دراسات

العقل الغربي وخرافة الصراع الحضاري/ كي تصبح الفرضية كتاب مقدس ودين كوني القسم الاول  


" أن السياسة الخارجية ليست الا صراع من اجل امتلاك القوة" هانس مورغنتو

 

جاسم الصافي

 

 

 

(1)

 

تعرف الحضارات على أنها ثمرة جهد الإنسان في سبيل تحسين ظروفه سوأ كان هذ الجهد مقصود أو غير مقصود أو على شكل مادية أو معنوية ، واغلب الحضارات البشرية تركت لها عمق تراكمي بعد ان مررت من خلال الزمن لتتجانس وتكون خصوصية حضارية معينة ، وفق تفاعلاتها الفكرية والثقافية من جهة والبيئية المجتمعية من جهة اخرى ، وفي النهاية ارتبطت موضوعاتها بالتاريخ والتراكم الكمي للمعرفة الانسانية جمعاء لتشكل التنوع الحضاري.

 وهذا الواقع المصيري يناقض أطروحة صموئيل هنتينغتون التي لا ترتكز على تحدد أبعادا كلمة { صراع ← حضارات } بقدر ما يركز على التنجيم المستقبلي المقلق للعالم الغربي ثقافيا اما الحقيقة هي سياسة منتخبة من قبل العقل الغربي ينتهجها مع الشعوب الاخرى ، وهي ازدواجية تاريخية ترجع في خفائها الى التطرف الطبيعي للعرق البشري وغرور العقل الفردي القومي الديني السياسي , الذي ينحاز بلاوعي الى تلك العروق المتأصلة والمتوارثة في جنسه , فهو لا يستطيع التخلي عن نازية وشوفونيه وصليبية وتقسيم البشر الى طبقات اما ما يتبجح به من انسانية من جمعيات ومنظمات فهو تلميع للنهب والقتل الذي يعامل به باقي شعوب العالم وهذا واضح اذا ما نظرنا لأحداث العالم وحروبه ككل لا بلغو التبريرات والتعليلات المعلبة.

 واذا ما رجعنا لهنتينغتون نجد ان مفردة صراع تحتاج منا الى وقفة وتتبع اذ انها في فعلها تحتاج الى تحديد نوع ومكان وزمان هذا الصراع ، كون أن الصراع قائم على تواجد قوتين متساويتين أو متغالبتين أو متنافستين تتوتر علاقتهما الوجودية وتتحول الى صراع قد تكون بدايته بلا سلاح لكنه يتقدم نحو الهيمنة أو صراع التزاحمي والوجودي الذي يلغي الاخر ، اما المفردة الثانية وهي حضارات فهي الكارثة اذ تحتاج ان نميز على اقل تقدير بلاحق وصفي عن حالة تلك الحضارات ، أي هل أن هذه الحضارات التي يقع عليها فعل الصراع هي حضارات زمانية مرتبطة بــ ( التاريخ) ام حضارات عمران مرتبطة بــ (المكان ) ام هي تصنيعية توظف ما بين الايديولوجية والعمران الحضاري معا كما في الصراعات التجارية والصناعية والسياسية.

 ولنأخذ مثلا الماركيسية التي مع انها منتوج حضاري اوربي الا انها لم تتجذر في الغرب بل طوع لتخدم الحضارات الاخرة مثل الصيني حيث استطاع ماو من تطوير العقل القومي ليصل به الى ما هو ابعد من الإيديولوجي ليجاوره لفضاء العقلي ( الحداثوي ) ومن هنا اندمج هذا المجتمع بمجاورة الموروث ليكون على ما هو علية من تطور ونمو سريع , وقد استخدمت الماركيسية في تحديات العقل الغربي الراس مالي المتسلط على رقاب الكثير من بلدان العالم الثالث ( حسب العقل الاستعماري القديم ) وهذا يعني أن العقل بالمفهوم الفردي أو الجمعي هو سبب لكل صراع اذا ما اركن الى ادلجة أو أنمذجة ما ، كما سنلاحظ لاحقا .

