغرز الشك في كل عقيدة دينية قومية وطنية لنكون بذلك مضطرين لاستبدالها بقيم سلعية مهيأة لنا من العقل التكنتروني.
وبالنهاية تتشكل عندنا صورة ذات قدسية خاصة ورمز موحد حول اسطورة (ماتركس ، باتمان ، رامبو) بعيد عن الانبياء والرسل وعن اي رمز وطني وخصوصا ان تلك الرموز المعلبة تعزز بمعلومات علمية تثبتها وكالة ناسا الاسطورية او علماء الوهم عن مخاطر قريبة لنهاية العالم ( مثل اقتراب كواكب أو نجم من الارض ) لقد اصبح اليوم الاعلام عاملا تربويا يعمل على اعداد وتهيئة وعي المتلقي وفق الحاجة الاستهلاكية او المتطلبات النفعية للعقل الغربي الذي تعود على تسليع الاعلام لغاياته سواء اكانت ثقافية او سلعية لديمومة هذا العقل وبقاء تسلطه.
لهذا نجد التوافق والتقبل لفرضيات الصراع الثقافي او الحضاري المبنية على تلك الفرضيات ذو ابعاد احادية ( مصير عالمي واحد ) رغم أن الثقافات لم ولن تكون ذات بعد وصراع مستقبلي واحد , لان قلقها المستقبلي لن يكون مرتبط بثقافة أو خوف واحد , فمنذ الازل والعالم يسير بثنوية الخير والشر الله والشيطان النور والظلام وهذا امر نابع من الطبيعة التاريخية لتجارب الشعوب اجمع .
https://telegram.me/buratha