والصراع الثقافي لا يمكن أن يكون وليد مكان أو حضارة ما ، كون الثقافة في حد ذاتها هي ملك للإنسانية اجمع لا تحدها حدود ولا تفصلها موانع العرق أو القوانين لتصبح كما في طرح صموئيل هنتينغتون خاضعة للفرضيات السياسية والاجتهادات الايديولوجية ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون موضع للصراع الا اذ هبطت نحو حضيض السياسة أو او اعتلت إلادلجة ، لان الثقافة هي موجود معنوي يسكن في نفوس النخب الذين أوكلت لهم مهمة حمل تمازج الفكر وتناقله , مع مهمة تطويره لتلاقح مع منتج جديد يتكيف وحاجات الانسانية التي بالضرورة ان تتناغم وتتوافق مع متطلبات كل مجتمع .

 ومثال ذلك تطبيقات الصين واليابان وماليزيا التي جاورت المعاصرة مع تراثها او كما في تنظيرات المعلم الاول ابن رشد قديما اذ أنتج العقل ( اليونوسلامي ) حسب تسميتهم وايضا ما اوجدته النظم الاوربية حين عانت ما عانت من توافد المهاجرين عليها فلجأت الى أعدادهم من خلال مجاورة ثقافة الضيف والمضيف .

وهذا ما نريد قوله وهو ان الحضارة هي واقع تاريخي وليست فرضية فكرية يعيش وهمها الانسان , وخير دليل حضارة الصين واليابان المعاصرتين التي لم تؤورب أو تؤمرك كما يدعون بل هي جاورت الجديد مع حضارتها الأصيلة ( ذات المعيار الروحي ) لتجد لها بالنتيجة مخرج من مازق ازدواجية العصر الذي تعاني منه دول كثيرة وفي مقدمتها الدول الإسلامية والهند ، فعدم قدرة هذه الدول للسيطرة على ادوات المعاصر من ( ضخامة رؤوس الأموال وتدفق التكنولوجيا المتنوعة والأفكار المتناقضة وتسليع البشر ) اربكت خطواتها وابقتها هكذا مرتبطة او مخترقة في مجالاتها الثقافية والاقتصادية والسياسية وبالتالي تسلحف ، وتولد عقل استهلاكي وفكرا مشتتا او سطحية يبقى في فوضى الخضوع الاقليمي والدولي وتحت رحمت تلك الدول.

 وامرا اخر مهم وهو أن الحضارة الانسانية هي جمع من القيم والثقافية وبالتالي فهي منتج للمجهود الاشمل للإنسانية جمعاء ، وهو ما يفهمنا من أن مصطلح الحضارة مرتبط بالفكر اولا والعمران ثانيا وليس الامر متعلق بالتحضر المكاني العمراني فقط كما في امريكا حين يربط صموئيل هنتينغتون الحضارة الأمريكية بالحضارة الغربية لجملة من المبادئ والمؤسسات التي قام عليها هذا المجتمع ( اللغة والديمقراطية ) فهل هذا كافي لكي تتسلق هذه الحضارة الهجينة على اكتاف حضارة الغرب ؟

 فان كان هذا ممكن فالأمر بالتبعية يجب ان ينطبق على بلدان كثيرة في افريقية واسيا ومنها بلدان اسلامية تعتمد في تطورها على تقليد الغربي ، أو محاولته في جمع الثقافة اليهود مع الغرب التي لم ولن تنفصل عن الحضارة الشرقية بحسب طبيعتها التاريخية ، وهو تعمد منحاز بشكل مفتضح , لغاية في نفس صموئيل هنتينغتون اذ انه يهودي الأصل ، وهذا ما يصفه توينبى اليهود اذ يقول ( ان اليهود ليسوا بحضارة رئيسية بل هم حضارة متعلقة نشأت من الحضارة السريانية وتنتسب تاريخيا بكل من المسيحية والإسلامية ) وهذا الامر غير صحيح في أجزئه منه اذا أن اليهود لهم هوية وثقافية منفصلة عن الغرب ( دين ـ لغة ـ عادات ) ورغم عيشهم في تلك الثقافات الجغرافيات المتعددة الا انهم لم يغيروا مكتسباتهم الفكرية والتقليدية فهم ذوي عقل اصولي وهذا ما اكسبهم صفة التجاور الثقافي أو ما يمكن ان تسمى عقلية المهادنة , وهو تسلل ممنهجة في الساحة السياسة العالمية (الصهيونية العالمية) وهو المشروع الاول الذي ارتبط بالعقل التكنتروني أو ما تسمى في بداياتها الاوربة أو الامركة الكونية والتي كانت تدعو الى التمايز العنصر القائم على تقسيم البشر ووضعهم في خانات (اللون والعرق والدم ).

لهذا كانت نظرية دارون وسيغموند فريود والافكار الفاشية والنازية وفي مقدمتها فلسفة نتشه بداية العقل الصناعي أو التكنلوجي أو التكنتروني ، وهذا يوضح لنا لم ارتبطت حضارة العمران الامريكي والثقافة اليهود بالحضارة الاوربية والتي تبيأها اليوم الى ما يسمى في السياسة الدولية القوى العظمى او محور الخير ذلك المنتج المصلحي الذي اسس (الامم المتحدة ) المشرعة لأغلب الحروب , بينما نجد محور الشر والمتمثل بالحضارة الكونفوشية (حضارة الشرق الاقصى) أو ما يمكن تسميتها ( العقل الماوي) والحضارة الاسلامية التي تجمع الحضارة العربية والفارسية والتركية والملايو وجنوب شرق اسيا وشبة القارة الهندية وهو ما يمكن تسميته ( بالعقل الاركوني الاسلامي ) وهذان المحوران يمتلك رصيدا معرفيا يبقيهما في صيرورة ودوام ليكونا عاصيان على أي حضارة تحاول ان تخترقهما مهم كانت إمكانياتها العسكرية و الاستعمارية أو مهما كانت مستوياتها المعرفية .

 والحقيقة أن أمريكا بلد متطفل على الحضارات الاخرى لذا فهو يحاول بإمكانياته التي حصدها من زمن الحرب العالمية الثانية أن يتجاور ويستولي على الاخر ( الاوربية اليهودية ) او ان يكون سلاحهما المعلن في سبيل تحقيق أهدافهم التوسعية للسيطرة والهيمنة على العالم , واذا ما ان اردنا نموذجا لهذا العقل التوسعي فإسرائيل خير مثال في سياسة الاستيطان وتهجير اهلنا في فلسطين المحتلة , كما انها تجند الثقافة والاعلام ليكونا العقل الشعبي الذي يعسكر الجمهور على الدوام .

 لذا كانت المصلحة الاقتصادية والامنية هي السبيل الوحيد لهذا العقل للاستيلاء على الفكر الاوربي من خلال امركة العالم , وقد حذّر وزير خارجية فرنسا قديما جاك فوبو ( من ترك الأبواب الفرنسية مشرعة أمام فيضان الثقافة الأمريكية وخاصة الأفلام الأمريكية كما حذّر من غزو الثقافة الجماهيرية لشرائح المجتمع الفرنسي ونبّه إلى مخاطر النتاج السمعي والبصري مقابل زيادة الإنتاج الهوليودي الذي غطى العالم وراكم الأرباح الطائلة دون أن يدخل منها إلى ميزانية اوربا ولو جزءاً من الأرباح الأمريكية ).

 وهذا يوضح من أن فرضية فوكوياما وفرضية هنتينغتون قد تحولت الى صيغة تفسيري للصراع القرن الواحد والعشرين لتكون الثقافة هي محور الصراع العالمي اليوم ، وهما بهذا يروجان للثقافة الغربية أو الامركة العالمية من اجل تعميمها وتبويئها على المجتمعات الأخرى بأدوات وقواعد عقل التكنتروني المفروضة على واقع المجتمعات الاخرى ، ويهيؤون لاختراق الاسس العقلية لتلك المجتمعات كي ما ترتبط مصيريا بمخاطر ومخاوف العقل التكنتروني الذي بداء عملية التبشير به منذ زمن ( تاتشر وريكن ) حتى اصبحت اليوم تشريع امميا على أوربا اولا , ثم حكما مفترضا على عموم العالم ومما زاد من شدة نفاذ هذه الشرعية هو انهيار الاتحاد السوفيتي وتمحور العالم حول القطب الواحد الاوحد الامريكي .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك